خروف العيد انعكاس لأزمات زراعية ومناخية في تونس
يستعد التونسيون لاستقبال عيد الأضحى الأسبوع القادم، وسط إجماع الخبراء على أن خروف العيد هذا العام يعكس حزمة من الأزمات على المستويين الزراعي والمناخي في البلاد.
ويؤكد المتابعون أن قطاع تربية الماشية في تونس تعرض إلى خسائر كبيرة طيلة السنوات الأخيرة، بسبب تواتر مواسم الجفاف، وغياب تدخّل الدولة لتشجيع المزارعين، في ظلّ غلاء أسعار الأعلاف، ما دفع الكثير منهم إلى التفريط في القطيع.
وانطلقت الخميس، عمليات بيع الأضاحي بالنقاط المنظمة في مختلف محافظات البلاد. وأكد كمال الرجايبي، المدير العام للمجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والألبان، أن عملية البيع تتمّ بالميزان، حيث حُدّد سعر الكيلوغرام الواحد بـ21.900 دينارا، وهي تسعيرة تراعي الوضع الاقتصادي للمواطن التونسي، حسب تقديره.
وأوضح الرجايبي في تصريح لإذاعة محلية، أن العرض المتوفر من الأضاحي كبير، كما أن الإقبال من المواطنين كان “هامًا جدًا”، خاصة في نقاط البيع الكبرى مثل نقطة السعيدة في ولاية منوبة (قرب العاصمة تونس)، التي شهدت اقتناء أكثر من 60 في المئة من الكمية المعروضة منذ الساعات الأولى لانطلاق العملية، بحسب قوله.
وتراوحت أسعار الأضاحي ما بين 700 دينار وأكثر من 1000 دينار (33.12 دولارا)، حيث يرتبط السعر بشكل مباشر بوزن الأضحية. وأشار إلى أنّ نصف الأضاحي المتوفرة تبلغ أوزانها أقل من 50 كلغ.
ودعا الرجايبي المزارعين إلى مواصلة التفاعل الإيجابي والإقبال على عرض منتوجاتهم في هذه النقاط المنظمة، مؤكدًا أن عملية جلب الأضاحي من مناطق الإنتاج تتم بشكل تدريجي، وأن التزويد في مختلف النقاط سيستمر بنفس النسق.
وتتوزع نقاط البيع المنظمة حاليًا في إقليم تونس الكبرى، على نقطتي منطقة “السعيدة” من ولاية منوبة وجهة “رادس” في ولاية بن عروس، في انتظار استكمال ضبط قائمة نهائية لنقاط البيع في بقية الولايات (المحافظات)، التي ستُعتمد فيها نفس الصيغة المعتمدة من حيث التنظيم والأسعار.
وأحدثت خطوة تخصيص نقاط بيع من خلال تحديد سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء، جدلا واسعا في الأوساط الشعبية، فبينما يعتبره المواطن آلية جديدة للتحكم في الأسعار وتجنب المضاربة، يعتبر الوسطاء أنه إجراء يعرقل نشاطهم ويساهم في تراجع أسعار الأضاحي بشكل كبير.
وقال الخبير الزراعي، أنيس الخرباش، “هناك أزمة جفاف في السنوات الخمس الماضية أثرت بشكل مباشر على قطاع تربية الماشية واللحوم الحمراء، حيث وصل الكيلوغرام الواحد إلى 60 دينارا (20.11 دولارا)، في بعض المناطق، وهو نتاج لسلسلة من الأزمات مررنا بها في السنوات الماضية وأدت إلى ارتفاع أسعار الأعلاف ونقص مادة الشعير ما أدى إلى تفريط بعض المزارعين في قطيعهم، كما لم يكن هناك تمويل لا من البنوك ولا الدولة.”
وأكد لـ”العرب”، “اليوم نقاط البيع بتلك التسعيرة محدودة جدا ومن الصعب الالتزام بها، واليوم وجب التفكير في وضع تشريعات جديدة من ضمنها منع ذبح الأنثى للمحافظة على القطيع.”
وأشار الخرباش إلى أن “70 في المئة من بائعي الخرفان اليوم هم وسطاء وليسوا مزارعين، وساهموا بشكل كبير في ارتفاع أسعار الأضاحي.” كما تسببت أزمة الجفاف في ارتفاع أسعار المواد العلفية في السوق المحلية، إلى جانب تواصل ارتفاع أسعار المواد العلفية المركبة.
وتراجع عدد قطيع الماشية في تونس إلى النصف، فضلا عن غلاء أسعار الأعلاف المركبة بسبب انعكاسات الجفاف. وتؤكد أرقام رسمية، أن قطيع الأغنام تراجع بين 2011 و2025 بنسبة 45 في المئة، أي من 7.5 ملايين رأس غنم إلى 4.5 مليون رأس.
وأفاد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن “الإشكال الحقيقي في سيطرة مافيا على اللحوم الحمراء، وهناك نسق تصاعدي في بيع اللحوم،” معتبرا أن “21900 هو سعر مرجعي للاستئناس به.”
ولفت لـ”العرب”، أن “الخروف أصبح عند الوسيط، لذلك وجب تسعير اللحوم الحمراء عند البيع بالتفصيل،” لافتا أن “الظروف المناخية أثرت إلى حدّ ما في غلاء الأسعار.”
وتابع الرياحي “يوجد تراجع في أسعار الأعلاف إلى حدود النصف، وهناك مليون و200 ألف خروف مخصصة للعيد، في حين يتم ذبح 900 ألف خروف كل سنة تقريبا، لكن هناك هيمنة من الوسطاء على كمية الخرفان والأسعار.”
ويسهم قطاع تربية الماشية في تونس بنسبة 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للبلاد، وفق التقديرات، ما يؤكد أنه مجال مهم في التنمية وتوليد الوظائف، وكذلك لأمن التونسيين الغذائي.
وخلّف ارتفاع أسعار الأعلاف تذمّرا كبيرا بين المزارعين، خصوصا مربي المواشي والأبقار، وسط تحذير من انعكاسات ندرتها والتلاعب بمكونات إنتاجها ونسبه.
وتزدهر ظاهرة التفريط في القطيع خاصة لدى المزارعين في مناطق الوسط والساحل والجنوب، لأنها مناطق جافة ولا تتوفر على موارد علفية كافية.
ويحمّل أهل القطاع تدهور عمليات الإنتاج الزراعي والحيواني إلى تقصير الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، خاصة عدم تقديم الدعم في أوقات الأزمات.