الريال اليمني يعاند الحكومة اليمنية رغم المساعدة السعودية ويهدد استقرارها
وجّه التهاوي القياسي الذي سُجّل الاثنين في قيمة الريال اليمني ضربة لجهود السلطة الشرعية اليمنية لأجل تطويق تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية على الوضع الاجتماعي في مناطقها، ووضعها مجدّدا أمام ضغط الشارع الغاضب من أداء الحكومة التابعة لها وتململ شريكها الرئيسي المجلس الانتقالي الجنوبي.
واكتسى الانهيار الجديد للعملة المحلية أبعادا استثنائية كونه جاء بعد فترة قصيرة من إعلان المملكة العربية السعودية عن تخصيصها مساعدة مالية كبيرة بأكثر من نصف مليار دولار للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وإثر إعلان مجلس القيادة الرئاسي بقيادة الرئيس رشاد العليمي عن سلسلة من الإجراءات الهادفة لمحاربة الفساد وحماية المال العام، إلى جانب مبادرة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والخدمية في حضرموت أكبر محافظات البلاد، الأمر الذي يعني أن الشرعية استنفدت معظم أوراقها دون أن تنجح في معالجة المشاكل المالية والاقتصادية والنأي عن تبعاتها الاجتماعية والسياسية.
وانحدرت قيمة الريال اليمني في مناطق السلطة الشرعية اليمنية إلى مستوى غير مسبوق ببلوغها 2150 ريالا مقابل الدولار الواحد، بينما وصل سعر الريال السعودي إلى نحو 565 ريالا.
وأرجعت الدوائر الاقتصادية والمالية هذا التراجع إلى عدم وفرة النقد الأجنبي في أسواق الصرافة وعدم تدخل السلطات الحكومية في وضع حلول لذلك.
ويعد هذا أكبر تراجع للريال اليمني في تاريخه بعد أن كان سعر الدولار الواحد قرابة 1000 ريال حينما تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022.
وأدى تدهور العملة المحلية إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار مختلف المواد الأساسية في البلد الذي يعاني معظم سكانه من الفقر والبطالة جراء الحرب المستمرة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ أكثر من عشر سنوات.
ويعاني الاقتصاد اليمني تحديات غير مسبوقة وعجزا في الموازنة وشحا كبيرا في العملات الأجنبية جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ حوالي عامين ونصف العام بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنافذ تصديره عبر البحر.
ويلقي الوضع الاقتصادي والمالي بتبعاته المباشرة على الوضع الاجتماعي وحتى السياسي حيث تشهد ثقة السكان بالسلطة الشرعية تراجعا حادا تجسّده موجة الاحتجاجات التي بدأت تطل برأسها وأخذت طابعا شعبيا ونقابيا في بعض المناطق بينما اكتست في محافظة حضرموت النفطية طابعا أكثر تأطيرا وتنظيما جعلها تقترب من مرتبة التمرّد على السلطة الشرعية من قبل حلف القبائل هناك.
ودعت القوى المدنية والحقوقية الجنوبية إلى احتجاج واسع على تدهور الأوضاع، وأصدرت بيانا حثّت فيه “كافة أبناء الشعب الجنوبي” على المشاركة في احتجاجات سلمية “للمطالبة بالحقوق المدنية والتعبير عن الرفض القاطع للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة التي يعاني منها المواطنون في جميع القطاعات“.
وقالت إن الاحتجاجات المقرّر أن تبدأ الثلاثاء تأتي بسبب “المعاناة المتزايدة جراء انعدام الرواتب وغياب الحلول الاقتصادية وإهمال حقوق المسرّحين والمبعدين قسرا إلى جانب تردي الخدمات واستمرار سياسات التهميش والتجويع،” ورأت أنّ “الوضع الحالي يعكس فشل القيادات السياسية والحزبية التي أُعيد تدويرها في السلطة.”
كما تلقي المصاعب المالية والاقتصادية ونتائجها الاجتماعية بظلالها على تماسك الشرعية ووحدة شركائها، حيث لا يتردّد المجلس الانتقالي الجنوبي مع اشتداد الأزمة في المجاهرة بالتبرؤ من المسؤولية عنها وتحميلها لحكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك.
ويعتبر الحفاظ على تماسك السلطة اليمنية المعترف بها دوليا مطلبا إقليميا، وسعوديا على وجه الخصوص، نظرا إلى كونها مثلت منذ تشكيلها مظلّة جمعت تحتها القوى المضادّة لجماعة الحوثي، وتمثّل في الوقت الحالي بالنسبة إلى الرياض طرفا أساسيا في الحلّ السلمي الذي تعمل السعودية بالتعاون مع الأمم المتحدة على إيجاده لإنهاء الصراع في اليمن.
وعلى هذا الأساس دأبت السعودية على ضخ مساعدات مالية للحكومة اليمنية على شكل ودائع بالبنك المركزي أو على شكل هبات مباشرة.
وأعلن في أواخر ديسمبر الماضي عن تقديم دعم سعودي جديد لليمن شمل وديعة بقيمة 300 مليون دولار في البنك المركزي اليمني التابع للشرعية وهبة بـ200 مليون دولار لمعالجة عجز الموازنة اليمنية.
وهدف هذا الدعم وفقا للخطاب الرسمي السعودي إلى “إرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي في الجمهورية اليمنية وتعزيز وضعية المالية العامة وتنمية وبناء قدرات المؤسسات الحكومية وتعزيز حوكمتها وشفافيتها،” إضافة إلى “تمكين القطاع الخاص من دفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص العمل بما يؤدي إلى وضع الاقتصاد الوطني في مسار أكثر استدامة ودفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.”
تدهور العملة المحلية أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار مختلف المواد الأساسية في البلد الذي يعاني معظم سكانه من الفقر والبطالة
لكن على صعيد عملي لم يتحقق شيء من تلك الأهداف بدليل مواصلة عملة الريال لانحدارها السريع وتواصل التدهور في مستوى الخدمات إلى درجة تراجع مدّة تزويد السكان بالكهرباء في بعض المحافظات بما في ذلك العاصمة المؤقتة عدن إلى بضع ساعات في اليوم، إلى جانب التواصل في تآكل القدرة الشرائية للسكان جرّاء ارتفاع الأسعار نتيجة تزايد نسبة التضخّم فضلا عن عدم الانتظام في دفع رواتب الموظّفين.
ويدفع طول زمن الأزمة وتعقدها العديد من الأصوات الناقدة لحكومة بن مبارك إلى التشكيك في قدرتها على إدارة شؤون المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين والتصرّف في المقدرات الاقتصادية والموارد المالية بما في ذلك المساعدات السعودية.
ويقول المنتقدون إنّ حالة من الفوضى تخترق صفوف الحكومة من الداخل وتقلّل من قدرة رئيسها على التحكّم بفريقه وضمان التنسيق والتجانس في ما بين أعضائه.
ويتساءل البعض إن كانت التضحية بالحكومة هي الحلّ الوحيد المتاح الآن لقيادة المجلس الرئاسي لتهدئة الخواطر والتخفيف من احتقان الشارع، خصوصا بعد مبادرة الرئيس العليمي مؤخّرا إلى إقالة مسؤولين كبار في الحكومة دون تنسيق مع رئيسها.