الجزائر تجند الاستثمارات الاقتصادية لخدمة خارطتها السياسية

وكالة أنباء حضرموت

تماهت نتائج المناقصات الاستثمارية المعلن عنها في الجزائر من طرف شركة سوناطراك مع نوعية العلاقات الدبلوماسية التي تربط البلاد مع محيطها الإقليمي والدولي، حيث فاز تحالف فرنسي – قطري بصفقة في الطاقة مهمة في العروض الجديدة، كما حضر صينيون وأوروبيون آخرون في عروض أخرى، وهو ما يجسد رغبة جزائرية في استغلال الصفقات الاقتصادية لدعم التقارب الدبلوماسي، وحتى في تطويق الأزمات السياسية، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا.

ورسى أبرز عرض من عروض شركة سوناطراك النفطية الجزائرية، والمتعلق بأنشطة الاستكشاف والتطوير والاستغلال في حقل “أهارة”، بجنوب البلاد على تحالف “توتال إينرجيز”، و”قطر للطاقة”، وهو شراكة فرنسية – قطرية، مما يكرس رغبة الجزائر في توظيف استثمارات الطاقة من أجل تعزيز التقارب الدبلوماسي واحتواء الخلافات السياسية، وهو ما ينطبق على الدوحة وباريس.

وذكر بيان لوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية أن “الوزير محمد عرقاب أشرف على مراسم إيداع الأظرفة وتقييم العروض المتعلقة بالمنافسة الدولية لجولة منح التراخيص الجزائرية ‘ألجيريا بيد راوند 2024’، والتي نظمتها الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات، بمقر المذكورة”.

الجزائر تأمل في دعم إنتاج البلاد من الغاز بـ20 مليار متر مكعب سنويا على الأقل بموجب العقود الجديدة

وتأتي الصفقة عقب إعلان نتائج جولة عطاءات دولية جرى إطلاقها في أكتوبر الماضي، تتعلق بحقل “أهارة” الغازي، الواقع بصحراء الجنوب الشرقي للبلاد، وتشمل أنشطة الاستكشاف والتطوير والاستغلال.

وتعد العروض الدولية الجزائرية الجديدة هي الأولى من نوعها منذ العام 2014، الأمر الذي يعتبر تحولا لافتا نحو فرص شراكة جديدة في القطاع الأول الذي تعتمد عليه البلاد في توفير مداخيل الدولة من العملة الصعبة، وتضع حدا لسنوات من الجمود نتيجة العديد من الأسباب، يأتي على رأسها الوضع السياسي غير المستقر، وغموض مناخ الاستثمار، قبل أن يتم تعديل قانون الطاقة.

وتجسد المشاريع الجديدة نوايا السلطة الجزائرية في الاعتماد المستمر على قطاع الطاقة كمحرك للاقتصاد المحلي، رغم مساعي التحرر من التبعية النفطية، ويبدو أن التجاذبات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، وتأثيرها على أسواق النفط والغاز، باتت تغري الجزائر أكثر في استغلال الوضع، خاصة مع تصاعد طلبيات المستهلكين من أوروبا.

وتماهت نتائج العروض المعلن عنها من طرف اللجنة المختصة، مع نوعية العلاقات الدبلوماسية التي تربطها مع شركائها الإقليميين والدوليين، وتترجم رغبتها في توظيف ورقة الاستثمارات الاقتصادية في احتواء خلافاتها القائمة مع فرنسا، وقبل ذلك مع إسبانيا، ولذلك شكلت زيارة رئيس مجمع “سيما سي.جي.أم الفرنسي” للنقل والشحن البحري رودولف سعادة، منعطفا لافتا في أفق التعاون الاقتصادي، رغم الأزمة السياسية القائمة بين البلدين منذ نحو عام.

ووفق وثيقة الوكالة الجزائرية للاستكشاف، فإن “المخزونات المنتظرة لحقل أهارة من الغاز تقدر بـ115 مليار متر مكعب، أما الاحتياطات المؤكدة فتقدر بنحو 39 مليار متر مكعب”.

