باريس تفرج عن مواطن سعودي بعد أن ثبت أنه ليس المعني بقضية خاشقجي
أنقرة لا تريد إثارة قضية اغتيال خاشقجي تجنبا لاستفزاز الرياض
التزمت تركيا الصمت حيال الضجة التي أثارها اعتقال السلطات الفرنسية لمواطن سعودي للاشتباه بصلته في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقا بعد أن اتضح أنه ليس الشخص المعني، وأنه وقع ضحية تشابه في الهوية.
وعلى خلاف العادة حافظت تركيا على برودها، رغم أهمية المسألة بالنسبة إليها، وتريثت ليس فقط في التعليق على اعتقال المواطن السعودي، بل ولم تستغل الواقعة لتنشيط ذاكرة العالم حول قضية مقتل خاشقجي، مثلما عمدت في كثير من الأحيان سابقا في سياق مناكفاتها للسعودية.
وحمل الصمت التركي حيال واقعة الاعتقال دلالات سياسية مفادها عدم رغبة أنقرة في النبش مجددا في قضية مقتل خاشقجي لما لذلك من مفاعيل سلبية ستضر بجهودها في تطبيع العلاقات مع الرياض.
وأبدت تركيا مؤخرا تغيرا في سياستها الخارجية باتجاه تصفير المشاكل مع دول الخليج، بعد أن ثبت لها أن سياساتها الصدامية السابقة كلفتها الكثير ليس فقط لجهة تعميق عزلتها الإقليمية والدولية، بل وأيضا لم تجد لها حلفاء قادرين على دعمها في أزمتها المالية المتفاقمة.
وبدأت الاستدارة التركية بفتح صفحة جديدة مع الإمارات العربية المتحدة، على أمل أن تستتبعها خطوات أخرى تكسر من خلالها سمك الجليد مع المملكة العربية السعودية التي لا تزال تتريث في اتخاذ أي خطوة صوب أنقرة بانتظار أن تتأكد من أن التحول التركي ليس مجرد خطوة تكتيكية ذات أهداف آنية.
وسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته مؤخرا إلى قطر لاستغلال الفرصة للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي كانت له حينها زيارة إلى الدوحة في إطار جولة خليجية، بيد أن اللقاء لم يتحقق حيث ذكرت مصادر لوكالة “رويترز” أن ما حال دونها هو “اختلاف البرنامج”.
ويشير المراقبون إلى أن تعمد المسؤولين الأتراك تجاهل اعتقال فرنسا للمواطن السعودي بناء على مذكرة توقيف دولية أصدرتها السلطات القضائية التركية في الخامس من نوفمبر 2018 في إطار جريمة قتل الصحافي خاشقجي كان متوقعا.
وتوجه أردوغان خلال تلك الزيارة بجملة من الرسائل إلى الدول الخليجية تعكس رغبته في علاقات جديدة معها من خلال التأكيد على أن “جميع الشعوب الخليجية إخوة حقيقيون لنا”، وتشديده على أنه لا يود “على الإطلاق رؤية توترات وصراعات وعداوات في هذه المنطقة”.
ويرى مراقبون أن تركيا تبدي حرصا شديدا على تذويب الخلافات مع السعودية، وتحسين العلاقات معها في ظل حاجتها الأكيدة إلى تطبيع مع المحيط الخليجي لما لذلك من انعكاسات ستفيد وضعها المالي المترنح، وبالتالي هي حريصة على عدم إثارة أية توترات، من ذلك قضية مقتل خاشقجي التي تحولت بالنسبة إليها إلى عبء ثقيل تسعى للتخفيف منه.
ولا يستغرب هؤلاء أن تكون أنقرة استشعرت ارتياحا بعد أن ثبت للسلطات الفرنسية أن الرجل المعتقل ليس الشخص الذي تنطبق عليه هوية المطلوب تركيا، لأن خلاف ذلك كان سيضع أنقرة في موقف محرج.
وأفرجت السلطات الفرنسية الأربعاء عن المواطن السعودي الذي اعتقل في باريس الثلاثاء للاشتباه بعلاقته في قضية اغتيال خاشقجي. وأوضح المدعي العام ريمي هايتس أن “عمليات التدقيق المعمقة المتعلقة بهوية هذا الشخص أتاحت التوصل إلى أن المذكرة التي أصدرتها السلطات التركية في العام 2018 لا تنطبق عليه” و”قد أطلق سراحه”.
وكانت مصادر في أجهزة إنفاذ القانون الفرنسية قد ذكرت أن الرجل المعتقل هو خالد بن عائض العتيبي، وهو نفس اسم عضو سابق في الحرس الملكي السعودي مدرج في قوائم عقوبات أميركية وبريطانية وورد في تقرير صدر بتكليف من الأمم المتحدة باعتباره ضالعا في مقتل خاشقجي في تركيا.
وأوضح بيان صادر عن مكتب المدعي العام الفرنسي أن “الفحوص المكثفة للتأكد من هوية هذا الشخص أظهرت أن الإخطار لا ينطبق عليه (..) وتم إخلاء سبيله”.
وكان قد ألقي القبض على الرجل عندما أطلق إنذار عند فحص جواز سفره بالماسح الضوئي بينما كان يستعد لركوب رحلة متجهة من باريس إلى الرياض.
وجاء اعتقال المواطن السعودي في وقت شديد الحساسية بعد أيام من لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمير محمد بن سلمان، ليصبح أول زعيم غربي يزور المملكة منذ مقتل خاشقجي.
وقد أثار الاعتقال لغطا كبيرا وسيلا من التكهنات حول ارتباط الأمر بخلافات فرنسية – سعودية حول جملة من الملفات من بينها الملف اللبناني، حيث كان ماكرون يأمل في أن تفضي زيارته إلى إقناع المسؤولين السعوديين بأهمية عودة العلاقات مع لبنان، لكنه عجز على ما يبدو في تحقيق الهدف المنشود.
ويشير المراقبون إلى أنه على الرغم من الإفراج عن المواطن السعودي بيد أن ما حصل من شأنه أن يترك أثرا على العلاقات السعودية - الفرنسية.