الدور الإنساني للإمارات… قوة ناعمة عالمية

وكالة أنباء حضرموت

منذ تأسيسها وضعت دولة الإمارات العمل الإنساني في صميم سياستها الخارجية، متبنية رؤية شاملة تستهدف دعم الشعوب المتضررة من الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة والفقر.

وتجاوزت المساعدات الإماراتية الطابع التقليدي للإغاثة الطارئة، لتشمل مبادرات تنموية طويلة الأمد، مثل بناء المدارس والمستشفيات، وتحسين البنية التحتية، وتوفير المياه النظيفة، ودعم التعليم.

وقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية منذ تأسيس الاتحاد عام 1971 حتى منتصف عام 2024 نحو 360 مليار درهم (نحو 98 مليار دولار)، وهو رقم يعكس الالتزام الثابت للدولة بدعم الإنسانية.

وطبقاً للتقرير السنوي للمساعدات الخارجية الصادر عن وزارة الخارجية الإماراتية، بلغت قيمة المساعدات الخارجية الإماراتية في عام 2023 نحو 3.178 مليار دولار، وتصدرت المساعدات الحكومية قائمة الجهات الإماراتية المانحة للمساعدات الخارجية بقيمة 1.51 مليار دولار، يليها صندوق أبوظبي للتنمية الذي أسهم بمساعدات قيمتها 1.1 مليار دولار، ثم الهلال الأحمر الإماراتي في المرتبة الثالثة بمساعدات بلغت 144 مليون دولار.

أنسنة السياسة الخارجية
المساعدات الإماراتية تجاوزت الطابع التقليدي للإغاثة الطارئة لتشمل مبادرات تنموية طويلة الأمد

شهد عام 2024 نشاطاً إماراتيا واسعا في مجالات العمل الإنساني، حيث أطلقت القيادة السياسية العديد من المبادرات الرائدة التي أسهمت في دعم المجتمعات الأكثر احتياجاً. فقد أطلق الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مبادرة “إرث زايد الإنساني” بقيمة 20 مليار درهم، مخصصة لدعم الأعمال الإنسانية في المجتمعات الأكثر احتياجاً حول العالم. كما أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حملة “وقف الأم”، التي تضمنت إنشاء صندوق وقفي بقيمة مليار درهم لدعم التعليم المستدام لملايين الأفراد عالمياً.

وأعلنت دولة الإمارات عن تأسيس “مجلس الشؤون الإنسانية الدولية” للإشراف على القضايا الإنسانية الدولية، إلى جانب إنشاء “وكالة الإمارات للمساعدات الدولية” في نوفمبر 2024، حيث تتبع “مجلس الشؤون الإنسانية الدولية” وتتولى تنفيذ برامج المساعدات الخارجية للدولة؛ ما يعزز تنظيم وإدارة جهود الإغاثة.

وفي سياق الشراكات الإستراتيجية خصصت الدولة مبلغ 100 مليون دولار للتحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر، عبر “وكالة الإمارات للمساعدات الدولية”، ودعمت مبادرة “بلوغ الميل الأخير” الصحية، حيث قدمت 55 مليون درهم للمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية “غلايد”. كما أظهرت الدولة دورها البارز في الاستجابة للكوارث والصراعات العالمية عبر برامج ومشروعات متنوعة.

وتقول الكاتبة الإماراتية د. أمل عبدالله الهدابي في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إنه من خلال هذا الدور، تمكنت دولة الإمارات من تعزيز علاقاتها الدولية وبناء شراكات إستراتيجية مع منظمات أممية ودول كبرى؛ ما عزز مكانتها كجسر للتواصل والتعاون بين الشرق والغرب.

وأسهمت هذه الجهود في مكافحة التطرف من خلال دعم الاستقرار والتنمية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبهذا أصبحت الإمارات نموذجاً عالمياً يُحتذى به في استخدام العمل الإنساني كأداة للقوة الناعمة لتحقيق التغيير الإيجابي، وفي هذا السياق يمكن إيضاح الجهود الإنسانية التي تبذلها الإمارات في تقديم الدعم الإنساني العالمي.

