إيمان خليف ليست الأولى.. نساء واجهن تمييزاً وعنصرية في الرياضة
بعد فوزها الساحق، السبت، غادرت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف الحلبة وهي تبكي، متأثرةً بما واجهته من تعليقات مسيئة واتهامات بشأن هويتها الجنسية، عقب أول مباراة لها في دورة الألعاب الأوليمبية في باريس ضد المنافسة الإيطالية التي انسحبت بعد ثوانٍ من بدء المباراة.
وقالت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، إن ما مرت به إيمان يأتي ضمن سياق تاريخي طويل من "التمييز والتدقيق غير المتناسب" الذي تواجهه الرياضيات من ذوات البشرة الملونة، واللواتي يتم الحكم عليهن وفقاً لمعايير الغرب للأنوثة والذكورة.
ونقلت الوكالة عن مشجع جزائري قوله بعد فوز إيمان بميدالية أوليمبية: "ما حدث سببه أنها إفريقية، وجزائرية، فهذه التعليقات تأتي من أشخاص بيض، إنه نوع من العنصرية".
ووفقاً للمؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا، فإنه لطالما واجهت الرياضيات من ذوات البشرة الملونة تدقيقاً وتمييزاً غير متناسبين، عندما يتعلق الأمر باختبارات الجنس والاتهامات الكاذبة بأنهم من الذكور أو المتحولين جنسياً.
وتعد إيمان خليف والملاكمة التايوانية لين يو-تينج، التي فازت في مباراة الأحد، بعد تعرضها لإساءات مماثلة وشكوك بشأن هويتها الجنسية، أحدث الأمثلة على النساء اللواتي وجدن أنفسهن عالقات في حالة من الجدل المحتدم حول اللوائح الرياضية والتصورات المتعلقة بالجنس.
دوافع عنصرية
وتقول بايوشني ميترا، وهي مديرة مركز الرياضة وحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مقرها سويسرا، والتي عملت مع العشرات من الرياضيات في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا لمحاربة ممارسات اختبار الجنس، إن المزيد من النساء من الجنوب العالمي أو البلدان النامية يتأثرن باختبارات الجنس في الرياضة.
وأضافت ميترا: "الرياضة تتمركز بشكل كبير حول أوروبا، وهذا النهج ليس عالمياً بالضرورة، فنحن بحاجة إلى قبول النساء بكل تنوعها، لكننا لا نرى ذلك في الوقت الحالي".
وأشارت ميترا وغيرها من المدافعين عن هذه القضية وعلماء الأنثروبولوجيا إلى أن الاتحادات الرياضية الدولية لا تميل إلى تعزيز فهم التنوع في الجنس والهوية الجنسية، وأن اختبارات الجنس غالباً ما تستهدف الرياضيات من ذوات البشرة الملونة اللواتي لا يتماشين مع الصورة النمطية الغربية البيضاء للأنوثة.
وقائع سابقة
وفي عام 2009، بعد فوزها في سباق الـ 800 متر في بطولة العالم، تم إيقاف العداءة الجنوب إفريقية، كاستر سيمانيا، لمدة 11 شهراً بسبب قواعد ألعاب القوى المتعلقة بمستويات الهرمونات، وأمضت سنوات في معركتها القانونية ضد المتطلبات التي تلزمها بخفض مستويات هرمون التستوستيرون الطبيعي لديها من أجل المشاركة في المنافسات.
وتم تحديد سيمينيا كأنثى عند ولادتها، ونشأت كفتاة وتم تحديد هويتها القانونية طوال حياتها كأنثى أيضاً، لكنها تعاني من إحدى الحالات المعروفة باسم الاضطراب في التطور الجنسي أو (DSDs) والتي تسبب ارتفاع هرمون التستوستيرون بشكل طبيعي.
وقال الاتحاد الدولي لألعاب القوى، إن مستويات هرمون التستوستيرون العالية لدى سيمينيا تمنحها ميزة رياضية مماثلة للرجال، وأن تطبيق القواعد يعد ضرورياً لمعالجة ذلك، فيما اعتبر منتقدو هذه القواعد، التي وُضعت في عام 2011 وتم تشديدها على مر السنين، مستويات هرمون التستوستيرون المرتفعة بشكل طبيعي بمثابة هبة جينية، مشبهين إياها بطول لاعبي كرة السلة أو أذرع السباحين الطويلة.
ويقول عالم الأنثروبولوجيا الطبية، دانيال كادي دويل جريفثس، وهو أستاذ مساعد في جامعة نيويورك: "لم يستبعد أحد مايكل فيلبس بسبب تمتعه بميزات بيولوجية معينة سمحت له بالتفوق في السباحة".
