غياب الزعماء عن قمة بغداد يُضعف زخم القرارات بشأن غزة وغيرها
انطلقت أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين اليوم السبت في بغداد، وسط إجراءات أمنية مشددة وترتيبات مكثفة، لمناقشة جملة من القضايا الإقليمية الملحة، وعلى رأسها الأوضاع في قطاع غزة، في ظل غياب لافت لمعظم الزعماء العرب، حيث لم يحضر سوى ستة فقط، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول مدى قدرتها على الخروج بقرارات مؤثرة وفاعلة لمواجهة الأزمات الراهنة.
وتأتي قمة بغداد في توقيت حرج، حيث تتصاعد وتيرة الأحداث في المنطقة، وتبرز مطالبات عربية موحدة بضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، كما تتضمن أجندة القمة مناقشة التغيرات الجذرية التي تشهدها بعض الدول العربية، مثل السودان وليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى ملفات حيوية تتعلق بالطاقة والأمن الغذائي والمائي.
وبالنسبة للعراق، تمثل استضافة هذه القمة فرصة سانحة لتعزيز حضوره السياسي على الساحة العربية، وإبراز دوره كمنصة للحوار ومد جسور التواصل بين الأطراف المتنازعة. وتسعى بغداد أيضًا إلى تقديم صورة جديدة عن استقرارها الداخلي النسبي، وتعزيز موقعها في معادلة التوازنات الإقليمية المعقدة.
وقال الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد في كلمة افتتاح القمة التي يحضرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "تنعقد قمة بغداد في ظل ظروف بالغة التعقيد وتحديات خطيرة تهدد منطقتنا وأمن بلادنا ومصير شعوبنا".
وأضاف "الهدف الأسمى من عقد قمتنا اليوم، وبعد فترة ليست بالطويلة من عقد قمة طارئة في القاهرة، هو توحيد مواقفنا تجاه التحديات المتزايدة، إيمانا منا بأهمية العمل المشترك، وبما يؤدي إلى تغليب المصالح الوطنية العليا على مصالح أخرى".
على الرغم من التمثيل المتواضع على مستوى القادة، تعهد العراق خلال القمة بتقديم مساهمات مالية، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في عن تخصيص 40 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة ولبنان، بواقع 20 مليون دولار لكل منهما.
كما أعلن السوداني في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للقمة "18 مبادرة طموحة لتنشيط العمل العربي المشترك وفي مقدمتها مبادرة تأسيس الصندوق العربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار ما بعد الأزمات والصراعات والحروب".
وتستضيف بغداد السبت القمة الرابعة والثلاثين لجامعة الدول العربية فيما أعلن الجيش الإسرائيلي شنّه "ضربات مكثفة" في إطار هجوم جديد على غزة.
ودعا السوداني إلى "عمل عربي جاد ومسؤول لإنقاذ غزة وإعادة تفعيل دور وكالة الأونروا"، كما أكد على دعم وحدة وسيادة سوريا والعراق والسودان وليبيا واليمن ولبنان، ورحب بالمفاوضات الأميركية الإيرانية وقرار واشنطن رفع العقوبات عن سوريا.
في كلمته أمام القمة العربية ببغداد، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الوضع الفلسطيني بأنه "أشد مراحل خطورة"، منددًا بـ"جرائم ممنهجة وممارسات وحشية" إسرائيلية في غزة والضفة، ومطالبًا المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بالتدخل لوقف "الكارثة الإنسانية".
وأثنى السيسي على جهود ترامب في وقف إطلاق النار السابق، لكنه انتقد "العدوان الإسرائيلي المتجدد"، ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية كشرط للسلام الشامل.
كما طالب ترامب بالضغط لوقف إطلاق النار، مشددا على ضرورة الوحدة العربية لمواجهة تحديات المنطقة، داعيا إلى حلول سياسية في السودان، وسوريا، وليبيا، واليمن، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، ودعم الصومال.
ومن جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمة له خلال القمة عن رفضه للتهجير القسري الذي يتعرض له السكان في قطاع غزة، مؤكدا على حل الدولتين لتحقيق السلام بين فلسطين واسرائيل، مبديا دعمه للعملية السياسية في سوريا بمشاركة جميع أبناء البلاد.
وحذر الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط خلال كلمته في القمة من استمرار "جماعة الحوثي" في "مسارها الذي جرّ على الشعب اليمني مواجهات وأهوال".