استجابة للأزمات العالمية

أطلقت دولة الإمارات عملية “الفارس الشهم 3” لتقديم الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، بما في ذلك مبادرات مثل توفير أطراف اصطناعية للمصابين، وإطلاق حملة تطعيم ضد شلل الأطفال لأكثر من 640 ألف طفل تحت سن العاشرة، وإرسال مساعدات طبية وإنسانية جواً وبراً وبحراً إلى القطاع، وتدشين ست محطات لتحلية المياه في مدينة العريش المصرية لخدمة مليون نسمة في غزة، وإصلاح شبكات المياه والآبار المتضررة في خان يونس وشمال غزة. كما أطلقت الدولة حملة “طيور الخير” لإسقاط المساعدات الجوية على المناطق المعزولة التي يصعب الوصول إليها.

وفي ظل التحديات التي يعاني منها الشعب اللبناني قدمت الإمارات مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 100 مليون دولار، مع إطلاق حملة وطنية بعنوان “الإمارات معك يا لبنان”؛ حيث شملت المساعدات إرسال 21 طائرة إغاثية (ثلاث منها إلى سوريا)، إلى جانب سفينة محملة بـ2000 طن من المساعدات المتنوعة، وتقديم دعم إضافي بقيمة 30 مليون دولار لدعم النازحين اللبنانيين في سوريا. وفي أكتوبر الماضي، أرسلت دولة الإمارات باخرة مساعدات إغاثية إلى لبنان تحمل ما يقرب من 3000 طن من المواد الإغاثية المتنوعة.

وتُعد الإمارات من أبرز الدول التي تقدم الدعم الإنساني للسودان في مواجهة الأزمات المتعددة التي يمر بها، سواء بسبب الصراعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

وتركز الدولة جهودها على تقديم مساعدات إنسانية شاملة تسهم في التخفيف من معاناة الشعب السوداني، ولاسيما بعد تفاقم الأزمة السودانية الناتجة عن الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الذي اندلع في أبريل 2023.

إجمالي المساعدات الإماراتية منذ تأسيس الاتحاد عام 1971 حتى منتصف عام 2024 بلغ نحو نحو 98 مليار دولار

وكانت الإمارات من أوائل الدول التي استجابت للاحتياجات الإنسانية المتزايدة في السودان، وحرصت على إرسال المساعدات العاجلة لدعم المدنيين المتضررين، سواء داخل السودان أو في الدول المجاورة التي استقبلت اللاجئين السودانيين. وقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية للسودان منذ بدء الأزمة نحو 230 مليون دولار، وبلغت قيمة المساعدات الإماراتية للخرطوم خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 3.5 مليار دولار.

وقدمت دولة الإمارات دعماً للسودان من خلال إرسال 159 طائرة من أجل إيصال أكثر من 10 آلاف طن من المساعدات الغذائية العاجلة، والأدوية والمستلزمات الطبية، ومواد الإيواء. وتهدف هذه المساعدات إلى التخفيف من معاناة النازحين داخلياً واللاجئين في المناطق الحدودية، كما أرسلت شحنات كبيرة من المواد الغذائية، بما في ذلك الدقيق والزيوت والحبوب؛ لضمان توفير الإمدادات الغذائية للمناطق المتضررة من النزاع.

وعملت الدولة على إقامة مستشفيات ميدانية في السودان، وتوفير فرق طبية مختصة لتقديم الرعاية الصحية العاجلة للمصابين والمرضى، خاصةً مع انهيار النظام الصحي في العديد من المناطق.

وأظهرت الإمارات اهتماماً بدعم الدول المجاورة للسودان التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين. وأسهمت في توفير المساعدات لهذه الدول؛ لضمان حصول اللاجئين على الاحتياجات الأساسية من غذاء ومأوى ورعاية صحية.

