تحولات الشرق الأوسط: صراع النفوذ والبرنامج النووي الإيراني
أدى هجوم 7 أكتوبر 2023 إلى تغيير إستراتيجية إسرائيل من الاحتواء إلى إعادة تشكيل المنطقة بشكل حاسم، ما أضعف المحور الإيراني وأدى إلى تصاعد العنف على جبهات متعددة.
وشكل سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 نكسة كبيرة لإيران، مفككًا أكثر من عقد من الاستثمار والنفوذ في سوريا، ما أثر على “الهلال الشيعي” وأجبر طهران على إعادة تقييم وجودها الإقليمي.
وتتزايد التهديدات الإسرائيلية بشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، بينما تستمر المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في ظل توترات شديدة ورفض متبادل لبعض المقترحات، ما يضع المنطقة على شفا تصعيد محتمل.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية عميقة وغير مسبوقة منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
تفكك محور إيران يفتح المجال لتحالفات إقليمية جديدة بينما تسعى موسكو وواشنطن لتوسيع نفوذهما على أنقاض النفوذ الإيراني في المنطقة
ولم يكن هذا التاريخ مجرد نقطة تحول في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بل كان بمثابة زلزال غيّر المشهد الإقليمي بأكمله، وأثر بشكل مباشر على ديناميكيات القوى، وخاصة نفوذ إيران الإقليمي، وتفاعلاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن برنامجها النووي.
والأهم من ذلك، أن هذه المتغيرات تزامنت مع حدث مفصلي آخر وهو سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، الذي أضاف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الإقليمي.
المتغيرات الإقليمية الكبرى
منذ هجوم 7 أكتوبر 2023 تصاعدت حدة العنف في المنطقة على جبهات متعددة، بما في ذلك هجمات الحوثيين في اليمن ضد السفن تضامنًا مع غزة، ما أثر على حركة الشحن العالمية.
وأظهر هذا التحول أن قضية الدولة الفلسطينية لا تزال تحديًا مركزيًا للمنطقة، وأدت إلى تراجع نفوذ إيران، خاصة بعد فقدانها لسوريا كحليف إستراتيجي رئيسي.
ومن بين المتغيرات الرئيسية تصاعد الصراعات حيث تحول الشرق الأوسط من حالة الاحتواء إلى مواجهات مباشرة.
وأصبحت إيران تواجه خسائر في محاورها الإقليمية التي كانت تشمل سوريا ولبنان والعراق، ما أضعف الاستقرار الإقليمي وزاد التهديدات الإرهابية المشتركة. كما شهدت المنطقة إعادة تشكيل للتحالفات، حيث ركزت الولايات المتحدة وإسرائيل على تعزيز الردع ضد إيران، بينما ظهرت مخاوف مشتركة بين دول مثل تركيا وقطر من تفكك سوريا. كل هذه التطورات أدت إلى انكفاء إيراني واضح عن المنطقة.
وكان سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 بمثابة نكسة كبيرة ومُهينة لإيران. فطهران، التي كانت داعمة رئيسية للأسد خلال الحرب السورية منذ عام 2011، استثمرت ما بين 30 و50 مليار دولار للحفاظ على نظام الأسد.
وتسعى الحكومة الإيرانية حاليًا إلى بناء علاقات مع القادة السوريين الجدد في محاولة لإنقاذ بعض نفوذها في دمشق.
وعلى الرغم من معارضتها لنظام “سني إسلامي” أدى سقوط الأسد أيضًا إلى انهيار شبكات التهريب الإقليمية التي كانت تحت سيطرة إيران، ما يؤكد تراجع قوتها اللوجستية في المنطقة.
وهناك مخاوف مشتركة بين إيران والدول الإقليمية مثل تركيا وقطر من تفكك سوريا وعودة الجماعات الإرهابية، ما قد يدفع روسيا وإيران إلى تبني نموذج دبلوماسي حيال سوريا يشبه جهودهما في التعامل مع نظام طالبان في أفغانستان.
