شخصية بعيدة عن التجاذبات السياسية

برهم صالح باق في الرئاسة ومصير الكاظمي في الميزان

بغداد

لئن بدا مصير رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي معلقا بسبب تجاذبات الكتل الشيعية حول من يعود إليه حق تشكيل الحكومة، فإن مصير الرئيس برهم صالح بات مضمونا إلى حد كبير إثر تجديد الثقة فيه من قِبَل الحزبين الكرديين الكبيرين: الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.

ويمثل بقاء صالح في منصبه علامة من علامات الاستمرارية والتواصل في قمة السلطة في بلد مضطرب. أما منصب رئيس الوزراء فقد ارتُهِنَ من جديد بالصراعات الداخلية التي تحتدم في الأوساط الشيعية التي تتنافس على تشكيل الحكومة.

والرئاسة في العراق -بحسب العرف القائم- من نصيب الأكراد، بينما رئاسة البرلمان من نصيب السنة، ولقد أظهرت النتائج أن محمد الحلبوسي لا يزال هو المرشح الأوفر حظا للبقاء في منصبه.

وعلى الرغم من أن منصب برهم صالح لا يكتسب ثقلا تنفيذيا إلا أن شخصيته البعيدة عن التجاذبات الحزبية وسياسته الوطنية الجامعة وفّرتا له الأرضية الملائمة لأن يحظى بثقة القادة الأكراد وليكون ممثلهم وممثل العراق في آن واحد.

ولئن ظلّ توزيع المناصب الثلاثة العليا موضع سجال -إذ يرغب السنة في اعتلاء كرسي رئاسة الجمهورية، على أن تكون رئاسة البرلمان من نصيب الأكراد- فإن إجراء تعديل لا يبدو أمرا في المتناول.

ويرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني التنازل عن منصب رئيس الجمهورية، ويقول إنه يحفظ للعراق صورته كدولة فيدرالية متعددة القوميات.

ويقول عضو هذا الحزب أسعد طه إن “منصب رئيس الجمهورية من استحقاق الكُرد، ولا يمكن لأي مكون آخر التجاوز على هذا الاستحقاق، وإن العرف السياسي بالعراق يتحدث على أن يكون منصب رئيس الجمهورية للكرد، ورئيس البرلمان للسنة، ورئيس الوزراء للشيعة”.

وعلى الرغم من الشراكة الوثيقة التي جمعت بين صالح والكاظمي خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية -وهي شراكة مازال بوسعها أن تستمر- يبقى مصير الكاظمي متعلقا بالمنافسة بين التيار الصدري الذي قد يدعم بقاءه وبين التيار الذي يقوده زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي والجماعات الشيعية المسلحة.

وما لم يتمسك مقتدى الصدر بالمضي قدما لتشكيل تحالف يكسب الأغلبية المطلوبة في البرلمان (165 مقعدا) بمعزل عن الأطراف الشيعية الأخرى، فإن نجاح المالكي في تشكيل “كتلة أكبر” مضادة سوف يقضي على آمال الكاظمي.

كما أن تقاسم السلطة بين كتلتي “الثنائي الشيعي” المتنافستين قد يدفع به هو الآخر إلى خارج الدائرة، وذلك بالنظر إلى الانتقادات العنيفة التي يتعرض لها الكاظمي من التيارات الموالية لإيران التي لا تخفي اتهامه بالارتباط بالولايات المتحدة والتنسيق معها على حساب التنسيق مع إيران.

ويقول مراقبون سياسيون إن المزاج المتقلب لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هو النقطة الأضعف في رهانات الكاظمي للبقاء في منصبه، لاسيما أنه لم يرتبط بالتيار الصدري تقليديا، ولأن الصدر اختار دعمه كنوع من حل وسط في أبريل عام 2020 بعد فشل عدة محاولات لاختيار بديل لعادل عبدالمهدي الذي سقطت حكومته على وقع الاحتجاجات التي اجتاحت العاصمة بغداد ومدن جنوب العراق على امتداد 19 شهرا.

وعلى الرغم من أن الكاظمي حاول استرضاء الجميع إلا أنه ظل يتعرض لانتقادات عنيفة أحيانا من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، والتي اعتبرته تهديدا لنفوذها، لاسيما أنه تبنى شعارات مكافحة الفساد والدفاع عن سلطة الدولة وسيادة القانون، وهي قضايا جعلته في موضع العدو بالنسبة إلى هذه الجماعات، حتى لو لم يفعل الكثير مما كانت تلك الجماعات تخشاه.

وأشاد مقتدى الصدر بدور الكاظمي في إدارة الانتخابات وثمّن نتائجها “التي يعود الفضل فيها للسياسات المعلنة من جانب الكاظمي”. إلا أن الصدر الذي يحب أن يلعب دور “صانع الملوك” يمكنه أن يتخلى عن الكاظمي ليبحث عن شخصية أخرى ترضي الأطراف الشيعية الأخرى، في أي توافق بينهما.

ويقول مراقبون إن المالكي يمكن أن يتخلى عن السعي لاحتلال المنصب إذا شاء أن يلعب دورا مماثلا كـ”صانع ملوك”، ولكنه سوف يعود ليتصدر المشهد إذا انتهى إلى تشكيل كتلة أكبر من الكتلة التي يقودها الصدر.