وخلال المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان في باريس في أبريل 2023، أكدت دولة الإمارات تعهدها بتقديم ما يقرب من 100 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية في السودان ودول الجوار؛ حيث تم تخصيص 70 مليون دولار من هذه التعهدات للمنظمات الإنسانية لسد الاحتياجات العاجلة للسودان، و30 مليوناً لدعم اللاجئين السودانيين في دول الجوار.

وأعلنت الدولة عن مبادرات إنسانية جديدة في تشاد بقيمة 10.25 مليون دولار لدعم اللاجئات السودانيات المتضررات من الأزمة.

وقدمت أبوظبي نحو 30 ألف سلة غذائية من أجل تعزيز الدعم للاجئين السودانيين داخل أوغندا، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية داخل مخيم كيرياندونغو بأوغندا.

وفي سياق الجهود الإماراتية لتوفير الإغاثة من الكوارث الطبيعية حول العالم، استمرت الدولة في تقديم الدعم للمتضررين من الكوارث الطبيعية في مختلف الدول مثل بوركينا فاسو والبرازيل والفلبين وإثيوبيا وكينيا والكونغو الديمقراطية وموريتانيا ونيجيريا ونيبال وجنوب أفريقيا وكوت ديفوار والكاميرون. كما قدمت الإمارات 50 مليون دولار لتمويل المرحلة الثانية من صندوق العيش والمعيشة؛ لتعزيز التنمية المستدامة في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية، ووقّعت اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية لإنشاء مركز عالمي للخدمات اللوجستية للطوارئ.

ودعمت دولة الإمارات مبادرات لمكافحة الجوع وسوء التغذية في عدة دول أفريقية، مثل إثيوبيا والصومال وتشاد والسودان. كما قدمت مساعدات إنسانية عاجلة للمناطق المتضررة من الفيضانات والجفاف في شرق أفريقيا، مثل كينيا وأوغندا. وشاركت في حملات مكافحة الأوبئة المنتشرة في أفريقيا، مثل الملاريا والإيبولا والكوليرا، عبر إرسال فرق طبية ودعم الأنظمة الصحية المحلية.

ومولت الدولة بناء وتجهيز المدارس في العديد من الدول الأفريقية، مثل موريتانيا والسنغال ومالي، فضلاً عن تقديمها لمساعدات إنسانية واسعة في مناطق النزاعات المسلحة، مثل دارفور بالسودان، وشمالي مالي، وشاركت في جهود دبلوماسية وإنسانية لتعزيز السلام والاستقرار في أفريقيا.

واستطاعت الإمارات أن تؤدي دوراً بارزاً في دعم القضايا الإنسانية العالمية؛ وهو ما أكسبها مكانة مرموقة على الساحة الدولية، كما نجحت في بناء سمعة عالمية إيجابية، ولاسيما بعدما أصبحت اليوم واحدة من أبرز الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في العالم. وأسهمت الجهود الإنسانية في تعزيز صورة الإمارات كدولة تسعى لتحقيق السلام والتنمية المستدامة؛ ما يعزز قوتها الناعمة على المستوى الدولي. كذلك نجحت الدولة في بناء شراكات جديدة، وإنشاء مراكز لوجستية عالمية مثل مركز الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية في الإمارات؛ وهو ما يدعم دور الدولة كمحور لوجستي عالمي، بالإضافة إلى أن القوة الناعمة الإماراتية أكسبتها نفوذا سياسيا قويا ودعما لمواقفها في المحافل الدولية.

وهذه المكاسب لا تعكس فقط قوة الإمارات على الساحة الدولية، بل تؤكد أيضاً التزامها الإنساني تجاه البشرية؛ ما يعزز رؤيتها في بناء عالم أكثر أماناً وعدالةً للجميع.