خريطة النفوذ المتغيرة
بعد سقوط الأسد ومواجهة إسرائيل لحماس وحزب الله، بدأت ملامح خريطة جديدة للنفوذ الإقليمي في التشكل؛ تحالفات جديدة و”محاور مضادة” لإيران بدأت في الظهور.
واستغلت قوى إقليمية ودولية تراجع نفوذ إيران لتعزيز تواجدها، خاصة روسيا وتركيا والولايات المتحدة. وتدخل الصراعات في سوريا ولبنان والعراق واليمن مرحلة جديدة من التعقيد مع تقهقر النفوذ الإيراني.
ويؤكد هذا المشهد العام على ضرورة إعادة ترتيب التحالفات وتقاسم النفوذ بما يضمن استقرارًا نسبيًا في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذه التحولات يجب على صانعي السياسات عدم التقليل من شأن التحديات القديمة أو احتمال ظهور تهديدات جديدة.
وينبغي للولايات المتحدة أن تركز على عدة أهداف، من أهمها توسيع السلام العربي – الإسرائيلي، ومعالجة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل هادف. إن تحقيق هذه التطورات في الشرق الأوسط سيعزز أيضًا مصالح الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تراجع نفوذها في سوريا، لا تزال إيران قوة إقليمية، خاصة في منطقة الخليج. ويجب متابعة محاولاتها لإعادة بناء العلاقات في سوريا وتأثير ذلك على استقرار المنطقة. ويشمل ذلك رصد جهود إيران لإعادة تهيئة وجودها في سوريا من خلال تعزيز نفوذها لدى شرائح واسعة من المكونات السورية، والتأكد من عدم استعادة قدرتها السابقة على التأثير الإقليمي.
ويجب تشجيع التعاون بين الدول الإقليمية، بما في ذلك تركيا وقطر، لمعالجة المخاوف المشتركة مثل تفكك سوريا وعودة الجماعات الإرهابية.
وفي سياق التحولات التي أعقبت 7 أكتوبر وسقوط نظام الأسد، يجب دعم المبادرات التي تهدف إلى بناء نظام إقليمي جديد يعزز الاستقرار والأمن والازدهار، ويكون بمثابة محور مضاد للمحور الإيراني. ويجب العمل مع السلطات السورية الجديدة وحثها على الابتعاد عن إيران ومنع وجود قوات مسلحة إيرانية أو وكلائها على الأرض.
وأدت تداعيات الصراع السوري والحرب في غزة إلى أزمات إنسانية كبيرة. ويجب أن تكون المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين أولوية قصوى. فالاستثمار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لدول المنطقة له تأثير كبير في تقليل التوترات الأمنية، ودعم المبادرات التي تعزز الحوار الثقافي والاجتماعي.
وأكدت الأحداث الأخيرة أن القضية الفلسطينية تظل تحديًا مركزيًا للمنطقة. ويجب أن تكون هناك جهود دولية متواصلة لإيجاد تسوية سياسية دائمة وعادلة. ذلك يتطلب دعم الحوار بين الأطراف العربية، بمن في ذلك الفلسطينيون، لإيجاد تسوية سياسية تعزز الاستقرار وتحد من الفراغ الأمني.
وتسلط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر الضوء على ضرورة حماية الملاحة البحرية وتأمين الممرات المائية الحيوية. وهذا يتطلب تعاونًا أمنيًا إقليميًا ودوليًا لمواجهة هذه التهديدات وضمان سلامة التجارة العالمية.
ويؤكد واقع الحال أن الشرق الأوسط اليوم يمر بمرحلة مفصلية، حيث تتشابك التداعيات الكبرى لهجوم 7 أكتوبر 2023 مع التحولات الجيوسياسية الناتجة عن سقوط نظام الأسد.
ولتعزيز الأمن والاستقرار من الضروري أن تتبنى القوى الإقليمية والدولية إستراتيجيات شاملة تركز على الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإدارة التوترات، ودعم حلول سياسية مستدامة للصراعات القائمة، وتوفير الدعم الإنساني.
وتهدف هذه التوصيات إلى بناء نظام إقليمي جديد يعزز التعاون ويحد من التهديدات، ويساعد على تجاوز هذه المرحلة الحرجة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمنطقة.