تأجير الأرحام ينتشر سرا في لبنان بمعارضة الدين والقانون
بدأت فكرة تأجير الأرحام بالانتشار مع توجه مشاهير ونجوم عالميين إلى الاستعانة بالأم البديلة لإنجاب الأطفال والتحدث عن المسألة علانية ثم أخذت الأعداد في التصاعد، ووصلت إلى العالم العربي حيث يتم تناقل مصطلح “الأم البديلة” بكثرة في العيادات الطبية ومراكز العقم، رغم بقاء إجراءاته سرية بسبب الاعتراض الديني والغياب القانوني لتنظيم هذا الموضوع.
وعادة يلجأ الزوجان إلى البحث عن “أم حاضنة” والاتفاق معها من خلال إبرام عقد مكتوب بين الطرفين يُحدّد فيه المبلغ الماديّ الذي سوف تحصل عليه المرأة الحاضنة مقابل خدمة تأجير رحمها وولادة الطفل.
وفي لبنان غالبا ما تكون الأم البديلة عاملة أجنبية يتم استئجارها وبعد الإنجاب تعود إلى بلدها دون أن يتم البوح بتفاصيل العملية.
وتشهد العيادات الطبية والجمعيات الحقوقية النسوية شهادات لبعض النساء اللاتي لجأن إلى هذه الوسيلة لتحقيق حلم الأمومة. وهناك عدة أسباب تدفع النساء إلى اللجوء لهذه الطريقة منها الفقر، اليأس، حلم الأمومة المعلّق للأم البيولوجية غير القادرة على الإنجاب، والأم البديلة، إلى القبول بهذا العرض؛ فاستغلال الحاجة موجود، والمال يتكلم بعيداً عن الأخلاقيات والدين.
وتحدثت إحدى العاملات الأجنبيات عن قصتها حيث اتفقت مع إحدى العائلات على مبلغ مقابل الحمل بالجنين وولادته يساوي نحو 50 ألف دولار. وجاءت العاملة في البداية على أساس عقد عمل عادي، ثم اختلفت القصة لاحقا.
من وجهة نظر طبية تختلف دواعي العملية بين العقم، وبين مشكلات خلقيّة يشخّصها الأطباء في الرحم
واتفق الطرفان على مكوث العاملة في منزل الزوجين، حيث تقاضت في المرحلة الأولى نصف المبلغ المتفق عليه بعد خضوعها للتلقيح الاصطناعي، في حين استلمت المبلغ المتبقي بعد أن أنجبت المولود.
ونجحت العاملة في وضع المولود، وبعد انتهاء الاتفاق بين الطرفين، عادت العاملة إلى بلدها ولم يعرف عنها شيء. ولكنها بعد فترة شعرت بالذنب، وقررت أن تكشف قصتها لتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي ما زالت تنتشر إنما بطريقة سرية.
وإذا كانت تلك القصة وغيرها سرية قبل عدة أعوام، فاليوم أصبحت الأمور أكثر وضوحاً إذ يتمّ الاتفاق مع العاملة حتى قبل مجيئها إلى لبنان. وباعتبار موضوع تأجير الرحم مخالفاً للقانون والدين، يتم إبرام الاتفاق بين الطرفين من خلال مكاتب استقدام أو عبر معارف تفادياً لإثارة بلبلة أو ضجة اجتماعية.
ولا يمكن الجزم بشكل دقيق بشأن عدد العمليات التي تمت داخل العيادات اللبنانيّة ويقول الدكتور جو فرنسيس، الأخصائيّ في الجراحة النّسائيّة والتّوليد، في تصريحات لموقع ”لبنان24″ المحلي، إن عمليات تأجير الأرحام في لبنان باتت أمرا واقعياً ولا يمكن نكرانه.
ويتحدث عن دواعي العملية التي تختلف بين العقم، أو بسبب مشكلات خلقيّة يشخّصها الأطباء في الرحم، كأن يكون حجمه صغيراً أو فيه تشوّهات، ما يجعل المرأة غير قادرة على حمل الجنين بشكل طبيعيّ.
غالبا ما تكون الأم البديلة عاملة أجنبية يتم استئجارها وبعد الإنجاب تعود إلى بلدها دون البوح بتفاصيل العملية
ويشدد فرنسيس على أن هذه العمليات لا يمكن القيام بها “أخلاقيًا” إلا في هذه الحالات المحددة، مؤكدًا على أنَّ أي هدف آخر تهدف له هذه العملية كالحفاظ على شكل الجسم، أو عدم تحمل صعوبة الولادة لا يمكن القبول به أبدًا.
