تقنيات الذكاء الاصطناعي تعزز المشهد السياسي في المغرب
يسعى المغرب حكومة وأحزابا إلى استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يخدم تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية بالبلاد، في خطوة تقطع مع الأشكال النمطية السائدة.
وأطلقت مؤسسات مغربية رسمية وأخرى حزبية، شخصيات افتراضية عبر الفضاء الإلكتروني أملا في تحقيق تواصل أسرع مع الشباب وتأثير أوسع.
وفي يناير الماضي أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي (رسمي)، وحزب الاستقلال (مشارك في الائتلاف الحكومي) شخصيات افتراضية للتواصل، في تجربتين منفصلتين.
وصمم حزب الاستقلال شخصيتين هما “آمال” و”حكيم”، بينما صمم المجلس الاقتصادي والاجتماعي شخصية أسماها “رؤية”.
وفي أول فيديو نشره المجلس الاقتصادي والاجتماعي لشخصية “رؤية” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قالت “السلام عليكم، أنا رؤية، شخصية افتراضية، التحقت بفريق التواصل التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وسأخبركم بآخر مستجدات وأنشطة المجلس، مثل رأي المجلس حول الذكاء الاصطناعي.”
أما حزب الاستقلال فقدم شخصيتيه للعمل السياسي الافتراضي في لقاء حزبي بالعاصمة الرباط الشهر الماضي، وذلك قبل عام ونصف العام من الانتخابات البرلمانية الجديدة والمرتقبة في منتصف العام المقبل.
الأحزاب السياسية تراهن على الشخصيات الافتراضية أملا في تحقيق تواصل أسرع مع الشباب وتأثير أوسع
وفي أول فيديو لشخصيتي حزب الاستقلال، خاطبتا الجمهور بالقول “أنا آمال، مناضلة استقلالية رقمية، وأنا حكيم، مناضل استقلالي رقمي، تم تصميمنا باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من قبل حزب الاستقلال، لنكون أول مناضلين رقميين في المغرب.”
وأضافتا “نقدم لكم مبادرة طموحة ومبتكرة أطلقها الحزب، وتهدف إلى صياغة عقد اجتماعي من قبل الشباب يعبر عن رؤيتهم لمغرب الغد وسيبنى هذا العقد على الأفكار والمقترحات التي ستنبثق عن الاستشارات واللقاءات الشبابية المحلية الوطنية التي سيطلقها الحزب في عام 2025.”
ويقول الكاتب عبده حقي إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في السياسة ترتبط بثلاثة مجالات رئيسية هي : تحليل البيانات، والاتصال الآلي، والمشاركة العامة. ومن خلال تسخير الذكاء الاصطناعي يمكن للمنظمات والأحزاب السياسية اكتساب رؤى أفقية وعمودية حول سلوك الناخبين ومشاعرهم واتجاهاتهم، ما يسمح لها بتحضير وبرمجة حملات انتخابية أكثر استهدافًا.
ويضيف حقي أنه بالإضافة إلى ذلك يمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مثل برامج الدردشة والمساعدين الافتراضيين، تسهيل التواصل المستمر مع المواطنين، وتوفير التحديثات في الوقت الفعلي، والإجابة عن الأسئلة السياسية الملحة، ومعالجة الاضطرابات التنظيمية.
ويتابع أنه فضلا عن ذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم المشاركة العامة من خلال ضبط التفاعلات على أساس الاختيارات الفردية. وبالنسبة إلى الأحزاب السياسية المغربية يمكن أن تساعد هذه التطبيقات على سد الفجوة بين السياسيين والمواطنين، وخاصة في سياق موسوم بتضاؤل الثقة بالحركيات والتمثيليات السياسية عامة.
هدف واحد وجمهور مشترك
يقول خبراء إن الهدف من التجربتين واحد وهو مخاطبة شباب المغرب وتقديم توجهات المؤسسات وأفكارها بطريقة ديناميكية، فضلا عن العمل على تشجيع هؤلاء الشباب على الانخراط في العمل السياسي، والتقرب من أفكارهم واحتياجاتهم.
وتأتي هذه المبادرات في سياق تنامي استهلاك شباب المغرب للمحتوى الرقمي مقابل العزوف عن العمل السياسي على أرض الواقع.
وقالت مليكة حيان، البرلمانية عن حزب الاستقلال بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، إن هدف المبادرة هو “إنشاء أول مناضلين رقميين على المستوى الوطني، من أجل تيسير سبل التواصل بين الحزب وعموم المواطنين، خاصة الشباب.”
