السوداني في الموصل في غمرة التخويف من عودة داعش

وكالة أنباء حضرموت

استغل رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني حالة القلق والترقّب التي تسود سكّان محافظة نينوى بشمال العراق جرّاء المتغيّرات السريعة الجارية في سوريا وانعكاساتها المحتملة على محافظتهم التي سبق أن غزاها تتنظيم داعش انطلاقا من الأراضي السورية، لتوجيه رسائل قوية بشأن قدرة حكومته على حماية المحافظة أمنيا وتحصينها تنمويا ضدّ عودة التطرّف والإرهاب إليها على غرار ما حدث سنة 2014.

وتوفّر حماية نينوى وضمان استقرارها والحفاظ على تنوعها العرقي والديني والطائفي، للسوداني نقطة تمايز عن أداء خصمه السياسي الأبرز رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي احتُلَّت الموصل من قبل داعش في عهده وحمّلته الكثير من الجهات الداخلية والخارجية مسؤولية ذلك بنشره الطائفية السياسية وإضعافه المؤسسة الأمنية والعسكرية وإحداثه فجوات تنموية هائلة حولت مجتمعات بعض المناطق العراقية إلى تربة قابلة لاحتضان التطرف والإرهاب.

وأشاع التصعيد المفاجئ في سوريا حالة من الخوف بين سكّان محافظة نينوى الذين سبق لهم أن عانوا تبعات الأوضاع الأمنية المتفجّرة في البلد المجاور حين اتخّذ تنظيم داعش من محافظتهم بوابة لغزو مناطق شاسعة من العراق وما تبع ذلك من تنكيل بالأهالي وما أحدثه من خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات ودمار في البنى التحتية.

وتجد مخاوف السكّان مبررها في كون بعض الأجواء التي سبقت غزو التنظيم المتشدّد لا تزال ماثلة في نينوى، من صراعات شرسة على السلطة وتوتّرات طائفية وعرقية أذكاها حضور الميليشيات في المحافظة منذ أن دخلتها للمشاركة في الحرب ضدّ داعش وتحوّلت منذ ذلك الحين إلى شريكة في إدارة شأنها الإداري والأمني وحتّى الاقتصادي.

ورغم طغيان الهاجس الأمني على المزاج السائد في نينوى حرص رئيس الوزراء العراقي على إضفاء طابع تنموي على زيارته، من خلال إطلاقه جملة من المشاريع الخدمية في المحافظة التي تشهد منذ حسم الحرب ضد داعش عملية إعادة إعمار لم تخل من عراقيل وعثرات ناتجة عن سوء الإدارة وشيوع الفساد في مفاصل السلطة المحلية على غرار ما هو شائع في عموم العراق.

ومن ضمن المشاريع الذي أطلقها رئيس الوزراء في الموصل إنشاء محطة حرارية لتوليد الكهرباء وافتتاح مبنى جديد لمقر المحافظة وإقامة واجهة نهرية على نهر دجلة الذي يعبر مدينة الموصل، وإنشاء مدينة رياضية.

وأصدر السوداني أيضا توجيهات بتدشين مطار الموصل الدولي في  العاشر من يونيو 2025، المصادف للذكرى السنوية الحادية عشرة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة.

وقال رئيس الوزراء خلال إطلاقه الأعمال التنفيذية لمشروع تنظيم وتأهيل الواجهة النهرية للمدينة القديمة في الموصل، إنّ للمشروع رمزية كبيرة لأهالي نينوى وسيمثّل محطة جذب سياحية ويوفّر المزيد من فرص العمل والنمو الاقتصادي.

واعتبر أنّ في المحافظة تتوفّر كل عناصر النهوض الاقتصادي والتنمية الحقيقية لأهلها وللعراق ككل. وطمأن السكان بأن حكومته تعمل ضمن منهجية واضحة في كل القطاعات والوزارات للنهوض بواقع المحافظة ومحو الآثار السلبية التي خلفها الإرهاب، مضيفا قوله “نحن حريصون على نينوى بتنوعها ومكوناتها،” ومشدّدا على أنّ “التآخي والانسجام بين كل المكونات هما صمام أمان لنينوى وعموم العراق في هذه المرحلة الحساسة.”

ولم يغفل السوداني المخاوف الأمنية السائدة جرّاء الأحداث في سوريا، وأكّد أن “العراق في أمن واستقرار وعلى المسار الصحيح على المستوى الأمني والاستقرار السياسي والمجتمعي والبناء الاقتصادي.”

وخاطب السكان بالقول “أبناؤكم في القوات المسلحة بكل تشكيلاتها وصنوفها على قدر عال من الجهوزية والإمكانية لمواجهة مختلف التحديات.”

وتستشعر السلطات الاتحادية والمحلية هواجس سكّان نينوى، وبادرت منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وظهور مخاوف من انفلات الوضع الأمني هناك، مرفوقة بتحذيرات من فقد القوات الكردية في شمال شرق سوريا سيطرتها على معتقل الهول الذي يقيم فيه عناصر داعش وعوائلهم، إلى طمأنة السكان بشأن قدرتها على ضبط الأوضاع ومنع تكرار ما حدث قبل عشر سنوات.

وقال محافظ نينوى عبدالقادر الدخيل في وقت سابق إنّه “لا داعي للمخاوف من أي خروقات وتهديدات أمنية،” مؤكّدا أنّ الأمن مستتب وتحت السيطرة الكاملة وأنّ القوات العراقية، من جيش وشرطة اتحادية وحرس حدود وحشد شعبي، تحكم سيطرتها على الحدود مع الجانب السوري.

وفي يونيو 2014 فوجئ سكّان الموصل، المدينة الكبيرة المتعدّدة عرقيا ودينيا وذات العمق التاريخي، بعناصر تنظيم داعش يغزون مدينتهم ويسيطرون عليها بكثير من السهولة بعد أن عبروا المناطق المؤدية إليها والتي تفصلها عن الحدود مع سوريا في ظل انهيار صادم للقوات العراقية.

وأرجع خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية ذلك إلى حالة الضعف الشديد التي طالت تلك القوات في فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والتي امتدت لثماني سنوات تسرّب خلالها فساد كبير إلى مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسساتها الأمنية التي عانت أيضا تسرّب الاعتبارات الطائفية والحزبية إلى صفوفها عندما أصبحت تلك الاعتبارات متحكمة في اختيار منتسبيها وتعيين قادتها على حساب معيار المهنية والكفاءة، الأمر الذي أفقد سكان الكثير من المناطق الثقة بقوات الجيش والشرطة، بل دفع بعض الناقمين منهم إلى التعاون ضدّها مع التنظيمات المتشدّدة.

ولا يريد رئيس الوزراء الحالي تكرار أخطاء المالكي في نينوى ذات الحساسية القومية والدينية والطائفية، ولأجل ذلك قام بزيارة إلى المحافظة تتضمن رسالة واضحة إلى سكّانها مفادها أنّهم غير متروكين لمصيرهم مثلما كانت عليه الحال قبل عشر سنوات.

ورغم جهود حكومة السوداني في تجاوز آثار الحقبة القاتمة في نينوى إلاّ أن المحافظة لا تزال تواجه تبعات تلك الحقبة ومن بينها حضور الميليشيات الشيعية التي شاركت في الحرب ضدّ داعش على أرضها ومشاركتها في تسيير شأنها الإداري والأمني والاقتصادي، الأمر الذي يشكّل تهديدا دائما لاستقرارها.