ولا يخفي الطبيب تأييده لهذه العمليات، إذ يشير إلى أنَّ لجوء الزوجين لعملية تأجير الأرحام والحصول على جنين تابع لهما جينياً بنسبة 100 بالمئة هو أفضل بألف مرة من تبني طفل، نسبةً إلى المشاكل الكبيرة التي قد تعترض عملية التبني مستقبلاً. مع هذا، فقد أكد فرنسيس أنه اللبنانيين الذين يريدون القيام بهذه الخطوة، يضطرون للسفر إلى الخارج بهدف إجرائها، وسأل “ما الذي يمنع من تشريعها في لبنان؟”
والقانون اللبناني الذي يمنع المتاجرة بجسد الإنسان، يحرّم تمامًا عملية تأجير رحم مقابل بدل استنادا إلى المادة 30 من قانون الآداب الطبية، ويشير التعريف الواقعيّ لهذه العملية أنه يتمثلُ بتأجيرِ امرأةٍ لرحمها من خلال زرعها داخله أجنة الزوجين مقابل بدل مادي، وهذا ما هو محرّم قانونًا، على عكس العمليات الأخرى المساعدة للإنجاب والتي سمح به القانون، تحت شروط معينة.
من ناحية أخرى يرى الكثيرون أن هناك إشكاليات عديدة قد تنشأ عن هذه العمليات من بينها شعور الأم البديلة بالحنان تجاه المولود وتخلّفها عن تسليمه للأهل، أو تعرّضها لأيّ مضاعفات خلال ولادتها. ومن شأنه أن يؤثر على نفسيّتها بسبب استغنائها عن الجنين فور وضعه.
ويقول خبراء في الصحة النفسية إن من شأن هذه العملية أن تضع الطّفل في أجواء سلبيّة تنعكس على مرافق حياته النّفسية والعمليّة والاجتماعيّة، خصوصاً إن تعرّض للنّبذ من أبويه البيولوجيين أو التنمر من مجتمعه؛ ويكون الطّفل بذلك أكثر عرضةً لاكتئاب ما بعد الصّدمة حين يكتشف أنه لم يخرج من رحم المرأة التي عُنيت بتربيته طيلة حياته.
أما بالنّسبة إلى الأمّ البديلة، فقد تحكمها مشاعر بالذّنب قد تتطور لتترك انعكاسات سلبية على علاقتها بالمحيط، بالإضافة إلى تحوّلها إلى امرأة شديدة الاكتئاب تعاني من حالة انفصام أو من التّفكير بالانتحار.
أمر واقع
كما أن الأمور قد تتطور لتصبح عمليات تجارة بالبشر، والأطفال، وهذا ما لا يستطيع أحد أن يوقفه، كما أن هناك إشكالية تسجيل المولود في حال إتمام العملية، خاصة وأن المستشفيات في لبنان تمتنع عن تسجيل المولود لذلك يُعتبر بمثابة المتبنى في هذه الحالة، ولا يمكن تشريع أيّ طريقة أخرى كمسألة تأجير الأرحام.
وتنتشر عشرات المنشورات على منصة فيسبوك تكشف رغبة البعض في استئجار أرحام، والتبرّع ببويضات مقابل بدل ماديّ، وتستحوذ على اهتمام البعض بسبب المغريات المادية أو اليأس من الحصول على طفل مهما كان الثمن. ومن بينها صفحة “رحم للإيجار بأسعار مناسبة”، التي تتضمّن منشورات مختلفة، منها “أريد تأجير رحمي مقابل بدل مادي،” و”مطلوب رحم للحمل الطبيعي المبلغ إلى هتطلبه بس إقامة خلال فترات الحمل،” و”مطلوب رحم للإيجار للجادين فقط،” ومن بين هذه المنشورات، نجد طلب “إيجاد متبرعة بالبويضات في لبنان حصراً.”
ودينياً، حسم النقاش في مسألة تأجير الأرحام بين علماء الدّين لإجماعهم على تحريمها. ويقول الشيخ وسيم المزوّق، تأجير الأرحام حرام في الإسلام بسبب اختلاط الأنساب، والشريعة الإسلامية أمرت بحفظ خمسة أمور هي “الكليات الخمس” (الدين، النفس، العقل، النسب والمال) واستناداً لها تحرّم عملية تأجير الأرحام.
وأضاف، العمليّة لا تجوز حتى ولو كانت المرأة قريبة أو زوجة ثانية، شارحاً تداعياتها على المرأة المنجبة، إذ تظهر لديها علامات النّزاع على الطّفل الذي ولد في أحشائها، وأُخذ منها فور الولادة.
بدوره، يوضح الأبّ بشارة الخوري أنّ الكنيسة ترفض بشدة هذا الموضوع لتنافيه مع مبدأ الأمومة وتعتبره عملا غير أخلاقي. ويضيف أن الكنيسة تركّز على احترام الطّبيعة البشريّة. فالطبّ وُجد لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الإنسان، لا لإدخال تعقيدات على حياته.