طلاء المباني بالأبيض يساهم في مكافحة الحر في المدن

وكالة أنباء حضرموت

غالبا ما تُقدَّم إعادة طلاء الأسطح والهياكل بالأبيض، وهي تقنية خضعت للتجربة في مدن كثيرة، على أنها علاج فعال لمقاومة موجات الحر في المناطق الحضرية. وأكدت دراستان حديثتان منافعها، فمن شأنها أن تخفّض الحرارة المحيطة إلى درجتين مئويتين.

وفي وقت سابق قالت رئيسة المجلس الوطني لنقابة المهندسين المعماريين في فرنسا كريستين لوكونت إن الطلاء الأبيض “أحد الحلول التي يُنصَح بها اليوم، لأنه يتيح معالجة تأثير إشعاع الشمس على السطوح التي تعكس هذا الإشعاع بدلاً من احتجاز الحرارة”.

لكنها أوضحت أن “ما مِن حل واحد فحسب لخفض الحرارة في المدن”، معتبرة أن “معالجة مسألة تأثير موجة الحر على المباني تتطلب توفير مجموعة من الحلول التي تتكيف مع سياقات مختلفة، بما في ذلك السياقات ذات الطابع التراثي جداً”.

من أوروبا إلى الصين والهند وباكستان والولايات المتحدة وأفريقيا، كانت هذه أخبارًا سيئة للمدن حيث وصلت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية. وأصدرت قرابة 90 مدينة تنبيهات تحذر من درجات الحرارة في الطقس القاسي خلال فصل الصيف الماضي، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

في مطلق الأحوال ثبت أن الطلاء الأبيض يتمتع بفاعلية أكبر مقارنة بالبدائل الأخرى مثل الألواح الشمسية التي توضع على الأسطح لإحداث الظل وتمتص الإشعاع الشمسي على الأرض، أو تعزيز الغطاء النباتي، بحسب علماء من “يونيفرسيتي كولدج لندن”.

وأجرى العلماء دراستهم، التي نشرت نتائجها الخميس مجلة “جيوفيزيكل ريسرتش ليترز”، باستخدام نماذج مناخية ثلاثية الأبعاد في لندن وضواحيها بالاعتماد على بيانات من صيف 2018، وهو الصيف الأكثر حرّا على الإطلاق الذي سجّلته العاصمة البريطانية.

وتُظهر النماذج أنه “في حال اعتمادها على نطاق واسع في كل أنحاء لندن” بإمكان الأسطح المطلية باللون الأبيض أو المصنوعة من مادة عاكسة، وتسمى أيضا “الأسطح الباردة”، أن “تخفّض درجة الحرارة الخارجية في المدينة بمعدل 1.2 درجة وصولاً إلى درجتين مئويتين في بعض الأماكن”.

ويوضح المعد الرئيسي للدراسة أوسكار بروس أنّ “الأسطح الباردة تُعدّ أفضل حل للحفاظ على درجة الحرارة عند مستويات منخفضة في أيام الصيف الأكثر تطرفاً، وهناك طرق أخرى لها تأثيرات مفيدة مماثلة، ولكن لم تتمكن أيّ طريقة منها من تقليل الحرارة بالمقدار نفسه”.

ولا تتعدى قدرة الألواح الشمسية أو تخضير الشوارع على خفض الحرارة عتبة 0.3 درجة مئوية. كما أن تعزيز الغطاء النباتي على الأسطح، بالإضافة إلى كونه خياراً صعب التنفيذ (إذ يستوجب تعزيز الدعائم نظراً إلى الوزن الإضافي الذي يمثّله)، ورغم فوائده في ما يتعلق بتصريف مياه الأمطار أو تعزيز التنوع البيولوجي، “ليس له تأثير يُذكر” على صعيد الحد من الحرارة، بحسب معدي الدراسة.

وأخيرا فإن تكييف الهواء، من خلال نقل الحرارة من داخل المباني إلى الخارج، من شأنه أن يزيد معدلات الحرارة في المدينة ككل بمقدار 0.15 درجة، ولكن الازدياد قد يصل إلى درجة واحدة في وسط لندن، ما يساهم في تكوين جزر حرارية.

وتؤكد الدراسة أنه “من خلال إعادة الحرارة بدلاً من امتصاصها، تتمتع ‘الأسطح الباردة’ بميزة مزدوجة تتمثل في خفض درجة الحرارة، ليس فقط في البيئة الحضرية الخارجية بل أيضاً داخل المباني”.

وفي دراسة أخرى يعود تاريخها إلى مارس الماضي، أجريت هذه المرة في ظروف حقيقية بمنطقة في سنغافورة حيث أعيد طلاء الأسطح والجدران وأسطح الطرق بالأبيض، تبيّن أن الحرارة الإجمالية يمكن أن تنخفض بما يصل إلى درجتين في فترة ما بعد الظهر، وأن التراجع المحسوس في درجات الحرارة لدى المارة تحسن بما يصل إلى 1.5 درجة مئوية.

ويرجع ذلك إلى “تأثير البياض” (أو العاكسية)؛ فكلما كان السطح أخف وزنا ازدادت قدرته على أن يعكس الضوء، وبالتالي الحرارة. على سبيل المثال يمكن للسقف الأبيض المصنوع من البلاستيك الحراري أن يعكس 80 في المئة من أشعة الشمس.

وتخضع هذه الأساليب التي أوصت بها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وجرت تجربتها في دول عدة مطلة على البحر المتوسط، مثل اليونان، للاختبار في مدن مختلفة في بلدان كانت معتدلة مناخيّا لكنها صارت تشهد موجات حارة بشكل متزايد.

وحول كيف يمكن أن يقدّم طلاء المدن كلياً بالأبيض الحل على صعيد تقليص درجات الحرارة، يبقى الأمر نسبيا. فبالنسبة إلى المدن التي اختارت تغطية المباني وأيضاً طلاء الأرضيات في الطرق بلون أبيض نقي، تبدو النتائج باهتة.

ففي لوس أنجلس التي أعادت طلاء جزء من أرصفتها باللون الأبيض عام 2017، اشتكى المارة من شعور أكبر بالحرارة، إذ تنخفض الحرارة فقط عند الأرض وليس على مستوى الأشخاص، فضلاً عن الإرهاق البصري الناجم عن النظر إلى اللون الأبيض.

كما أنهت مدينة ليون الفرنسية في أغسطس الماضي اختباراً استمر عامين قام على طلاء الشوارع بالأبيض، بحجة الكلفة الباهظة وسرعة اتّساخ الشوارع.

وعلى العكس من ذلك عندما يُستخدم الأبيض فقط على أسطح المباني تأتي نتائج التجربة ناجحة، ففي غرونوبل الفرنسية بعد إعادة طلاء قاعة بيفورك الاجتماعية باللون الأبيض أتت النتيجة إيجابية بحسب المدينة، إذ تراجع معدّل الحرارة أربع درجات مئوية وفق دراسة مستقلة.

وفي ترمبلاي أون فرانس أدى طلاء سقف صالة جان غيمييه للألعاب الرياضية، والتي ستكون بمثابة مركز تدريب لأولمبياد باريس 2024، بالأبيض إلى خفض معدل الحرارة بواقع 5 درجات مئوية.