تشاد والسنغال توسعان دائرة التراجع الفرنسي في الساحل والصحراء

وكالة أنباء حضرموت

 بعد مرور ساعات على مطالبة رئيس السنغال باسير يدوماي فاي فرنسا بإغلاق قواعدها العسكرية في بلاده، أعلن وزير الخارجية التشادي عبدالرحمن كلام الله الخميس أنّ بلاده ألغت اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا، في تزامن يؤكد اتساع دائرة التراجع الفرنسي في أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، وفي ظل صعود تيار من القادة مناوئ لها.

ويرتبط تصاعد الموقف المناوئ لفرنسا بتراجع تأثيرها الأمني والاقتصادي في قارة تعيش أزمات كثيرة ولم تجد من الحليف التاريخي والمستعمر الفرنسي الدعم اللازم، خاصة بعد أن أعلنت باريس انسحابها من الحرب على الإرهاب ما اضطر شركاءها في المنطقة إلى الاستنجاد بروسيا ومجموعة فاغنر التابعة لها في شراكة مستعجلة لمواجهة الحركات الإسلامية المتشددة.

وألقت فرنسا بنفوذها التاريخي في أفريقيا أمام العاصفة حين قررت الانسحاب من الحرب على الجماعات الجهادية وطلبت من الجيوش المحلية أن تتولى المهمة بنفسها دون تدريبات كافية. وبعد ذلك شهدت مالي والنيجر وبوركينا فاسو تغييرات على رأس السلطة قادت إلى ظهور أنظمة مناوئة لفرنسا بشكل صريح، كما شهدت هذه الدول مظاهرات معادية لباريس وطالبتها بالانسحاب.

لكن العلاقة مع تشاد أكبر وأهم بالنسبة إلى الفرنسيين، وخسارة النفوذ هناك ستكون بمثابة إعلان عن نهاية الوجود الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء وإضعاف لتأثير باريس في ملفات بشمال أفريقيا وخاصة في ليبيا. وبعد أن كانت فرنسا، القوة الاستعمارية القديمة، هي اللاعب الأبرز في أفريقيا صارت تجد نفسها على الهامش في منطقة الساحل والصحراء.

وعلى مدى عقود مثلت تشاد قاعدة انطلاق للوجود العسكري الفرنسي في الساحل والصحراء، في ظل اتفاقيات عسكرية مختلفة تتيح للقوات الفرنسية حرية الحركة والمراقبة في الإقليم والتدخل المباشر وغير المباشر في ليبيا ودارفور وأفريقيا الوسطى.

ولم تمنع العلاقات الوثيقة بين باريس والرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، ابنه الرئيس التشادي الجديد محمد إدريس ديبي من الانحياز إلى التيار السيادي الصاعد في الإقليم، الذي يسعى للتحرر من العلاقة مع فرنسا وتنويع الشراكة الأمنية والعسكرية، والاتجاه إلى روسيا بصفة خاصة.

وظهر توجه النظام الجديد في تشاد نحو روسيا بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في يونيو 2024 إلى نجامينا، والتي مثلت تأكيدا تشاديا رسميا للابتعاد عن باريس وتنويع الخيارات الأمنية خارج اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا التي مرت عليها مدة تفوق الستين عاما.

وجاء إعلان تشاد عن وقف العمل بالاتفاقية بعد أن غادر وزير الخارجية الفرنسي جان – نويل بارو نجامينا بساعات معدودات. وقال وزير الخارجية التشادي في بيان نشرته الوزارة على صفحتها في موقع فيسبوك إنّ “حكومة جمهورية تشاد تبلغ الرأي العام الوطني والدولي بقرارها إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي الموقّعة مع الجمهورية الفرنسية.”

