إسرائيل وتركيا تتجنبان المواجهة وتعمقان التنافس على النفوذ في سوريا

وكالة أنباء حضرموت

تتجنب إسرائيل وتركيا الصراع المباشر في سوريا. لكن تنامي وجودهما العسكري فيها ورغبة كل طرف في السيطرة والتأثير يجعلان صراع النفوذ بينهما أكثر حدة.

وكان مسؤولون إسرائيليون وأتراك أجروا مؤخرا مناقشات فنيّة لإنشاء آلية لفض النزاع في سوريا، حيث وسّع كل طرف عملياته بعد انهيار نظام بشار الأسد، وتم ذلك برعاية وحرص من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يريد أيّ اشتباك بين حليفين مهمين لواشنطن.

وإلى حد الآن لم يتجاوز التوتر بين البلدين حول سوريا حدود التحذيرات السياسية، وإن كانت إسرائيل قد قصفت مواقع وقواعد كان الأتراك يستعدون للتمركز فيها (مثلما جرى في قاعدتي حماة والتياس الجويتين) بالاتفاق مع حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، لكن من دون أيّ اشتباك مباشر.

حكومة بنيامين نتنياهو تراهن على ورقة الأقليات من أجل إعطاء مشروعية لتدخلها المباشر في سوريا

وتذكر وزارة الخارجية التركية أن إسرائيل تُزعزع استقرار سوريا، بينما تقول تل أبيب إن تركيا تسعى إلى تشكيل “محمية” فيها.

ولمنع الحكومة الجديدة من وراثة ترسانة الأسد، قصفت إسرائيل الدفاعات الجوية السورية، ومخزونات الأسلحة الكيميائية، ومستودعات الأسلحة، والأصول البحرية. كما وسّعت منطقتها العازلة باحتلالها مواقع رئيسية، وهو ما لم تستطع الحكومة السورية الاعتراض عليه إلا خطابيا بسبب ضعفها العسكري والسياسي.

وحذّر تقرير صادر عن لجنة ناغل الإسرائيلية، المُقدّمة للمشورة بشأن احتياجات الجيش الإستراتيجية والمالية طويلة المدى، في السادس من يناير الماضي، من أن “التهديد القادم من سوريا قد يتطور إلى ما هو أخطر من التهديد الإيراني.”

وتحاول إسرائيل إبقاء الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام مركزة على الشؤون الداخلية بدلا من النظر في الشؤون الخارجية من خلال إضعافها ودعم الأقليات.

وتراهن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ورقة الأقليات من أجل إعطاء مشروعية لتدخلها المباشر في سوريا، وهو ما بدا واضحا في الأيام الأخيرة من خلال تأكيد تل أبيب أنها تحمي الدروز وتوجه تهديدات لحكومة الشرع بأنها ستتدخل في حال تم استهدافهم.

ولتحقيق هذا الهدف، من المرجح أن تُعزز إسرائيل دعمها للأقليات السورية، كالدروز والأكراد، لتعزيز معارضة الحكومة المركزية. ونظرا إلى طلب بعض قادة الدروز الحماية الدولية من النظام، فقد تُنفذ إسرائيل عمليات برية وضربات جوية محدودة لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها الطائفة في جنوب سوريا، حيث يتركز وجودها.

ولا يستبعد تقرير لمركز ستراتفور أن تقدم تل أبيب معلومات استخباراتية حول القوات المدعومة من تركيا لصالح الجماعات الكردية في الشمال الشرقي، وأن تشن ضربات محدودة في المنطقة، خاصة إذا قلصت الولايات المتحدة وجود قواتها.

وإذا فشلت محادثات السلام التركية – الكردية أو وقعت هجمات كردية واسعة النطاق عبر الحدود، فقد تستخدم إسرائيل آلية فض النزاع مع تركيا لكسب الوقت لصالح المقاتلين الأكراد للنجاة من الهجمات التركية.

وسيساعد الدعم الإسرائيلي الأقليات على مقاومة الضغوط للاندماج في حكم دمشق، ما يُبقي الحكومة المركزية ضعيفة وأكثر تركيزا على الشؤون الداخلية، وذلك ما لم تُقدّم هيئة تحرير الشام تنازلات مهمة وعلى رأسها التنسيق الأمني مع إسرائيل بشأن المجموعات الإسلامية المتشددة وخاصة المقاتلين الأجانب.

من المرجح أن تُعزز إسرائيل دعمها للأقليات السورية، كالدروز والأكراد، لتعزيز معارضة الحكومة المركزية

في المقابل، من المرجح أن تعزز تركيا دعمها العسكري والاقتصادي للحكومة السورية لتعزيز شرعيتها مثل رفع مستوى المعيشة بالمساعدات والكهرباء. كما تهدف إلى تحقيق الاستقرار الأمني ​​من خلال توفير الأسلحة والتدريب وغير ذلك من أشكال الدعم العسكري، وهو ما من شأنه أن يُعمّق اعتماد سوريا على تركيا.

وستعمل تركيا وإسرائيل على تجنب الصراع المباشر في سوريا في خضم الضغوط الأميركية الرامية لتهدئة التوترات. لكن وجودهما العسكري المتنافس وارتفاع مستوى تحملهما للمخاطر يتركان الباب مفتوحا أمام سوء التقدير والصدامات المحدودة. وتضغط الولايات المتحدة على حليفتيها الرئيسيتين، إسرائيل وتركيا، لتجنب تصعيد التوترات في سوريا. ويجعل هذا الضغط الأميركي الصراع المباشر بين قواتهما مستبعدا.

ومن شبه المؤكد أنّ توسّع النفوذ التركي في سوريا سيثير قلق اليمين المتطرف في إسرائيل، ما قد يخلق ضغطا سياسيا محليا متزايدا لشن عمليات عسكرية أكثر عدوانية ضد القوات التركية أو وكلائها في الأراضي السورية. ويزداد احتمال هذه الديناميكية بالنظر إلى استعداد إسرائيل الواضح لقبول مخاطر عملياتية كبيرة، كما يتضح من حملاتها الأخيرة ضد حماس وحزب الله وأهداف إيرانية.

وحتى مع وجود بروتوكولات راسخة لمنع الصراعات، فإن استمرار الوجود العسكري الموازي لكلا البلدين في سوريا سيُشكل احتمالا خطيرا لخطأ في الحسابات العملياتية قد يُشعل مواجهات مسلحة محدودة على الأقل، وهو خطر سيتفاقم بشكل كبير إذا نشرت تركيا شبكات دفاع جوي متطورة وطائرات مسيّرة تُشكل تحديا للهيمنة الجوية الإسرائيلية في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن أيّ انسحاب إضافي للقوات الأميركية من سوريا من المرجح أن يُشجع تركيا على اتخاذ موقف عسكري أكثر جرأة، مع أن أنقرة ستُقيّم بعناية العواقب الاقتصادية والدبلوماسية الحتمية لواشنطن التي ستتبع أيّ مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

وبالنتيجة، فلن تؤدي أيّ مناوشة بين القوات الإسرائيلية والتركية بالضرورة إلى اندلاع حرب شاملة. وستبقى العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية لخفض التصعيد قائمة.