فيضان الغضب بدل الماء يلوح في أفق صيف دمشق الساخن
تواجه العاصمة السورية دمشق أحد أشد تحدياتها المائية منذ عقود، حيث انخفض تدفق المياه من نبع عين الفيجة، المصدر الرئيسي للمياه في المدينة، الواقع في الريف الغربي لدمشق، إلى أدنى مستوى له منذ عام 1958، وسط إجراءات رادعة اتخذتها السلطات التنفيذية السورية لترشيد استهلاك مياه الشرب خلال فصل الصيف القادم.
ويعاني سكان مدينة دمشق وبعض المناطق القريبة منها والتي تتغذى على مياه نبع الفيجة منذ أسبوعين تقريبا نقصا حادا في مياه الشرب، وبات هذا الأمر حديث الناس والشغل الشاغل لهم.
وفي السادس عشر من أبريل الماضي أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها عن رفع حالة الطوارئ في ظل شح الموارد المائية، وارتفاع الطلب على المياه وانخفاض هطول الأمطار إلى 30 في المئة من كمية الأمطار السنوية لنبع الفيجة، بينما لم يتجاوز الهطول المطري لمدينة دمشق 23 في المئة، وهذه أقل نسبة تم تسجيلها منذ العام 1958، وفقا لوكالة الأنباء السورية (سانا).
وأوضحت المؤسسة العامة لمياه الشرب أن رفع حالة الطوارئ هو إنذار مبكر لمدينة دمشق، حيث سيشهد فصل الصيف القادم ضعفا في إمدادات كمية المياه الواردة للمواطنين، في ظل استنزاف الآبار الاحتياطية، والتي يتم الاعتماد عليها الآن بشكل رئيسي لتغذية المدينة، لافتة إلى أنها اتخذت بعض الإجراءات الطارئة التي تتضمن تعديل برنامج التزويد لمدينة دمشق وريفها المحيطي المستفيد من شبكة مياه دمشق حسب التضاريس، والتوزع الجغرافي لكل منطقة.
ناقوس الخطر
ودقت السلطات السورية ناقوس الخطر، ودعت المواطنين إلى ترشيد استهلاك مياه الشرب، وعزت سبب نقص مياه الشرب في نبع الفيجة إلى نقص الهطولات المطرية والثلجية خلال فصل الشتاء الماضي، الأمر الذي انعكس سلبا على تغذية الينابيع المغذية لمياه الشرب في دمشق.
وأكد أحمد درويش مدير مؤسسة المياه في دمشق وريفها أن المؤسسة العامة لمياه الشرب، فرضت مؤخرا إنذارا مبكرا للأهالي بغية ترشيد المياه.
وقال درويش في مقابلة مع وكالة أنباء “شينخوا” إن “ضعف الهطولات المطرية الواردة على الحوض الرئيسي المغذي لنبع الفيجة لمدينة دمشق وريفها كان بحدوده الدنيا، ومنذ عام 1958 لم تشهد البلاد نقصا في الهطولات المطرية، حسب إحصائيات المؤسسة، وهذا ينذر بأن كمية المياه الواردة إلى مدينة دمشق ستكون في حدها الأدنى، وبالتالي سوف يتم فرض حالة طوارئ لتوزيع أدوار مياه الشرب.”
وأكد درويش أن مدينة دمشق وريفها يحتاجان إلى 450 ألف متر مكعب يوميا من المياه، لافتا إلى أن هذه الكمية كان يتم الحصول عليها من عدة مصادر منها مصادر رئيسية مثل نبع الفيجة وآبار نبع بردى وحاروش وجديدة يابوس في الريف الغربي لدمشق، مبينا أن هذا العام لم يفض نبع الفيجة وكانت الأمطار بالحد الأدنى.
وتابع درويش قائلا “ما زلنا نستنزف الأحواض وهناك استمرارية في انخفاض الأحواض”، داعيا الناس إلى ترشيد استخدام المياه والتخفيف من كمية هدرها.
وأضاف “هناك نقص يقدر بحوالي 100 ألف متر مكعب خلال فصل الصيف، وهذا نقص متوقع.”
