إيران والمأزق السياسي
بينما نغوص في آفاق العام الإيراني 1403 (2024-2025)، يكشف الفحص الدقيق عن تشابك حاسم بين العناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تُشكّل هذه العناصر المتداخلة أسس الدولة والمجتمع، مما يلمح إلى عام مقبل يحفل بالتحديات الجسيمة والفرص العظيمة لإيران.
بينما نغوص في آفاق العام الإيراني 1403 (2024-2025)، يكشف الفحص الدقيق عن تشابك حاسم بين العناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تُشكّل هذه العناصر المتداخلة أسس الدولة والمجتمع، مما يلمح إلى عام مقبل يحفل بالتحديات الجسيمة والفرص العظيمة لإيران.
وأصبح مستقبل إيران، وخصوصًا تحت إدارة النظام الحالي، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بهذه العوامل الثلاثة الأساسية أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في أعقاب الانتفاضة الواسعة النطاق في عام 2022. أدت هذه الانتفاضة إلى تفاقم التناقضات الداخلية داخل النظام وعجّلت في تآكل قاعدته الاجتماعية، مما يُمثّل لحظة فارقة في التاريخ المعاصر لإيران.
ولم تكن أهمية تحليل التشابك بين القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إيران أكبر من أي وقت مضى. التداخل الفريد تحت ظل النظام الحالي، حيث تمتد الاستبدادية عبر الأبعاد الثلاثة، يضمن أن هذه القضايا لا يمكن عزلها عن بعضها وتساهم جماعيًا في تحديد مصير الأمة.
ومن الناحية الاقتصادية، تواجه إيران أزمة شديدة متجذرة في اضطراب اجتماعي أوسع نطاقًا، وكلاهما يستند إلى أزمة سياسية عميقة. ويبرز هذا الترابط أهمية فهم الجمود السياسي الذي يعتري النظام كأساس لفهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية الأشمل التي تواجه البلاد.
ويستمر الجمود السياسي، الذي تفاقم بشكل خاص بفعل النتائج الاستراتيجية لانتفاضة 2022، في التصاعد. وقد ظهرت اعترافات من داخل النظام نفسه، مما يشير إلى سقوط لا مفر منه إذا ظل المسار الحالي دون تغيير.
هذا الترابط بين الاقتصاد والسياسة يُعدّ سمة مميزة لفترة حكم النظام، حيث انتقلت عقود من الأزمات الاقتصادية من حكومة إلى أخرى، كل تكرار يعد أسوأ من سابقه. السبب الجذري هو احتكار الموارد الاقتصادية لدعم النظام، وهي سياسة أدت بالسكان إلى حافة البقاء، مما أدى إلى تعميق التفاوت الطبقي الاجتماعي إلى مستويات غير مسبوقة.
وقد أدى الانقسام الطبقي الحاد إلى أزمة وجودية خطيرة بين الطبقات الاجتماعية، حيث شهد العامان الماضيان ارتفاعًا مستمرًا في المعارضة العامة والإضرابات. ويشكل هذا الاستياء المتزايد شهادة على فشل النظام في معالجة وإدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتداخلة.
إن الأزمات المزدوجة للاقتصاد والمجتمع يغذيها نهب الموارد الطبيعية والمالية للحفاظ على النظام وطموحاته التوسعية. تعود جذور هذه الدورة من الأزمات إلى الجمود السياسي الذي يتسم بالاستبداد والاحتكار وتشديد القبضة، مما يجعل الخروج منها أمرًا لا مفر منه.
وفشلت محاولات الولي الفقيه للنظام خامنئي لغرس الأمل من خلال المواضيع الاقتصادية السنوية باستمرار في معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وزيادة التفاوت الطبقي، وتوسيع نطاق الاضطرابات الاجتماعية.
والسبب الكامن وراء هذه الأزمات المتصاعدة هو الجمود السياسي، الذي يشكل جوهر كل التحديات التي تواجهها إيران. وينتشر هذا الجمود من حكومة إلى أخرى، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة الشعب الإيراني ومعيشته.
إن الجمود السياسي داخل النظام له جوانب داخلية وخارجية، حيث تؤدي الضغوط الخارجية إلى تفاقم نقاط الضعف الداخلية. إن ميل النظام إلى تهميش المؤيدين القدامى لصالح ترسيخ السيطرة لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام بين الدولة والمجتمع، وهو اتجاه تسارع على مدى العامين الماضيين.
إن استمرار هذه الاتجاهات يبعث برسالة واضحة مفادها أن الجمود السياسي داخل الجمهورية الإسلامية ليس له حل داخلي. وكلما تعمق الانقسام والاضطرابات المجتمعية، كلما أصبح الطريق المسدود الذي يواجهه النظام أكثر صعوبة في التغلب عليه.
ومع بدءعام 1403، يواجه النظام جمودًا شاملاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وفي قلب هذا المأزق تكمن الظروف الملموسة للانتفاضة والثورة داخل المجتمع الإيراني المتفجر. ويعترف المحللون والخبراء بأن العام الجديد سيكون “خاصًا ومتميزًا”، ويختلف بشكل ملحوظ عن الأعوام السابقة.
وتفرد عام 1403 يكمن في المأزق الثلاثي المتمثل في الاقتصاد والمجتمع والسياسة، ولا يقدم أي مسار للأمام سوى تغيير جذري – رفض النظام الحالي برمته كونه الحل الوحيد لهذه الأزمات المترابطة.
وبالتالي، ليس العام الجديد بالنسبة لإيران مجرد عام آخر، بل هو منعطف حاسم يمكن أن يحدد مصير شعبها والنظام نفسه. وبما أن الأمة تقف على مفترق طرق تغيير كبير، فإن الحاجة إلى فهم شامل واستجابة لهذه التحديات لم تكن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.