وكانت الجزائر قد أطلقت في أكتوبر الماضي مناقصة دولية للمحروقات هي الأولى في البلاد منذ 2014، كما أنها أول عملية في إطار قانون المحروقات الجديد الذي تقول السلطات إنه تضمّن تحفيزات وإعفاءات ضريبية وجبائية وجمركية للشركات الأجنبية المستثمرة.

ورست الجولة على خمسة تراخيص من أصل ستة معروضة، أربعة منها مخصصة للغاز، وواحد للنفط لم يتلق أي عرض، وجرى منح تحالف بين شركتي “إيني” الإيطالية و”بي.تي.تي.إي.بي” التايلاندية عقد حقل “رقان 2″، جنوب غربي البلاد، فيما نالت شركتا “سينوبك” و”زي.باك” الصينيتان حقلي “قرن القصعة” جنوب غربي البلاد، و”زرافة 2″ وسط الصحراء، على التوالي، وحصل تحالف نمساوي – سويسري مكوّن من شركتي “زانغاس” و”فيلادا” على حقل “طوال 2” بالجنوب الشرقي للبلاد.

وتأمل الجزائر دعم إنتاج البلاد من الغاز بـ20 مليار متر مكعب سنويا على الأقل بموجب هذه العقود الجديدة التي ستدخل مرحلة الإنتاج في فترات من 5 إلى 10 سنوات، وتسعى شركة سوناطراك الجزائرية لرفع إنتاج البلاد من 140 مليار متر مكعب إلى 200 مليار سنويا بحلول 2028، وزيادة الصادرات من 50 إلى 100 مليار متر مكعب.

المخزونات المنتظرة لحقل أهارة من الغاز تقدر بـ115 مليار متر مكعب، أما الاحتياطات المؤكدة فتقدر بنحو 39 مليار متر مكعب

وعلى صعيد آخر، انطلقت في العاصمة الجزائرية تظاهرة “أيام الصناعة”، بحضور لافت لنحو عشرين شركة فرنسية وأكثر من 150 شركة جزائرية، وذلك بغرض تعزيز الشراكات الصناعية بين الشركات المحلية ونظيراتها الأجنبية من خلال لقاءات أعمال مباشرة وورشات عمل متخصصة.

وفي تصريحاته على هامش الفعالية، شدد رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية ميشال بيساك على أهمية العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا رغم التوتر السياسي القائم بين البلدين.

وأكد لوسائل إعلام محلية أن “هذه العلاقات تمثّل رهانا أساسيا يجب الحفاظ عليه وتعزيزه، كونها تستند إلى روابط إنسانية واجتماعية عميقة تكفل استمرارها مهما كانت الاضطرابات الراهنة، ولذلك فإن الشركات الجزائرية والفرنسية تسعى إلى الاستمرار في نهج التعاون الذي أطلقه رئيسا البلدين، بهدف صون الروابط الاقتصادية وحمايتها من تبعات التجاذبات السياسية.“

وأوضح المتحدث أن “اهتمام الشركات الفرنسية بالسوق الجزائرية ما زال قويا بالرغم من البرود الدبلوماسي. فالشركات الفرنسية العاملة في الجزائر تواصل نشاطها وتُحقق أعمالا ناجحة في بيئة تظل مواتية، حيث يحظى الفرنسيون وتراثهم الصناعي بترحيب وتقدير دائم لدى الجزائريين.”

ولفت ميشال بيساك إلى أن “هذا الإقبال الفرنسي المستمر يعكس متانة الشراكات الاقتصادية بين البلدين وقدرتها على الصمود، فهناك نحو ستة آلاف شركة فرنسية تعمل مع الجزائر ومثلها من الشركات الجزائرية تنشط مع فرنسا، وهو مؤشر على تشابك المصالح الاقتصادية بشكل يصعب معه فكّها حتى في ظل الأزمات.”