الشرعية اليمنية تبحث عن أسناد بديلة تحسبا لانفراط شراكتها مع الانتقالي الجنوبي
تبحث الشرعية اليمنية، بتوجهها نحو تفعيل دور مجلس النواب الغائب عمليا عن ساحة الفعل السياسي والإعلان عن مخطّط لإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتشجيع إنشاء التكتّلات المناطقية والحزبية المساندة لها، عن استعادة توازنها في مواجهة أزمة مركّبة مالية واقتصادية واجتماعية ذات تبعات سياسية.
وبحث رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي مع رئاسة مجلس النواب خطّة استئناف أعمال المجلس الذي مضى على انتخابه أكثر من واحد وعشرين عاما، وتعود آخر جلسة قام بعقدها إلى أبريل سنة 2022.
وتحتاج الشرعية إلى المجلس لتمتين جدارها الداخلي والحفاظ على تماسكها الذي بات مهدّدا مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي لم تؤثّر فقط على شعبيتها، ولكنّها ساهمت في اهتزاز الثقة بينها وبين شريكها الرئيسي المجلس الانتقالي الجنوبي المتذمّر من طريقة الشرعية في اتّخاذ القرار وتوزيع المسؤوليات والمناصب الحكومية والإدارية، والغاضب من ارتباك حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك في إدارتها للشأن العام في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين لاسيما مناطق الجنوب.
وكرّر مسؤولون في الانتقالي الجنوبي ودوائر قريبة منه خلال الفترة الماضية التهديد بفض الشراكة مع الشرعية. وقال إياد غانم عضو الجمعية الوطنية للمجلس قبل أيام إن الأحرى بالانتقالي فرض سلطة الأمر الواقع على مناطق نفوذه.
وفي ذات إطار عملية البحث عن أسناد وحلفاء يعوّضون عن اهتزاز الشراكة مع الانتقالي اتّجهت الشرعية اليمنية إلى تشجيع إنشاء الهياكل والتجمعات المناطقية والحزبية الموالية لها على غرار مجلس حضرموت الوطني الذي رعت المملكة العربية السعودية تشكيله، ومؤتمر مأرب الجامع الذي أعلن مطلع الأسبوع الجاري عن استكمال هيكلته القيادية.
ويحاكي مؤتمر مأرب في تسميته وتركيبته هياكل سابقة له في مناطق يمنية أخرى، من بينها مؤتمر حضرموت الجامع. وعدّ متابعون للشأن اليمني أنّ تأسيس المؤتمر في منطقة نفوذ كبير لحزب الإصلاح، ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، يشي بخلفيته السياسية ويكشف جانبا من أهداف إنشائه.
وتتّخذ الشرعية من الحزب الإخواني شريكا لها ازدادت أهميته بسبب عدائه للانتقالي الجنوبي ومعارضته لمشروع الدولة المستقلة الذي يدافع عنه ورفعه شعار الحفاظ على الجمهورية اليمنية، بالصيغة التي تتبناها الشرعية ذاتها.
وكان قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري عن تشكيل التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية من ثلاثة وعشرين حزبا ومكوّنا أعلنت عن نهج سياسي لتكتلها الجديد متوافق بالكامل مع توجّهات الشرعية ورؤاها، وخصوصا موقفها من الحوثيين والسلام معهم، وكذلك رؤيتها لقضية الجنوب.
وسعيا لنفض الغبار عن دور البرلمان وإعادة جمع شتات نوابه المقيم معظمهم خارج البلاد، التقى العليمي برئيس مجلس النواب سلطان البركاني وعضوي هيئة رئاسة المجلس محمد الشدادي ومحسن باصرة، وذلك “لمناقشة مستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمية والإجراءات المطلوبة لتعزيز دور مؤسسات الدولة.”
◄ دور صوري لمجلس النواب اليمني الذي مضى على انتخابه أكثر من عقدين وتعود آخر جلسة عقدها إلى أكثر من سنتين
وقالت وكالة الأنباء الرسمية سبأ في نسختها التابعة للشرعية إنّ رئيس مجلس القيادة وضع رئيس وأعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب أمام التطورات المحلية وفي المقدمة الأوضاع الاقتصادية والمتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف والسلع الأساسية، والجهود المبذولة لتسريع إنفاذ خطة الإنقاذ الاقتصادي والسياسات والتدابير المتخذة للتخفيف من المعاناة الإنسانية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على منشآت النفط وخطوط الملاحة الدولية.