وجاء في البيان “وفقا لبنود الاتفاق، ستلتزم تشاد بشروط الإنهاء بما في ذلك المواعيد النهائية اللازمة، وستتعاون مع السلطات الفرنسية لضمان انتقال سلس.” وفي بيانه أوضح الوزير التشادي أنّ “هذا القرار الذي اتُّخذ بعد تحليل معمّق، يمثّل نقطة تحوّل تاريخية. في الواقع، بعد (مرور) 66 عاما على إعلان قيام جمهورية تشاد، حان الوقت لأن تؤكّد تشاد سيادتها الكاملة، وأن تعيد تحديد شراكاتها الإستراتيجية بناء على الأولويات الوطنية.”

وكان الوزير التشادي قال للصحافيين إثر اجتماع بين وزير الخارجية الفرنسي والرئيس التشادي في نجامينا إنّه يدعو فرنسا لأن “تعتبر من الآن فصاعدا أنّ تشاد نمت ونضجت” وأنّ “تشاد دولة ذات سيادة وتغار بشدة على سيادتها،” لكن من دون أن يشير إلى عزم بلاده فسخ اتفاقيات التعاون الدفاعي التي تربطها بفرنسا.

وقبل الإعلان التشادي بساعات، كان الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي أعلن في مقابلة مع وكالة فرانس برس الخميس أن فرنسا ستضطر إلى إغلاق قواعدها العسكرية في السنغال، وقال إن وجودها يتعارض مع سيادة بلاده. وأضاف “السنغال دولة مستقلّة. إنّها دولة ذات سيادة، والسيادة لا تتّفق مع وجود قواعد عسكرية (أجنبية) في دولة ذات سيادة.”

◙ بعد أن كانت فرنسا، القوة الاستعمارية القديمة، هي اللاعب الأبرز في أفريقيا صارت تجد نفسها على الهامش في منطقة الساحل والصحراء

وفاي الذي تولّى منصبه في أبريل بعدما فاز في الانتخابات رافعا لواء السيادة وإنهاء الاعتماد على الخارج، أكّد أنّ رفض وجود عسكري فرنسي في بلاده لا يعني “قطيعة” بين داكار وباريس. وذكر الرئيس السنغالي أنّه تلقّى من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة تعترف فيها باريس بمسؤوليتها عن “مجزرة” ارتكبتها قواتها الاستعمارية في ثياروي قرب داكار في الأول من ديسمبر 1944.

وكشف فاي عن أن الرسالة التي أكدها قصر الإليزيه قد أُرسلت قبل ثلاثة أيام من الاحتفالات التي تعتزم السلطات السنغالية الجديدة إيلاءها أهمية خاصة. وأكد فاي مجددا رغبته في تنويع شركاء بلاده التي تسعى إلى أن تطور نفسها وتبقى محاورا لأكبر عدد من الدول، وذلك بالتزامن مع انفصال دول في منطقة الساحل عن فرنسا فجأة وميْلها إلى روسيا.

وقال فاي “تظل فرنسا شريكا مهما للسنغال من ناحية مستوى الاستثمارات ووجود الشركات الفرنسية وحتى المواطنين الفرنسيين الموجودين في السنغال،” لافتا إلى أنه “يتعيّن على السلطات الفرنسية أن تفكّر في إقامة شراكة مجرّدة من الوجود العسكري، ولكنّها شراكة غنيّة، شراكة مثمرة، شراكة مميّزة وشاملة كتلك التي تربطنا مع الكثير من الدول الأخرى.”

وفي حملته الانتخابية قال فاي إنه ينوي إعادة النظر في العقود التي أبرمتها السنغال مع دول أخرى في مجال المناجم والتعدين والمحروقات إضافة إلى اتفاقيات الدفاع، في إشارة واضحة إلى فرنسا.

وأضاف فاي آنذاك أنه سيعمل على إنهاء التعامل بعملة الفرنك الأفريقي الموروثة من الاستعمار وإصدار عملة وطنية جديدة. كما يسعى أيضا في مجال التربية إلى تعميم تدريس اللغة الإنجليزية في بلد مازالت اللغة الفرنسية فيه لغة رسمية، وهو ما يعني الالتفاف على مصالح فرنسا ونفوذها اقتصاديّا وثقافيّا.