وأضاف أن "اليمن لن يشهد أي استقرار حقيقي ما لم تدرك جماعة الحوثي أن استمرار هذا النهج القائم على العنف والانقلاب أمر مستحيل".
وأشار أبوالغيط، إلى أن "هناك بعض الدول مهددة في وجودها وكيانها"، مبينا أن "كيان الدولة في السودان أصبح عرضة للتهديد، في حين صار الانقسام يهدد وحدة الصف في ليبيا".
وتابع "ما تزال قضية فلسطين هي القضية الأساسية للعرب، اذ بات قتل الأطفال والمدنيين هناك أمرا طبيعياً أمام العالم"، لافتا إلى أن "لبنان هو الآخر يواجه تحديا للتعافي في ظل عدوان صهيوني متواصل منذ فترة طويلة".
وبشأن سوريا، أوضح أبوالغيط، أنها تخوض مرحلة صعبة بعد تغيير النظام فيها.
من جانبه، طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدور سانشيز، اليوم السبت، بإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة على الفور.
وقال سانشيز خلال مشاركته أعمال القمة إن "فلسطين تنزف أمام أعيننا وما يحدث في غزة لا يمكن غض عنه الطرف"، مشيرا إلى أن "أرقام القتلى في غزة هائلة وغير مقبولة وتنتهك القانون الدولي"، مشيرا إلى أن.
وأضاف "اقترح تركيز جهودنا على أربع أولويات، الأولى إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة على الفور، ومضاعفة الضغط على الاحتلال لوقف المذبحة في غزة، مع المضي قدما لحل سياسي نحو السلام، وأيضا تعزيز الحوار الأوروبي والعربي والإسلامي لحل مشكلات المنطقة".
كما أشار إلى أن "إسبانيا ملتزمة بكل ما بوسعها للمضي قدما نحو السلام".
وتأتي هذه القمة بعد نحو شهرين من قمة غير عادية استضافتها القاهرة تبنت خلالها الدول العربية خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها.
وعلى الرغم من الجهود العراقية لاستضافة قمة ناجحة، فإن الغياب اللافت لمعظم القادة العرب يطرح تساؤلات حول مدى الالتزام الجماعي بالقضايا المطروحة وقدرة القمة على اتخاذ قرارات مؤثرة. فقد تغيب عن القمة قادة كل من السعودية، والإمارات، وسوريا، والبحرين، والكويت، والجزائر، ولبنان، وتونس، والأردن، وسلطنة عمان، وليبيا.
وفي المقابل، حضر القمة شخصيا عدد محدود من الزعماء، هم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس اليمني رشاد محمد العليمي، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ومن المرجح أن يُلقي هذا الغياب البارز بظلاله على نتائج القمة ومخرجاتها. ففي ظل عدم حضور قادة دول إقليمية مؤثرة، قد تفتقر القرارات المتخذة إلى الزخم السياسي اللازم لتنفيذها على أرض الواقع. كما أن غياب قادة دول ذات ثقل اقتصادي على غرار السعودية والإمارات قد يحد من فعالية أي مبادرات اقتصادية أو مشاريع إعادة إعمار يتم الإعلان عنها.
وإلى جانب القادة والمسؤولين العرب، شهدت القمة مشاركة دولية وإقليمية واسعة، حيث حضر الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس وزراء إسبانيا، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج لويجي دي مايو.
وتستضيف بغداد هذه القمة للمرة الأولى منذ عام 2012، في ظل تحديات إقليمية معقدة، تشمل استمرار الحرب في غزة، والتطورات في سوريا بعد تغيير النظام، والمفاوضات الأميركية الإيرانية إلا أن غياب معظم القادة العرب قد يقلل من قدرتها على تحقيق طموحاتها بلعب دور محوري في المنطقة بشكل كامل.
من المقرر أن تشهد القمة جلسات عمل مغلقة لمناقشة جدول الأعمال واعتماد القرارات، تليها جلسة ختامية علنية يتم فيها إعلان "إعلان بغداد" وتحديد مكان انعقاد القمة المقبلة. كما ستُعقد الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية والاقتصادية والاجتماعية على هامش القمة.
كما ستُعقد الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية، إذ تنطلق الجلسة الافتتاحية عصرا، تليها جلسة العمل الأولى لمناقشة واعتماد المشاريع والقرارات، وتُختتم أعمال اليوم بمؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية العراقي والأمين العام لجامعة الدول العربية، يُعقد عند المساء.