إلى ذلك قال خالد حسن، مدير محطة نبع عين الفيجة (غرب دمشق)، “انخفض منسوب المياه بشكل حاد نتيجة شتاء جاف استثنائي، ولم تتلق المنطقة سوى 25 في المئة من متوسط هطول الأمطار السنوي، وهو أدنى مستوى مسجل منذ أكثر من ستة عقود.”
وتابع أن “النبع مصدر سطحي، ويرتبط تدفقه ارتباطا مباشرا بهطول الأمطار وذوبان الثلوج في الجبال المحيطة بالنبع، وهذا العام كان الوضع صعبا للغاية، ولم نشهد حتى الفيضانات الموسمية المعتادة من فبراير إلى مايو، والتي عادة ما تغذي دمشق وتغذي نهر بردى.”
◄ انخفض منسوب المياه بشكل حاد نتيجة شتاء جاف استثنائي
حاليا، يبلغ معدل تدفق النبع 2 متر مكعب فقط في الثانية، وهو جزء صغير من حاجة المدينة المقدرة بـ8 أمتار مكعبة في الثانية، وفقا لصائب صوفان، فني ميكانيكي في محطة نبع الفيجة.
وقال صوفان “في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان معدل تدفق النبع 10 أمتار مكعبة في الثانية، مع وصول الذروة إلى 20 مترا مكعبا في الثانية.”
وأضاف “كنا نحصل على تدفق على مدار 24 ساعة، أما الآن فلا يوجد تدفق يذكر.”
بهدف الحفاظ على استمرارية تدفق مياه الشرب داخل الشبكة الرئيسية لتوزيع المياه إلى المنازل في أحياء العاصمة دمشق وبعض الضواحي القريبة منها، والحفاظ على المياه، قامت السلطة التنفيذية في سوريا باتخاذ عدة إجراءات احترازية، وعقوبات مترافقة مع غرامات مالية لمن يهدر المياه.
وأكد خالد حسن المسؤول في نبع الفيجة أن بغية التعامل مع الوضع الحالي، قامت السلطة التنفيذية السورية بتفعيل الآبار الاحتياطية، وتطبق نظام أكثر صرامة لترشيد استهلاك المياه.
وأشار إلى أن الوضع على الرغم من أنه تحت السيطرة حاليا، إلا أن السلطات ستمدد ساعات الترشيد خلال الصيف لتجنب انقطاع الإمدادات، وقال “لا يوجد عطش في دمشق حتى الآن، لكن الوضع هش، ونأمل ألا يزداد سواء.”
تعاون مشترك
أكد خالد حسن ضرورة تفهم المواطنين وتعاونهم، وقال “إنها سنة صعبة، ولكن إن شاء الله سنتجاوزها.”
وبدوره أكد درويش أنه سيتم التشدد بتطبيق غرامات مالية بحق المخالفين الذين يهدرون مياه الشرب.
وحدد درويش الغرامة لمن يقوم باستخدام مياه الشرب لأغراض أخرى بـ25 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 3 دولارات أميركية، (الدولار الواحد يساوي 11 ليرة سورية)، حسب النشرة الرسيمة للبنك المركزي في سوريا، والتي تشمل رش الشوارع والأرصفة، وغرامة 50 ألف ليرة لغسيل السيارات، وغرامة 200 ألف ليرة لاستخدام مياه الشرب للمسابح الخاصة، إضافة إلى غرامة 500 ليرة لكل متر مربع لاستخدام مياه الشرب لسقاية المزروعات، وتضاعف الغرامات السابقة في حال تكرارها.
كما أشار درويش إلى أن مؤسسة مياه الشرب تقوم بالبحث عن حلول لمشاكل مياه الشرب في العاصمة دمشق، تكون مستدامة عبر استجرار المياه من ينابيع أخرى خارج دمشق.
◄ رفع حالة الطوارئ في ظل شح الموارد المائية
وقال إن “مياه نبع الفيجة صراحة هي مصدر مياه غير مستقر وغير مستدام كونه يعتمد على أحواض مطرية، وبسبب التغير المناخي الحاصل في المنطقة وقلة الأمطار التي تهدد حياة الناس، كان لا بد من البحث عن مصدر أكثر استدامة، حيث يمكن استجرار مياه عن طريق تحلية مياه البحر أو ينابيع أخرى أو عن طريق نهر الفرات (شمال شرق سوريا)”، مبينا أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت ودراسات حتى نختار الاختيار الصحيح وتأمين مصدر مستدام لمدينة دمشق.
