التلفزيون المصري يعيد هوية إعلام الخدمة العامة ببرامج متخصصة
تمضي الهيئة الوطنية للإعلام في مصر والمشرفة على إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) في خطواتها نحو إنعاش قنوات التلفزيون منذ أن جرى تعيين إدارة جديدة لها في نوفمبر الماضي، بقيادة أحمد المسلماني، وبدأت الانتقال مؤخرا من وضع خطط التطوير إلى تنفيذها، وإدخال تعديلات على الخريطة البرامجية، وانصب التركيز على برامج متخصصة جادة قد تُعيد هوية إعلام الخدمة العامة.
وينطلق برنامج “الاقتصاد 24” على شاشة القناة الأولى الأيام المقبلة، ويُبث يوميا لمدة ساعة، ويتناول قضايا الاقتصاد والمال محليا وعالميا، وتمت الاستعانة بثلاثة من الإعلاميين الشباب من أبناء التلفزيون الحكومي ممن عملوا في فضائيات عربية ودولية، بينهم الإعلامي أحمد نجيب الذي عمل في قناة “الحرة” الأميركية، وولاء غانم وعملت بفضائية “الغد”، ومحمود يوسف وعمل بفضائية “إي.بي.سي.”
ويستعد ماسبيرو لإطلاق برنامج “العالم غدا” ويهتم بقضايا السياسة الدولية، ومن تقديم محمد ترك وريهام الديب وليلى عمر، وهؤلاء عملوا من قبل في فضائيات مصرية وعربية، بجانب برنامج “كلام في العلم” الأسبوعي والمتخصص في القضايا العلمية، ويقدمه الدكتور سامح سعد، بعد فترة من اختفاء هذا النوع من البرامج على شاشات الفضائيات المصرية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن تقديم خريطة برامجية جديدة خطوة مباشرة نحو التعرف على تطوير التلفزيون الحكومي، وأن التوجهات السابقة التي ذهبت نحو نفض الغبار عنه والقيام بتحركات تنظيمية داخلية لا يشعر بها الجمهور بشكل مباشر، وتقديم محتويات جيدة والتسويق لها عبر وسائل متباينة، تحدد مدى القدرة على لفت انتباه الجمهور إليها مجددا.
ويرى هؤلاء الخبراء أن البرامج الجادة تتماشى مع فئة الجمهور الذي يمكن أن يمنح وقته لمشاهدة القنوات الحكومية بعد أن أفلت منذ سنوات، واختيار نوعية البرامج التي لا تلقى اهتماما من عموم الجمهور لتكون انطلاقا لتطوير المحتوى يمكن أن تصبح إيجابية في حال كان ذلك بناء على دراسات أكدت طبيعة الجمهور الذي يمكن أن يتخذ القرار بمتابعة التلفزيون المصري.
وكان تأثير التلفزيون الحكومي سابقا مرتبطا بما يقدمه من برامج متخصصة في مجالات استطاعت أن تبقى محفورة في أذهان أجيال عديدة، والعودة إليها مع الخطوات الجديدة لتطوير قطاع “القنوات المتخصصة” يجب أن يكون وفق أسس مغايرة، لأن المنافسة صعبة للغاية مع الحاجة إلى ميزانيات مادية ضخمة.
ويشير الابتعاد عن الطرق التقليدية التي اتخذت من قبل لتطوير المحتوى عبر الاهتمام ببرامج التوك شو والرياضة والمنوعات، إلى أن الهيئة الوطنية للإعلام أدركت صعوبة المنافسة في تلك المجالات التي تنتشر بأشكال مختلفة والذهاب نحو البرامج الأكثر تخصصا لها جمهور لديه شغف بمتابعة التلفزيون الحكومي هو السبيل الأفضل للتطوير، بعيدا عن الدوران في إطار واحد لم تخرج عنه جميع محاولات التغيير السابقة، التي لم تحقق أهدافها الإعلامية عبر فضائيات مصرية متعددة.
وقالت استاذة الإعلام بجامعة القاهرة نشوى عقل إن التلفزيون الحكومي انتبه إلى أهمية البرامج المتخصصة وقدرتها على جذب الجمهور منذ التسعينيات من القرن الماضي، وجرى إنشاء قطاع لهذه القنوات وحققت قبولا عند انطلاقها، غير أن الخفوت الذي أصاب الإعلام المصري برمته طالها أيضا، وما يحدث حاليا محاولة لاستعادة عنصر إيجابي، من خلال برامج يتم بثها على القنوات الأكثر انتشارا وعبر ميزانيات مالية أضخم من تلك التي يتم بها إنتاج محتوى القنوات المتخصصة.
