إريتريا طريق إمداد جديد للبرهان بعد فقدان مثلث حدودي استراتيجي
كشفت تقارير إثيوبية متطابقة أن الجيش السوداني لجأ إلى الأراضي الإريترية لتأمين شحنات أسلحة حيوية، بما في ذلك أنظمة مضادة للطائرات وطائرات مسيّرة تركية وإيرانية، وبراميل متفجرة وقطع غيار، مما يغذي الحرب الطاحنة المندلعة منذ عام 2023.
وهذه التطورات تأتي في خضم تقدم كبير لقوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة بعد سيطرتها على المثلث الحدودي مع مصر وليبيا، مما دفع الجيش لاتخاذ تدابير استثنائية لحماية أصوله العسكرية.
وجاءت هذه التحركات بعد تعرض الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لقصف جوي كثيف، مما استدعى نقل طائراته إلى إريتريا كإجراء وقائي، وهي خطوة تعكس مخاوف من تصعيد محتمل للنزاع، خاصة مع المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع.
وقبل أيام، أكد قائد مليشيا "البراء" التابعة للحركة الإسلامية، المصباح أبوزيد، حصول الجيش السوداني والكتائب المتحالفة معه على ما وصفه بأسلحة "عالية الجودة". واعتبر أن هذه الخطوة من شأنها إحباط هجمات شنتها قوات الدعم السريع على عدة أهداف بالطائرات المسيرة.
وكشفت تقارير إثيوبية أبرزها صحيفتا "ذا ريبوتر" و"ستاندار ميديا" اتفاق مدير جهاز الأمن السوداني الأسبق صلاح قوش الذي أجرى زيارة إلى إثيوبيا في 16 مايو الماضي، مع الرئيس أسياس أفورقي على استخدام الموانئ والمطارات الإريترية كمنافذ لتمرير الأسلحة إلى القوات الحكومية السودانية والجهات المتحالفة معها.
يُعرف صلاح قوش بتاريخه الطويل في خدمة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويُلقب بـ"رجل السودان القوي" لتورطه في صفقات الأسلحة. وقد ازداد نفوذه منذ سقوط النظام عام 2019، مدعومًا بتحالفه مع قوات البرهان ودوره كوسيط في تهريب الأسلحة. تجدر الإشارة إلى أن قوش أمضى فترة في إريتريا عام 2020، برفقة 15 ضابطًا أمنيًا مفصولًا، في ضيافة الرئيس أفورقي، ويحتفظ بعلاقات وثيقة مع أفورقي وجهاز المخابرات في أسمرة، وفقًا للتقارير.
وترى التقارير في وصول طائرات تركية وإيرانية مُسيّرة "بيرقدار ومهاجر-6" القادرة على حمل قنابل دقيقة التوجيه، إلى بورتسودان عبر مطار أسمرة في إريتريا عبر مطار أسمرة في إريتريا، مؤشرا على تعاظم الدعم العسكري الخارجي لقوات الجيش السوداني.
كما أشارت التقارير إلى وصول شحنة من الإمدادات العسكرية من إريتريا - تشمل أسلحة مضادة للطائرات، وبراميل متفجرة، وقطع غيار - إلى بورتسودان، في انتهاك واضح لقرارات الأمم المتحدة التي تحظر تسليم الأسلحة إلى أي من الجانبين في الصراع السوداني.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، أصبحت إريتريا طريق إمداد حيويًا لدرجة أن التجار لم يعودوا قادرين على تلبية الطلب، وفقًا لتقرير سابق لوكالة فرانس برس. وبينما كانت هذه العمليات تُجرى في البداية بشكل غير رسمي بين قوات بورتسودان والمهربين، إلا أنها تحولت منذ ذلك الحين إلى مستوى أكثر رسمية خلال العامين الماضيين.