وتعقّدت خلال الفترة الماضية الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطق سيطرة الشرعية اليمنية بشكل غير مسبوق وألقت بظلالها على الأوضاع الاجتماعية والأحوال المعيشية لسكان تلك المناطق، وقلّصت الخدمات العامّة المقدّمة لهم وأشاعت حالة من الاحتقان في صفوفهم منذرة بانفجار وشيك في الشارع.
وباتت تلك الأوضاع تهدّد استقرار الشرعية وشراكتها مع أحد أبرز المكوّنات، المجلس الانتقالي الجنوبي الغاضب من أداء حكومة بن مبارك في مناطق الجنوب التي يعتبرها الانتقالي مناطق نفوذ له ومجالا لتأسيس دولة الجنوب المستقلّة التي يرعى مشروعها.
وأضافت الوكالة أنّ الرئيس عرض أيضا نتائج لقاءاته الأخيرة مع الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين والجهات ذات العلاقة، بشأن التدخلات الملحة لتعزيز موقف العملة الوطنية والإصلاحات الشاملة وتأمين الخدمات والسلع الأساسية.
وكانت مصادر محلية قد تحدّثت قبل أيام عن منحة مالية كبيرة تستعد السعودية لتحويلها إلى البنك المركزي اليمني، حيث تحرص المملكة بما تقدّمه من دعم للحكومة اليمنية على ضمان استقرار الشرعية التي تعتبرها طرفا ضروريا في المعادلة اليمنية قام في السابق بدور في مواجهة جماعة الحوثي سياسيا وعسكريا، وتناط به حاليا المشاركة في مسار سياسي باتجاه إيجاد حلّ سلمي للصراع في اليمن.
ونتجت الأزمة الحالية بشكل أساسي عن شحّ الموارد المالية بعد أن فقدت الشرعية اليمنية موردها الرئيسي المتمثّل في عائدات النفط الذي توقّف تصديره بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنْفَذي تصديره، ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
ولا ترغب السعودية في ارتخاء قبضة السلطة اليمنية على المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين في وقت تعمل فيه على الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الهدوء في تلك المناطق بانتظار التمكّن من الدفع بالحل السياسي المنشود لليمن ككل.
وفشلت إلى حدّ الآن جميع محاولات وقف الانحدار المتواصل في قيمة الريال اليمني والذي تسبب في ظهور موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية، في بلد تجاوزت فيه نسبة الفقر متعدد الأبعاد ثمانين في المئة بحسب تقرير سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومبادرة أكسفورد للتنمية البشرية.
◄ تعقّدت خلال الفترة الماضية الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطق سيطرة الشرعية اليمنية بشكل غير مسبوق وألقت بظلالها على الأوضاع الاجتماعية والأحوال المعيشية لسكان تلك المناطق
وجدد العليمي الثناء على “موقف الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الشعب اليمني ودعمهم المستمر للموازنة العامة للدولة من أجل الوفاء بالتزاماتها الحتمية، وفي المقدمة دفع رواتب الموظفين وتأمين السلع والخدمات الأساسية لملايين اليمنيين في جميع أنحاء البلاد.”
واستمع الرئيس إلى إحاطة من رئيس مجلس النواب بشأن أنشطة المجلس خلال الفترة الماضية ونتائج أعمال لجانه المختصة حول أداء السلطة التنفيذية والأوضاع العامة في البلاد.
وتمّ التطرّق خلال اللقاء إلى خطة المجلس لاستئناف عقد جلساته ومشروع جدول أعمال دورته المقبلة، وذلك في مؤشر على قرب عودة البرلمان إلى ممارسة مهامه من داخل اليمن.
وبالتوازي مع تفعيل دور البرلمان والاستعانة بهياكل حزبية ومناطقية، تطمح الشرعية لإصلاح مؤسسات الحكومة التابعة لها أملا في إضفاء الفاعلية على أدائها الذي يوصف بالضعيف.
وأعلن رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك عن إطلاق عملية إصلاح للمؤسسات تتضمن خمسة محاور وتشمل إعادة هيكلة تلك المؤسسات ومراجعة سياسة التوظيف والأجور والاعتماد على الرقمنة.
وقال خلال مشاركته في ورشة عمل احتضنتها العاصمة المؤقتة عدن إن هذه الإصلاحات غدت ضرورية لضمان استدامة مؤسسات الدولة، معلنا أن إعادة هيكلة مكتب رئاسة الوزراء وأمانته العامة ستكون الخطوة الأولى في طريق الإصلاح.