خبراء الإعلام يتفقون على أن تقديم خريطة برامجية جديدة خطوة مباشرة نحو التعرف على تطوير التلفزيون الحكومي
ويضم قطاع القنوات المتخصصة، قنوات تعليمية وأخرى متخصصة في الدراما والسينما والثقافة والكوميديا والأسرة والطفل، ومؤخرا أعلن عن تطوير هذه القنوات ودمج بعضها، ومن المقرر دمج قناتي “النيل للدراما” و”نايل كوميدي” في قناة واحدة، ودمج قناتي “الأسرة والطفل” و”النيل لايف” معا، إلى جانب إعداد دراسة لإمكانية إنشاء قناة أطفال بمواصفات عالية تستطيع المنافسة المهنية، دون أن يتم الإعلان بعد عن نتائج تلك الدراسة.
وأوضحت عقل في تصريح لـ”العرب” أن التركيز على ترسيخ فكرة إعلام الخدمة العامة، يهدف للتثقيف بحاجة إلى محتوى جاذب للجمهور بالاستعانة بكفاءات وتوفير الإمكانيات المتاحة لنجاحها، وخلق معالجات أكثر عمقا تقدم وجبة دسمة للمتفرجين الذين يمكن أن يكونوا بحاجة إلى هذه النوعية من البرامج بعد شيوع إعلام الترفيه والتسلية الذي يتم تقديمها بطريقة خاطئة، وحولتها إلى إثارة بسبب تداخل الإعلان مع الإعلام، وعلى التلفزيون الحكومي تقديم محتوى جاد بعيدا عن العوائد المالية.
وأشارت إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون بحاجة إلى توظيف العناصر الإنتاجية المتاحة بشكل جيد، ولن تكون هناك مشكلة في البدء بعدد قليل من البرامج شريطة أن تقدم يشكل متميز، وأن تتعدد محاولات تقديم برامج بصبغة مغايرة إلى حين العودة للانشغال باهتمامات الجمهور، مع تنوع الضيوف والابتعاد على المجاملات السائدة في بضع البرامج، وإتاحة مساحات لتقبل الآراء المختلفة.
ولدى بعض خبراء الإعلام رغبة في أن تتحول القرارات التي اتخذها رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني إلى أجندة عمل حقيقية، فمنذ أن تولى منصبه قرر عودة مسرح التلفزيون واستعادة القناة الأولى والفضائية المصرية من رعاية الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (مملوكة أيضا لجهات حكومية)، ومنع بث الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم، ويتم البدء في التطوير بصورة أكثر وضوحا على مستوى المحتوى الذي بحاجة إلى مزيد من الوقت للحكم عليه.
وذكرت نشوى عقل في حديثها لـ”العرب” أن ماسبيرو بدأ في اتخاذ إجراءات تشي بأنه جاد في التطوير هذه المرة، لأنه عقد شراكة مع جامعة القاهرة بشأن قبول تدريب الكوادر الطلابية والشبابية، وتوفير فرص عمل لمن يثبت كفاءة، وهو أمر لم يكن حاضرا في السنوات الماضية، مع غلق الباب أمام تعيين إعلاميين وصحافيين جدد في غالبية المؤسسات الإعلامية الحكومية، مشيرة إلى ضرورة تحقيق التطوير المنشود، والذي يتطلب كوادر تستطيع تدريب العنصر البشري كأساس للنجاح.
ولفتت إلى أن التلفزيون المصري بحاجة إلى تطوير على مستوى الشكل، وتطوير إشارات البث كي تصل الصورة أكثر وضوحا للمواطنين، وهي عملية مطلوبة بجانب تطوير المحتوى، مع وضوح السياسات الإعلامية وتنويع الأفكار، وكلها خطوات بحاجة إلى دعم رسمي كبير، وهو ما يحدث حاليا مع اقتناع بأهمية عدم ترك إمكانيات التلفزيون الحكومي من دون استغلال بعد أن جرى إهماله الفترة الماضية.