وأوضحت أن المبادرة قائمة على “استغلال الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يفرض نفسه على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ومختلف الوسائل الإلكترونية والرقمية.”
وأكدت أن تقريب مواقف ومستجدات وأنشطة الحزب للشباب من خلال هذه الشخصيات الافتراضية، قد يساهم في “إقناع الشباب بجدوى العمل السياسي.”
ولفتت حيان إلى أن شخصيتي “آمال” و”حكيم” أعلنتا عن عقد اجتماعي خاص بالشباب، موضحة أن هذا العقد ينطوي على “صياغة برنامج اجتماعي لفائدة الشباب بالإضافة إلى السعي إلى إسماع صوتهم والتعبير عن طموحاتهم وتطلعاتهم، عبر إشراكهم في وضع السياسات العمومية والمساهمة في صياغة رؤية المستقبل.”
وبحسب حيان لقت المبادرة تفاعلا كبيرا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل معها الكثير من الرواد من خلال التعليقات والردود.
وبحسب دراسة مؤسسة “سونرجيا”(مستقلة) المتخصصة في أبحاث السوق، بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل في المغرب عام 2024 نحو 80 في المئة من إجمالي عدد السكان الذي يقدر بـ37.8 مليون نسمة.
وأبرزت الدراسة أن تطبيق التراسل الفوري واتساب يتصدر قائمة المنصات الأكثر استخداما في المغرب بمعدل 76 في المئة من المستخدمين، تتبعه منصة فيسبوك بنسبة استخدام 65 في المئة، وإنستغرام بنسبة 40 في المئة، وتيك توك وتيليغرام بنسبة 19 و10 في المئة على التوالي.
وتبلغ نسبة السكان الذين أعمارهم 15 سنة فأكثر ويمتلكون هاتفا شخصيا 84.4 في المئة، وفق نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي نظمته المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة الأبحاث الحكومية في المغرب).
إستراتيجية كاملة
يرى غسان بلشهب، الباحث المغربي في التواصل الرقمي، أن تصميم شخصيات افتراضية يهدف بالفعل إلى جذب اهتمام الشباب الذين يتفاعلون يوميا مع المحتوى الرقمي، فضلا عن تقريب العمل السياسي لهم في ظل عزوفهم عن السياسة، لكنها لا تتعدى كونها محورا من إستراتيجية كاملة لا بد من توفيرها.
وقال بلشهب “الهدف من هذه المبادرة هو تقريب الخطاب السياسي والمؤسساتي إلى الفئات العمرية الشابة، التي غالبا ما تكون بعيدة عن المشاركة في العمل السياسي.”
واستدرك قائلا “لكن نجاحها لا يتوقف على إنشاء الشخصية الافتراضية، بل يتطلب إستراتيجية تواصل رقمي متكاملة، ومتابعة مستمرة، وتفاعلا يوميا مع الجمهور وتقديم محتوى يلامس اهتمامات وقضايا الشباب بشكل حقيقي.”
ودعا بلشهب إلى أن يتجاوز المحتوى الذي تقدمه هذه الشخصيات “الدور الدعائي التقليدي” (للمؤسسات والأحزاب) والاتجاه نحو “تعزيز المصداقية والثقة، خاصة مع وجود أزمة ثقة بين الشباب والسياسيين.” كما أكد على أن ربط هذه الخطوة بإصلاحات ملموسة وأداء فعال سيكون ضروريا لتحقيق تأثير إيجابي.
ويشدد الباحث المغربي على ضرورة أن تكون الشخصيات “تفاعلية وتتمتع بالشفافية فيما تقدمه، مع قدرة على بناء الثقة وإشراك الشباب في الحوار بجدية.”
وتابع “التحدي الأساسي هو تجاوز الدور الدعائي التقليدي، وجودة هذه الشخصيات مقارنة بالممارسات العالمية تعد عاملا حاسما في نجاح التجربة، ويجب مواكبة أحدث التقنيات والتوجهات في هذا المجال.”
ويمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في تعزيز العمل المستقل في المغرب. ومن خلال توفير الأدوات والتكنولوجيا اللازمة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الأفراد على تحقيق أقصى استفادة من مهاراتهم وإمكاناتهم. وفي الوقت نفسه يمكن أن يساهم في تعزيز الابتكار والتقدم في المغرب، وهو ما يجعله أداة قوية للتغيير الإيجابي.