كيف يؤثر قانون الشيكات الجديد على التضخم في تونس
استبدلت تونس العقوبات الناجمة عن استعمال الشيك دون رصيد بضمانات قوية للمتعاملين به من خلال القيام بتعديلات جديدة على قانون المعاملات التجارية الذي يدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل.
ويعالج القانون مشكلة ظلت مزمنة لسنوات، حيث سيفرض غرامات وعقوبات أقل على أصحاب الشيكات، التي تتم إعادتها بسبب عدم وجود رصيد كاف، وهذا يحفز الأفراد والشركات على الالتزام بضمان توفير الرصيد الكافي، مما يسهم في استقرار النظام المالي.
وبعد جدل ومناقشات داخل الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية بشأن إلغاء عقوبة السجن لمن يصدر شيكا دون رصيد، حيث كانت أحد العلل في النظام التجاري بالنظر لشح السيولة والضغوط المعيشية، صادق البرلمان في يوليو الماضي على الإصلاحات الجديدة.
ولن يتعرض مصدرو الشيكات التي تقل قيمتها عن 5 آلاف دينار (1567.46 دولار) لأي عقوبة بموجب التعديلات. وحتى يتم ضبط العملية أكثر سيتم إنشاء منصة إلكترونية تتيح للمستفيدين من التثبت من الرصيد لدى البنك المسحوب عليه.
وبحسب البيانات الرسمية، تشكل الشيكات التي تقل قيمتها عن هذا المبلغ نحو 83 في المئة من الشيكات المتداولة، وأن قضايا الشيكات دون رصيد بلغت بنهاية 2024 حوالي 542 قضية.
ويصنف القانون التونسي قضايا الشيك بدون رصيد كـ”جنحة” ُيعاَقب مرتكبها بالسجن خمس سنوات مع “دفع غرامة مالية تساوي 40 في المئة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته” استنادا للفصل 411 من المجلة التجارية.
ويعتبر قانون الشيكات الجديد في تونس من الأدوات الأساسية لتحسين النظام المالي والمصرفي ومن خلال تقليص التلاعب بالشيكات، وتحفيز الاستثمار وتعزيز الشفافية يوفر القانون بيئة أكثر استقرارا وثقة في التعاملات المالية.
ويجد القطاع المصرفي في هذا القانون آلية قوية لتقليص المخاطر المرتبطة بالشيكات المرتجعة، وهو ما يساعد في تحسين العلاقة بين البنوك والمتعاملين.
ومن المفترض أن يسمح التعديل الجديد بتعزيز الأمان المصرفي، وموثوقية التعامل بالشيكات مع تحسين مناخ الأعمال ودعم المهمة الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات البنكية، وتحقيق العدالة بين المتعاملين بهذه الأدوات المالية.
ولكن البعض يعتقد أن الأمر سيتجاوز ذلك، إذا أنه سيعمل على إحلال الانضباط المالي أكثر وتعزيز المسؤولية، والأهم من ذلك أنه سيساعد على كبح التضخم، الذي تراجع بنهاية العام الماضي إلى 7 في المئة من 9.3 في المئة قبل عام.
ويعاني التونسيون منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع عام 2022 من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وأضاف فقدان سلعا أساسية من السوق الكثير من المتاعب، وتحركت معه لوبيات الاحتكار والمضاربة، مما تسبب في حالة من التذمر.
في المئة نسبة معدل التضخم السنوي بنهاية 2024 نزولا من 9.3 في المئة بنهاية العام 2023
ويمكن أن يؤثر التعامل بالشيكات على التضخم في الاقتصاد بطرق غير مباشرة، لكن تأثيره يعتمد على مجموعة من العوامل المرتبطة بنظام الدفع وسياسات البنك المركزي وطبيعة الاقتصاد ككل.
وعمليا، عندما يتم استخدام الشيكات بشكل واسع في المعاملات التجارية تزيد حركة الأموال في السوق وهذا يؤدي إلى زيادة السيولة النقدية في الاقتصاد. وفي حال كانت السيولة المتزايدة تعني زيادة في الطلب على السلع والخدمات دون زيادة مكافئة في العرض، قد يؤدي ذلك إلى ضغط على الأسعار، مما يزيد من التضخم.
وعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركات تستخدم الشيكات بشكل مكثف لدفع مستحقاتها وتوسيع نشاطاتها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد. وعادة ما يسهم استخدام الشيكات في تقليل الحاجة إلى استخدام النقود، ويؤدي ذلك إلى تقليل حجم “الكاش” المتداول بشكل مباشر في السوق.
وبحسب بيانات على المنصة الالكترونية للبنك المركزي، اطلعت عليها “العرب”، فقد بلغ حجم السيولة المتداولة في السوق التونسية حتى الخميس أكثر من 22.5 مليار دينار (7.05 مليار دولار).
وحين يستخدم الأفراد والشركات الشيكات بدلا من النقود، يتجهون إلى الادخار بشكل أكبر لأن أدوات الدين هذه لا توفر نفس الإحساس الفوري بإنفاق الأموال.
ولكن من جهة أخرى، يمكن أن يتسبب الاستعمال الواسع للشيكات في تحفيز الاستهلاك على المدى القصير، وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات في السوق، ما يؤدي إلى دفع التضخم في حال عدم وجود زيادة في العرض.
ومع تقليص حجم المعاملات النقدية الفعلية، يصبح من الأسهل للبنك المركزي التحكم في الكميات النقدية المتاحة في الاقتصاد. وهذا قد يساعد في التحكم في التضخم، حيث يمكن للمركزي استخدام أدواته مثل زيادة الفائدة أو التحكم في عرض النقود لمنع التضخم.
أبرز التعديلات والأهداف من القانون الجديد
♦ لن يعاقب مصدرو الشيكات التي تقل قيمتها عن 1567 دولارا بالسجن
♦ إنشاء منصة رقمية تتيح التثبت من الرصيد لدى البنك المسحوب عليه
♦ تعزيز الأمان المصرفي وموثوقية التعامل بالشيكات وتحسين مناخ الأعمال
♦ تقليص السيولة النقدية لدعم خطط كبح ارتفاع أسعار الاستهلاك
وفي بعض الحالات، قد تؤدي الشيكات إلى تعزيز اقتصاد الظل الذي تشير بعض التقديرات إلى أنه يشكل حجم الاقتصاد التونسي البالغ 53 مليار دولار، حيث قد يتم استخدامها في معاملات غير خاضعة للرقابة أو التحصيل الضريبي.
ويرى خبراء أنه قد تكون هناك معاملات غير رسمية بمبالغ ضخمة، قد يصعب مراقبة تدفق الأموال من خلالها، وبالتالي يغذي ما يسمى بـ”التضخم غير الرسمي” أو حتى إلى تزايد النشاط الاقتصادي غير المراقب.
واعتبر الخبير المالي قيس الفقيه خلال تصريحات لإذاعة “موزاييك” المحلية في وقت سابق هذا الأسبوع أن قانون الشيكات الجديد سيحد من التّضخم، لأن منظومة الاستهلاك ستتغير.
وأوضح الفقيه، الأستاذ الجامعي في الاقتصاد أن الشيكات كانت تسهم في تغذية أسعار الاستهلاك لأن الكثير من التونسيين يستخدمون الشيكات كضمان لشراء ما يريدون، لكن الوضع سيكون مختلفا، حيث سيقلص القانون الجديد من نفقاتهم. وفي هذا السياق عندما تستخدم الشركات والأفراد الشيكات بشكل مستمر في المعاملات التجارية، قد تتأثر التوقعات المستقبلية للأسعار.
وكمثال على ذلك، إذا كانت المعاملات بالشيكات تشهد زيادة ملحوظة مما يعكس انتعاشًا اقتصاديًا، فقد يتوقع الأفراد والشركات ارتفاعًا في الأسعار نتيجةً لزيادة الطلب على السلع والخدمات. وهذا يمكن أن يعزز التوقعات التضخمية ويؤدي إلى ضغط أكبر على الأسعار.
وكان البنك المركزي قد أصدر في نوفمبر الماضي تعميما يضبط الإجراءات المحمولة على البنوك في المعاملات بالشيكات والتصرف في عوارض الدفع المرتبطة بها، وفقا لأحكام المجلة التجارية التي تم تعديلها.
ويتعيّن على البنوك تطبيقا لأحكام الفصل 6 من القانون السابق ذكره، قبول التسوية من ساحبي الشيكات المعنيين بهذه الأحكام الانتقالية أو من وكلائهم وتسليم الساحب شهادة في التسوية بمجّرد قيامه بسداد مبلغ الشيك أو ما تبقى منه.