"شارع الأعشى" دراما سعودية تفتح نافذة على تاريخ اجتماعي معقد

وكالة أنباء حضرموت

في رمضان 2025، أطلّ المسلسل السعودي “شارع الأعشى” كواحد من أبرز الأعمال الدرامية التي تستعيد ذاكرة المجتمع السعودي في حقبة السبعينات والثمانينات، وهو من إنتاج MBC وبطولة نخبة من الممثلين السعوديين.

“شارع الأعشى” مسلسل درامي سعودي من 30 حلقة وقد بلغت كلفة إنتاجه 14 مليون دولار، وهو مستوحى من رواية “غراميات شارع الأعشى”. يأخذنا العمل إلى حي “منفوحة” في الرياض، حيث تتداخل حكايات الحب والطموح والصراعات الاجتماعية في مجتمع يمر بتحولات جذرية.

تدور أحداث المسلسل حول عائلة أبوإبراهيم (خالد صقر) التي تعيش في شارع الأعشى، وتُروى الأحداث عبر ذكريات عزيزة (لمى عبدالوهاب)، الفتاة الحالمة التي تعيش في عالم السينما وتتخيل حياتها كبطلات الأفلام، إلى جانبها تبرز شخصيات أخرى مثل عواطف (ريم الحبيب) الأخت الكبيرة التي تواجه صراعاً بين الحب والتقاليد، وضحى (عائشة كاي) المرأة القوية التي تسعى لفرض وجودها في سوق النساء، وسعد (تركي اليوسف) الشاب الذي ينغمس في عالم العنف بعد خيبة حب، وضاري (باسل الصلي) الشخصية المتزمتة التي تفرض قيوداً على النساء.

في هذا العمل تتشابك مصائر هذه الشخصيات مع قدوم سيدة غريبة تحمل سراً يهز شارع الأعشى، ليبدأ صراع بين القيم القديمة والحديثة، بين الحب والكراهية، وبين الحرية والقيود. يُعتبر هذا المسلسل وثيقة درامية تظهر التحولات التي عاشها المجتمع السعودي في فترة السبعينات، حيث الانفتاح الثقافي متمثلا في ظهور التلفزيون الملون كرمز للحداثة، وتأثير السينما المصرية على الشباب. كما يظهر جليا صراع الأجيال وتمرد الشباب على التقاليد الصارمة، خاصة في علاقات الحب والزواج. وتظهر أيضا التيارات المتشددة التي تحرض على العنف، كما في قصة سعد الذي يُجند في معسكر سري.

وفي ما يتعلق بالأداء والإخراج استطاعت لمى عبدالوهاب (عزيزة) أن تظهر براعة لافتة في تجسيد شخصية مراهقة حالمة، تُقارن نفسها بسعاد حسني، أما خالد صقر (أبوإبراهيم) فقد قدم أداءً مؤثراً كأب يحاول الموازنة بين حماية عائلته ومواجهة تغير الزمن، ولو انتقلنا إلى الإخراج متمثلا في أحمد كاتيكسيز، فقد نجح في نقل أجواء الرياض القديمة بدقة، مع لمسة سينمائية في المشاهد العاطفية والتوترات الاجتماعية.

ولم يكن العمل بمنأى عن إثارة الجدل حيث رأى البعض أن المسلسل يبالغ في تصوير الانفتاح، بينما رأى بعض المشاهدين أن المسلسل قدَّم صورة مثالية مبالغا فيها للمجتمع السعودي في تلك الفترة، خاصة ما تعلق بحرية المرأة والعلاقات العاطفية العلنية، مما لا يتوافق مع الواقع الاجتماعي المحافظ آنذاك، على سبيل المثال مشاهد لقاءات الحب بين الشخصيات (كعواطف وسعد) بدت غير واقعية في ظل العادات والتقاليد السائدة، فيما اعتبره آخرون رواية صادقة لجزء من التاريخ.

وقد طال الجدل الحاصل حال المرأة بيـن التحـرر والتقـاليد، إذ مثلت عـواطف وعزيزة نساء يتحدين القيود، بينما انتقد البعض تصوير بعض المشاهد “غير المحافظة”، وقد أكد آخرون على تعمد العمل إغفال تأثير التيار المحافظ، حيث تجاهل المسلسل إلى حدٍّ كبير دور التيار الديني المحافـظ الذي كانت له سطـوة واضحة على المجتمع في تلك الحقبة، خاصة مع صعود الصحوة الإسلامية في ثمانينات القرن العشرين.

ويبقى السؤال المطروح: لماذا نجح المسلسل؟ في الحقيقة لم يكن “شارع الأعشى” مجرد دراما رمضانية، بل كان نافذة على تاريخ اجتماعي معقد، حيث القصة التي جمعت بين التشويق والعُمق الإنساني، كما أن الشخصيات كانت متنوعة وواقعية، وهو ما خلق تعاطفا جماهيريا.

ولا يمكن إغفال الجرأة في طرح مواضيع مثل التطرف وحرية المرأة والصراع بين القديم والجديد، والتي ساهمت في إنجاح العمل وجذب المشاهد لمتابعة هذه الدراما التي كانت مرآةً للمجتمع السعودي في تلك الفترة، فترة السبعينات والثمانينات، حتى لو لم تعكس كل تفاصيله، وهذه هي قوة “شارع الأعشى”.