بلدان الخليج ساحة جديدة للدبلوماسية الدولية
من المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، إلى محادثات إنهاء النزاع الأوكراني، وصولا إلى التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، يتسع دور دول الخليج على الساحة الدبلوماسية العالمية، سعيا إلى هدفين: الأمن والاعتراف الدولي.
واضطلعت دول هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز بدور الوسيط في النزاعات الكبرى، مستغلة علاقاتها مع حلفائها الأميركيين ومع الجهات الفاعلة التي يعتبرها الغرب معادية.
وتقول آنا جاكوبس، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، “باعتبارها (بلدان الخليج) قوى متوسطة الحجم، فإنها تتمتع بمكانة فريدة حقا تتمثل في إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة التي تثق بها، مع الحفاظ في الوقت نفسه على العلاقات مع خصومها في المنطقة وحول العالم.”
وحافظت سلطنة عمان، التي ستستضيف محادثات بين الولايات المتحدة وإيران السبت، على علاقات جيدة دائما مع الجمهورية الإسلامية، مفضلة الاتصالات السرية بين واشنطن وطهران اللتين لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1979.
السعودية تستضيف حوارا يهدف إلى إنهاء حرب كبرى في أوروبا هي شهادة على الثقل الجيوسياسي للمنطقة في عالم أكثر تعددا للأقطاب وأقل مركزية للغرب
وكانت السلطنة أول دولة خليجية “تدخل بشكل كامل في الدبلوماسية العالمية،” بعدما أدت دور الوسيط خلال مفاوضات الاتفاق النووي في عام 2011، كما يستذكر جان بول غنيم من معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس).
ويضيف هذا الخبير في شؤون الخليج لفرانس برس “ثم كان هناك الإماراتيون، والقطريون، والآن هناك لاعب رئيسي جديد، السعودية.”
وكانت قطر منخرطة بشكل خاص خلال الأشهر الأخيرة في المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إذ تستضيف الدوحة المكتب السياسي للحركة، بهدف إنهاء الحرب في غزة. لكن الدوحة أدت أيضا دور الوسيط مع إيران في الماضي.
ومن جانبها سلمت الإمارات الشهر الماضي الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القادة الإيرانيين.
وفي ما يتعلق بإيران أو غزة، فإن دول الخليج التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية لديها مصلحة كبرى في تسهيل الحوار لمنع اندلاع حرب إقليمية من شأنها أن تهدد مصالحها بشكل مباشر.
ويقول كريستيان كوتس أولريخسن من معهد بيكر في جامعة رايس بالولايات المتحدة إن التصعيد في الشرق الأوسط “من شأنه أن يهدد سمعتها (دول الخليج) كمكان آمن للعيش والعمل وممارسة الأعمال.”
ويضيف أنه “بالنسبة إلى السعودية (…) من شأن ذلك أن يعرض للخطر المشاريع الضخمة التي تشكل جوهر تطوير رؤية 2030،” وهو البرنامج الإصلاحي الطموح الذي أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
واستضافت قطر مؤخرا محادثات بين الحكومة الكونغولية وحركة “أم 23” المدعومة من رواندا، في محاولة لوقف القتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعدما جمعت بين رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي والرئيس الرواندي بول كاغامي في الدوحة.
والأمر اللافت أكثر من سواه هو الدور الذي تؤديه دول الخليج في صراع أساسي بالنسبة إلى الغرب، هو النزاع الأوكراني، وذلك بفضل حيادها المعلن إزاء الغزو الروسي. فقد ساعدت قطر في إعادة أطفال أوكرانيين كانوا قد نقلوا إلى روسيا، فيما توسطت الإمارات في العديد من عمليات تبادل الأسرى بين كييف وموسكو.
دول الخليج اضطلعت بدور الوسيط في النزاعات الكبرى، مستغلة علاقاتها مع حلفائها الأميركيين ومع الجهات الفاعلة الأخرى
وبرزت السعودية في الأسابيع الأخيرة عبر استضافتها محادثات غير مباشرة حول النزاع بقيادة الولايات المتحدة، فضلا عن أول محادثات روسية – أميركية منذ عام 2022.
ويقول أولريخسن إن “حقيقة أن دولة خليجية تستضيف حوارا يهدف إلى إنهاء حرب كبرى في أوروبا هي شهادة على الثقل الجيوسياسي للمنطقة في عالم أكثر تعددا للأقطاب وأقل مركزية للغرب.”
لكن جيمس دورسي من الجامعة الوطنية في سنغافورة، يقول إن دور الرياض في المحادثات كان محدودا.
ويوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط لفرانس برس أن الأميركيين والروس “كانوا ببساطة في حاجة إلى أرض محايدة للقاء.”
ويضيف “أعتقد أنهم قدموها للسعوديين على طبق من فضة،” مؤكدا ما ينطوي عليه عقد اجتماع مماثل مهم في المملكة من أهمية ولو شكلية.
ويتابع “بالنسبة إلى الدول الخليجية فإن الوساطة في النزاعات الدولية تشكل أداة مهمة من أدوات القوة الناعمة ما يسمح لها بتثبيت حضورها على الساحة الدولية، فهذه الدول لا تريد أن تكون مجرد لاعب إقليمي.”