ولا يقتصر التعاون المتنامي بين السلطات الإريترية وحكومة أمر الواقع في السودان على نقل الأسلحة واستخدام الموانئ، فقد كشفت التقارير عن تطورات سياسية وعسكرية متسارعة، بما في ذلك مزاعم بنقل قوات البرهان طائرات حربية إلى أسمرة كإجراء احترازي عقب سلسلة من الغارات الجوية بطائرات بدون طيار على مواقع مدنية وعسكرية في بورتسودان منذ 4 مايو.
وتُبرز هذه التطورات دعم إريتريا المتزايد لقوات البرهان، بما في ذلك نشر سفن حربية على طول الساحل السوداني واستضافة طائرات مقاتلة سودانية في المطارات الإريترية. كما أفادت التقارير بأن إريتريا تُدرّب آلاف المقاتلين من الحركات المسلحة الدارفورية، الذين انضموا لاحقًا إلى ما يُسمى "القوة المشتركة" التي تُقاتل إلى جانب قوات بورتسودان في كردفان ودارفور.
ومن المتوقع أن تُفاقم هذه التطورات التوتر في علاقات إريتريا المتوترة أصلًا مع إثيوبيا، إذ تُصرّ أديس أبابا على "حقها المشروع" في الوصول إلى البحر الأحمر، لا سيما عبر ميناء عصب الإريتري، الذي تعتبره أسمرة "رمزًا للسيادة الوطنية" وترفض التفاوض بشأنه.
وحدث تصعيد مماثل في يوليو 2024، عندما نشرت إريتريا سفنا حربية على طول ساحل السودان - وهي الخطوة التي اعتبرتها إثيوبيا استفزازا خطيرا أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية.
وشهدت العلاقات بين أسمرة وحكومة بورتسودان نموا كبيرا خلال العامين من الصراع، حيث زار البرهان إريتريا عدة مرات، وكان آخرها زيارة غير معلنة في أبريل.
ويشير المراقبون إلى أن وجود القوات البحرية الإريترية في بورتسودان في هذا الوقت الحرج يعد إشارة إلى الدعم الرمزي على الأقل للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع.
في هذه الأثناء، تواصل قوات بورتسودان تخزين الأسلحة. وكشفت تقارير سابقة أن جيش البرهان يبحث بنشاط عن مواقع "آمنة" لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة التي جمعها خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك دبابات وطائرات مسيرة وصواريخ - زودها الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بالعديد منها.
وتؤكد تقارير متعددة أن قوات بورتسودان قامت ببناء أنفاق داخل عدة قواعد عسكرية لحماية الأسلحة الاستراتيجية والطائرات المسيرة التي حصلت عليها مؤخرًا. وتشمل هذه الأنفاق أنظمة دفاع متطورة، ومعدات مراقبة، وتقنيات رادار جلبتها قوات البرهان لمواجهة طائرات الدعم السريع المسيرة.
وتهدف الأنفاق التي تم بناؤها حديثا إلى حماية الترسانة الاستراتيجية للجيش لعقود من الزمن، وتمكين التخزين المنهجي، وتعزيز الأمن - ومعالجة نقاط الضعف التي ظهرت عندما فقد الجيش العديد من المستودعات في أعقاب اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
ولدى السودان حدود مشتركة مع سبع دول هي، إريتريا وإثيوبيا في الشرق، دولة جنوب السودان في الجنوب، وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد في الغرب، وليبيا في الشمال الغربي، ومصر في الشمال.
وأعلنت قوات الدعم السريع السودانية، الأسبوع الماضي تمكّنها من السيطرة على منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر.
واعتبرت الدعم السريع، في بيان، أن "السيطرة على هذه المنطقة خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية، لا سيما في الصحراء الشمالية، كما يُسهم هذا الانتصار في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية"
وبعدها أعلنت قوات الدعم السريع الثلاثاء، السيطرة على منطقة "كرب التوم"، إحدى الواحات الثلاث الواقعة قرب سلسلة جبل العوينات في الولاية الشمالية السودانية والتي تمثل مسار إمداد من منطقة المالحة في شمال دارفور وحتى مليط، انطلاقًا من ليبيا.