طهران تغازل والرياض ترد بالصمت علامة الرضا
منذ آخر تصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن مجرى المباحثات مع إيران والتي وصفها بأنها ما تزال “استكشافية”، لم تقدم الرياض أي إشارات على “تحقيق تقدم” أو “التوصل إلى اتفاقات”، بينما لم يكفّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن تقديم انطباعات إيجابية عما تحقق.
وذهب عبداللهيان إلى أبعد من ذلك خلال وجوده في بيروت بالقول إن المحادثات بين الطرفين توصلت إلى “اتفاقات معينة”، وإن الأمور تمضي في “مسارها الصحيح” من أجل الانتقال إلى التحقيق العملي لما تم التوافق عليه. ولم تقدم السعودية أي إيضاحات حول ما تم التوافق عليه حتى الآن.
وأغدق الوزير الإيراني في مغازلة السعودية بالقول إنها “بلد مهم في المنطقة” وإن “طهران تعتبر أن دور البلدين له تأثير بالغ الأهمية في ترسيخ الأمن والاستقرار وتحقيق الرفاهية الاقتصادية لصالح شعوب المنطقة”، لافتا إلى ما أسماه “إيمان إيران بمعادلة الحوار والانفتاح الذي بإمكانه تأمين مستقبل مشرق للمنطقة وشعوبها”.
وشجعت أنباء التقدم الغامض في المباحثات بدورها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الإعراب عن استعداده لتقديم الدعم بأي شكل “في حال طُلب منه” للمفاوضات بين البلدين. وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك إن “المناقشات بين المملكة العربية السعودية وإيران تكتسب أهمية قصوى، وبصراحة هي مسألة في غاية الحساسية بالنسبة للاستقرار في المنطقة”.
ويشير امتناع السعودية عن الكشف عن التوافقات التي تم التوصل إليها إلى أن تلك التوافقات ما تزال تقتصر على القضايا التي تُرضي إيران، ولم تشمل بعد ما تعتبره الرياض قضايا جوهرية مثل التوصل إلى أسس لوقف الحرب في اليمن، وتوقيع معاهدة عدم اعتداء تشمل إيران والميليشيات التابعة لها، ولا تقتصر على طهران وحدها.
إلا أن الرياض تصمت عن الانطباعات الإيجابية التي يثيرها عبداللهيان من ناحية كتعبير عن الرضا، ومن ناحية أخرى لكي لا تستفز الولايات المتحدة قبل أن تكون هناك اتفاقات شاملة.
ويقول مراقبون إن أحد أسباب “الصمت كعلامة على الرضا” يعود إلى تراجع مستويات الثقة مع واشنطن، لاسيما وأن محادثات مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان في الرياض مؤخرا لم تحقق إلا ما تعتبره الرياض أقل من الحد الأدنى، وخاصة في ما يتعلق باستمرار التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أراضي السعودية.
وفي إشارة إلى أن الصدع ما يزال قائما رد الأمير سطام بن خالد آل سعود على تغريدة نشرتها السفارة الأميركية في الرياض بشأن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على المملكة، بالقول إن تلك الهجمات جاءت نتيجة لقيام الولايات المتحدة برفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية، واتهم الولايات المتحدة باتباع معايير مزدوجة.
وكانت السفارة الأميركية في الرياض دعت الحوثيين إلى التركيز على السلام بدلاً من العنف، والعمل على إيجاد حل دبلوماسي تحت رعاية الأمم المتحدة.
وفي حال تم الكشف عن اتفاقات فعلية بين طهران والرياض، فمن المرجح أن تدعو السعودية أطرافا دولية للإشراف على توقيعها، وذلك لكي تكون بمثابة أطراف ضامنة.
وخاضت إيران والسعودية أربع جولات حوار تولت بغداد استضافتها، كانت آخرها في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي. إلا أن المشاورات بين الجانبين لم تنقطع، حيث يخوض الطرفان في اتصالات جانبية مباشرة تتعلق بترتيب جدول أعمال الجولات المقبلة، ولاستكشاف مجالات التوافق بشأنها.
وكانت السعودية ردت بالمستوى نفسه من “صمت الرضا” على المبادرة الروسية لأمن الخليج، والتي أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طرحها عندما التقى وفد “الترويكا” الخليجية برئاسة عبداللطيف بن راشد الزياني وزير خارجية البحرين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي.
واقترح لافروف خلال الاجتماع عقد جلسة جديدة للحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية. وهو ما دفع البيت الأبيض إلى الإسراع بإرسال مستشار الأمن القومي إلى القاهرة وأبوظبي والرياض في محاولة لوقف التدهور في علاقات واشنطن مع دول المنطقة. ولكن مباحثات سوليفان أكدت تراجع الثقة بواشنطن أكثر مما نجحت في إحيائها.
ويقول مراقبون إن الرياض حافظت على مستوى الزخم في المحادثات مع طهران، لأنها تشعر بأنها لا تملك خيارا آخر، وإنه يمكن لواشنطن إلى جانب موسكو وغيرها من دول العالم الكبرى أن تأتي في النهاية لتكون شاهدا أو ضامنا لما يتم التوصل إليه من اتفاقات.