"عصر العبودية"
كما واجهت العداءة الهندية، دوتي تشاند، عملية تدقيق مكثفة وتم استبعادها من دورة ألعاب الكومنولث 2014، بعد تقارير عن ارتفاع مستوى هرمون التستوستيرون لديها أيضاً، وخضعت لمجموعة من الاختبارات وفي النهاية رفعت دعوى قضائية ضد الاتحاد الدولي لألعاب القوى، متحدية القواعد التي تفرض حداً على مستويات هرمون التستوستيرون الطبيعية لدى الرياضيات.
وقالت "أسوشيتد برس"، إنه بغض النظر عن الاختلافات في الجنس أو الهرمونات، فإنه غالباً ما تخضع النساء ذوات البشرة الملونة، وخاصةً النساء السود، للصورة النمطية التي تصورهن على أنهن أكثر ذكورة، مشيرة إلى أن عملية نزع الصفة الإنسانية هذه تعود إلى "عصر العبودية"، عندما كان يتم تقييم النساء السود المُستعبَدات في المزادات بناءً على مظهرهن الجسدي ومهاراتهن، إذ كان يتم النظر إليهن إما على أنهن أكثر ذكورة أو أكثر أنوثة.
وانتشرت نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة عبر الإنترنت حول نجمة التنس، سيرينا ويليامز، إذ زُعِم بشكل خاطئ أنها وُلِدت رجلاً، وفي عام 2017، كتبت اللاعبة، رسالة مفتوحة إلى والدتها تشكرها فيها على كونها نموذجاً يُحتذى به في مواجهة الأشخاص الذين وصفتهم بأنهم "جهلاء جداً لدرجة تجعلهم لا يدركون قوة المرأة السوداء".
كما واجهت نجمة كرة السلة، بريتني جرينر، اتهامات كاذبة مماثلة، في ظل التدقيق في وضع النساء من أصل إفريقي وأجسادهن، والذي يتجذر في العنصرية التاريخية ضدهن، إذ أنه غالباً ما يُنظر إليهن على أنهن لسن أنثويات بشكل كافٍ، أو أن عضلاتهن قوية للغاية، أو مخيفات أو لديهن صفات ذكورية.
وقالت جريفثس: "تبدو لي هذه الأمثلة كحالات خاصة، حيث لا يستطيع الناس فيها الفصل بين العنصرية والرهاب من المتحولين جنسياً، ويعود ذلك إلى تاريخ أطول بكثير للطريقة التي يؤثر بها العرق على الجنس، إذ أنه لطالما كان يُنظر إلى النساء الإفريقيات على أنهن أكثر ذكورية مقارنة بالنساء البيض".
معايير الأنوثة الغربية
وتقول شيريل كوكى، وهي أستاذة الدراسات الأميركية ودراسات جنس المرأة في جامعة بوردو، إن "تعريف الأنوثة غالباً ما يعتمد على المفاهيم الغربية البيضاء للأنوثة أو معايير الجمال الأبيض، وفي حال لم تتماش الرياضيات مع تلك المعايير الغربية البيضاء فإنهن يخضعن لهذه الأسئلة والاتهامات".
وفي حالة إيمان خليف، فإن الاتحاد الدولي للملاكمة منعها من المشاركة في بطولة العالم لعام 2023 بعد أن زعم أنها فشلت في الاختبارات المؤهلة لمنافسات الملاكمة النسائية، مشيراً إلى ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون لديها، لكن الاتحاد الذي يهيمن عليه الروس، والذي واجه سنوات من الصدامات مع اللجنة الأولمبية الدولية، رفض تقديم أي معلومات حول الاختبارات التي أُجريت.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية مارك آدامز قوله، الأحد: "العملية برمتها معيبة، بدايةً من فكرة إجراء هذه الاختبارات، إلى كيفية مشاركة نتائجها معنا، ونشرها، كل ذلك يبدو معيباً للغاية لدرجة أنه من المستحيل الانخراط في هذه العملية".
وأضاف آدامز، في وقت سابق، إن خليف "وُلدت أنثى، وسُجلت أنثى، وعاشت حياتها كأنثى، ومارست الرياضة كأنثى، ولديها جواز سفر يثبت أنها أنثى".
وكانت الهيئة الأولمبية أصدرت منهجاً مكوناً من 10 مبادئ في عام 2021، والذي أقر بضرورة "توفير بيئة آمنة وخالية من التحرش تحترم هويات الرياضيين مع ضمان عدالة المنافسات"، ويأمل المدافعون عن هذه القضية، أمثال ميترا، أن تؤخذ هذه المبادئ على محمل الجد.