صعوبات تأمين مياه الشرب
أكد مواطنون سوريون أن دمشق تشهد حالة من نقص مياه الشرب منذ أكثر من 20 يوميا وبات الأمر يتسبب في قلق الناس، مشيرين إلى أنهم سيواجهون صيفا حارا وصعبا، مع صعوبة في تأمين مياه الشرب.
وعبّر سليم أبوعاصي (56 عاما) أحد قاطني حي برزة الدمشقي، عن قلقه من شح المياه الحاصل في العاصمة دمشق.
وقال أبوعاصي الذي ذهب إلى صنبور المياه ولم يجد فيه مياها، إن “ضخ المياه ضعيف، وأحيانا حتى مع استخدام الموتور (المضخة) لا نستطيع تعبئة الخزان، مما يدفع السكان إلى الاستعانة بصهاريج المياه لتعبئة الخزانات التي لا تكفي للاستخدام لأكثر من يومين.”
ويشار إلى أن أسعار تعبئة المياه بالصهاريج ارتفعت، إذ وصل سعر صهريج سعة 10 براميل إلى 100 ألف ليرة سورية في حال توفره.
ومن جانبه رأى عابد الظاهر من سكن حي التضامن (شرق العاصمة دمشق) والبالغ من العمر 64 عاما، أن نقص مياه الشرب لم تشهده البلاد منذ أكثر من خمسين سنة، مؤكدا أن وضع مياه الشرب سيكون تحديا كبيرا يواجه السكان في الفترة المقبلة.
وأشار الظاهر إلى أن تقنين التيار الكهربائي أيضا سيفاقم من أزمة المياه، إذ إن ضح المياه في الشبكة لن يتوافق مع فترة تقنين الكهرباء.
◄ إجراءات طارئة لضمان تعديل برنامج التزويد لمدينة دمشق وريفها المستفيد من شبكة مياه المحافظة حسب التضاريس
وقال الظاهر “خلال فصل الشتاء كانت كميات ضخ مياه الشرب مقبولة، لكن الآن هناك ندرة في رؤية مياه الشرب عبر شبكة توزيع المياه”، لافتا إلى أن المياه عبر الصهاريج ستضيف “أعباء مالية ترهق كاهل المواطنين”.
بدورها قالت هناء الهادي، وهي معلمة في إحدى المدارس في دمشق، إن “وضع المياه في العاصمة دمشق يشغل بال السوريين في الوقت الحالي”، مؤكدة أن زوجها ينتظر ساعات طويلة لقدوم التيار الكهرباء بغية تعبئة المياه في الخزان الموجود على سطح البناية في الطابق الخامس، لافتة إلى أن هذه المشكلة تضاف إلى هموم السوريين في الوقت الحالي.
إلى ذلك قال علي عسقول، وهو صاحب صهريج مياه، إن “أصحاب الصهاريج بات عليهم طلب كبير في ظل النقص الحاصل في مياه الشرب”،
مبينا أن سبب ارتفاع سعر صهريج المياه حاليا، يعود إلى انتظارهم لوقت طويل في دور تعبئة المياه من الآبار الارتوازية من الساعة الرابعة صباحا، بالإضافة إلى سعر المازوت المرتفع نسبيا رغم انخفاض سعره بعد سقوط النظام.
محمد غبرة وهو طالب جامعي (22 عاما)، قال إن “مياه الشرب المعبئة مسبقا في عبوات بلاستيكية ارتفع سعرها، بعد أن أعلنت السلطات السورية عن وجود نقص في مياه الشرب.”
وأشار إلى أن العبوة الكبيرة سعة لتر وربع لتر، أصبح سعرها 8 آلاف ليرة سورية، في حين كان سعرها قبل أسابيع 5 آلاف ليرة، وهذا مؤشر على أن القادم من الأيام لن يكون سهلا.