كسر حاجز الصمت طريق السيدات للخلاص من العنف الزوجي

وكالة أنباء حضرموت

كشفت واقعة عرفت باسم “عروس مصر” التي تعرضت لاعتداء وحشي على يد زوجها واستغاثت بالسلطات لإنقاذها، أن السبيل لمحاسبة الزوج المعتدي هو توعية السيدات بثقافة الاستغاثة، ودون ذلك لن يستطعن وقف الاعتداءات التي يتعرضن لها، بعد أن جرى حبس الزوج بالتزامن مع غضب شعبي واسع.

ونشرت الزوجة استغاثة صادمة مصحوبة بصور لجسدها وبه إصابات خطيرة، ما دفع السلطات للتحرك وضبط المتهم وإحالته إلى النيابة العامة التي أثبتت من خلال التحقيقات أن الزوج احتجز المجني عليها داخل إحدى الغرف في المنزل وقام بتكميم فمها بلاصق كي لا تستغيث، وانهال عليها ضربا باستخدام سلك كهربائي.

وكانت الصدمة أن الزوجة لم تمض على زواجها أسابيع قليلة، ومنذ الأيام الأولى تعرضت لاعتداءات وحشية بشكل متكرر، ولم تستطع الدفاع عن نفسها أو الخروج من المنزل لطلب النجدة، ثم قررت الاستغاثة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بمنشور تفاعلت معه أعداد كبيرة، ما دفع أجهزة الأمن إلى القبض على الزوج.

وأظهرت الواقعة أن الزوجة التي تتعرض للعنف يصعب عليها الخلاص من تلك الوضعية إذا استسلمت للأمر الواقع بذريعة الحفاظ على كيان الأسرة من الانهيار، وإذا لم يكن المجتمع مستعدا لحمايتها، وعليها أولا أن تكون قادرة على حماية نفسها بكسر حاجز الصمت والتعود على ثقافة الاستغاثة في ظل وجود تشريعات صارمة تحتاج بعض الشجاعة النسوية.

الواقعة أظهرت أن الزوجة التي تتعرض للعنف يصعب عليها الخلاص من تلك الوضعية إذا استسلمت للأمر الواقع بذريعة الحفاظ على كيان الأسرة من الانهيار

وكشفت الحادثة أن السيدة التي تعاني من السلبية في مواجهة العنف الزوجي، سوف تتلقى المزيد على يد الزوج ما لم تكن مستعدة لخسارة كل شيء، المهم أن تكسب نفسها وتعيش حرة بعد محاسبة المعتدي، ولو كان والد أبنائها، أو وصل الأمر إلى حد الانفصال النهائي، لكن المشكلة في العقلية الأسرية التي تحاول إقناع الزوجة بالصبر والتحمل حفاظا على كيان الأسرة.

في مصر قوانين عديدة تُحاكم الزوج المعتدي على زوجته بعقوبات تصل إلى الحبس، لكن العبرة أن تكون الزوجة شجاعة وتلجأ إلى القضاء وتتخلي عن التقاليد والعادات المجتمعية البالية التي تمنعها من الحصول على حقها والانتصار لكرامتها، وتعلن العصيان على البقاء في علاقة زوجية أقرب إلى سجن يمارس فيه القهر والتعذيب.

ويرى متابعون لظاهرة العنف الزوجي في مصر أن الشريحة الأكبر ترفض الاعتداء على المرأة، لكن مهم أن تقتنع كل زوجة بأن الصمت عن العنف لاستمرار العلاقة الزوجية لن يوقف الأذى البدني طالما ظهرت في صورة منكسرة ومتقبلة للوضع باعتبار أنها لا تمتلك البديل المناسب، أو تخشى من الاستغاثة فتتعرض لعنف معنوي من أسرتها بحجة أنها تمردت على العادات.

والزوجة التي اشتكت زوجها وتقرر حبسه لم تُبلغ أسرتها بالقرار مسبقا، لكن المعضلة في وجود قناعة لدى بعض الأسر بأن الزوجة التي تلجأ إلى فضح شريكها المعتدي، من الأمور المعيبة التي تقود إلى جلب العار لعائلة الزوجة، بحكم أن التقاليد التي توارثتها الأجيال أوحت بأن الجلسات العرفية هي الفيصل في حل أي نزاع بين الزوجين.

والمتابع عن قُرب لوقائع الاعتداء على النساء في مصر، يكتشف أنه من النادر لجوء الزوجة إلى الشرطة والنيابة لمحاسبة زوجها مهما بلغت قسوة الضرب، لأنها وإن امتلكت شجاعة فهي تنتمي إلى أسرة قد تقاطعها وتتبرأ منها إذا فعلت ذلك، وربما تتعرض لتهديد من عائلة زوجها، مع عدم وجود منظمات نسائية قوية تدافع عنها.

وأكثر ما تقوم به الزوجة ضحية الضرب أن تترك منزل الزوجية لتقيم عند أسرتها لفترة حتى يأتي زوجها برفقة بعض أقاربه من أجل عقد جلسة صُلح عرفية ثم تعود إلى بيتها مجددا، وهو ما يتكرر مع كل واقعة اعتداء، وقليلا ما ينتهي الخلاف بسبب ضرب الزوجة إلى انتهاء العلاقة بالطلاق، لأن المرأة منزوعة القرار أحيانا وربما تُجبر على الصُلح حفاظا على استقرار أسرتها.

قوانين عديدة تُحاكم الزوج المعتدي على زوجته بعقوبات تصل إلى الحبس، لكن العبرة أن تكون الزوجة شجاعة وتلجأ إلى القضاء

وقالت أستاذة علم الاجتماع والباحثة في القضايا الأسرية بالقاهرة هالة منصور إن الاستغاثة ضد العنف الذكوري ثقافة نادرة عند الزوجات في الكثير من البيئات العربية، لأن المجتمع زرع في أذهان السيدات أن المجاهرة بالخلاف مع الزوج من الأمور المعيبة، ومجرد تصنيف الضرب على أنه خلاف بين شريكين كرس العنف الزوجي وجعله عادة وليس جريمة.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن التمرد على العنف الزوجي يحتاج إلى شجاعة وجرأة نسائيتيْن، وهذه ليست دعوة إلى تخريب العلاقات بقدر ما يهدف الأمر إلى لفت نظر المجتمع بمختلف أفراده إلى أن الاعتداءات المستمرة على الزوجات مرفوضة بشكل قاطع، والصمت المبالغ فيه من بعض السيدات لا يعني أن أي زوجة تقبل بتلك الوضعية مهما كانت الخسائر.

ويعني ذلك أن العنف الزوجي ضد النساء لن ينتهي بالقانون مهما بلغت صرامته، والعبرة في مدى تجاوب الزوجات مع تطبيق نصوصه والاحتماء بالسلطات المنفذة له، والدليل أن المرأة في الكثير من المناطق الريفية والشعبية تتعرض لإيذاء بدني ومع ذلك تختار الصمت حفاظا على العلاقة، كما أنها لا تعرف أصلا حقوقها ضد الزوج الذي يتعرض لها بالعنف المتكرر.

وأشارت هالة منصور إلى أن استمرار إدانة الزوجة التي تلجأ إلى الاستغاثة لحماية نفسها من العنف سوف يكرس الظاهرة ويقود إلى شرعنة التقاليد الأسرية في مواجهة الاعتداءات المتكررة، ويجب أن تقتنع كل عائلة بأن الطلاق حل وحيد لإنهاء العلاقة الفاشلة التي يصعب أن تستمر في ظل ممارسة العنف والتعذيب، ودور أسرة المرأة حمايتها وليس إجبارها على البقاء في علاقة ميؤوس منها.

وجزء من الأزمة يرتبط باستمرار إصدار فتاوى من رجال دين وشيوخ لهم شهرة، تبيح للرجل “تأديب” زوجته إذا خرجت عن طوعه، وهي ثقافة متجذرة في المجتمع أخفقت بعض المؤسسات الدينية المستنيرة في مواجهتها وتحولت الكثير من البيوت إلى مراكز تهذيب للزوجات دون أن تكون هناك تحركات لإدانة هؤلاء الشيوخ بتهمة التحريض على ارتكاب العنف المجرّم قانونا.

وبقطع النظر عن مدى اقتناع الأسرة والزوجة بالحق في القصاص، فالأهم نشر ثقافة الاستغاثة لتكون مظلة لحماية ضحية الاعتداء، مع ضرورة نشر الوعي بعقوبة ضرب المرأة لإظهار أن الدولة تقف خلفها شريطة أن تُبادر بكسر حاجز الصمت وتطلب الحماية، وإذا كانت تخشى الطلاق وخسارة كل شيء، فإنها ستُعامل كضحية وتتحرر من العلاقة وتحتفظ بكامل حقوقها.