مسلسل السقوط مستمر
التدهور المعيشي يهدد بانهيار حكومة الشرعية والانتقالي الجنوبي
كشفت مصادر يمنية عن نقاش داخلي يدور بين المكونات اليمنية حول استمرار مشاركتها في الحكومة، إثر التدهور الاقتصادي والمعيشي المتسارع وانهيار العملة الوطنية.
وقالت المصادر إن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يشارك بأربعة وزراء في حكومة معين عبدالملك المنبثقة عن اتفاق الرياض يواجه ضغوطا سياسية وشعبية متزايدة نتيجة التدهور في أسعار صرف الريال اليمني وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي في المناطق المحررة التي تعاني ارتفاعا حادا في أسعار المواد الغذائية الرئيسية.
وكتب وزير الصحة المنتمي لحزب الإصلاح قاسم بحيبح تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها إن الوضع الاقتصادي أصبح لا يطاق ويحتاج إلى “إنقاذ بدعم داخلي وخارجي عاجل في ظل الظروف الصعبة (…) وإذا كانت الاستقالة سبيلا لحل الأزمة فكثير من الوزراء مستعدون لها”.
يأتي هذا في وقت واصل فيه الريال اليمني انهياره بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 1700 ريال في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، وسط ارتفاع حاد في الأسعار وموجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية.
وتشهد المحافظات الجنوبية المحررة حالة كبيرة من الاحتقان الشعبي في ظل مطالبات بتنظيم مظاهرات وإضرابات عن العمل في الكثير من القطاعات الرئيسية التي تضرر منتسبوها من انهيار صرف العملة اليمنية وتراجع قيمتها الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة.
وحذر مراقبون يمنيون من انعكاسات هذا الوضع على المشهدين السياسي والاقتصادي في البلاد خلال المرحلة المقبلة، مع عجز الحكومة عن إيجاد أيّ معالجات حقيقية لحالة الانهيار الاقتصادي والنقدي المتفاقمة ومطالبة ناشطين وإعلاميين مقربين من السعودية بتقديم وديعة مالية جديدة للبنك المركزي اليمني وهي الطريقة التي دأبت الحكومة من خلالها على وقف الانهيار في العملة في السنوات الماضية.
واعتبر محللون اقتصاديون أن فشل الحكومة اليمنية في إيجاد معالجات اقتصادية ونقدية عميقة والاكتفاء بطلب الودائع المالية وطباعة المزيد من العملات الورقية مؤشر على كارثة إنسانية قد تشهدها الأيام القادمة.
وفي تصريح لـ”العرب” أكد المحلل الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي أن التدهور الكارثي في الجانب الاقتصادي في المناطق المحررة تفاقم نتيجة ممارسات خاطئة وفشل في التعاطي مع الملف الاقتصادي من العديد من النواحي منها تبديد الموارد وعدم ترشيد النفقات وتجميد عمل المؤسسات والوحدات الاقتصادية وضياع الموارد واستفادة جماعات خارج الدولة من مثل هذه الموارد في ظل غياب الرقابة سواء البرلمانية أو الشعبية.
وأشار المساجدي إلى أن “مسلسل السقوط مستمر ولن تقف العملة اليمنية عند حدود 1600 ريال للدولار الواحد في ظل انتهاج نفس الآلية التي تدار بها الأمور خاصة في الشق الاقتصادي، والذي أصبح أكثر أولوية وأهمية حتى من الجانب السياسي والعسكري”، مضيفا أن “الفشل الاقتصادي وتعريض الناس للمجاعة ودفع غالبيتهم إلى دائرة الفقر هي ما يضعف موقف الشرعية السياسي والعسكري، وبالتالي، فإن الأولوية القصوى لا بد أن تكون لتحسين الأوضاع الاقتصادية”.
ولفت المساجدي إلى أن خروج المواطنين في العديد من المحافظات هو تعبير عن الغضب والاحتجاج على تقصير الشرعية ككل عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين، “غير أن الحكومة الشرعية لم تتخذ أيّ خطوات إيجابية تجاه تحسين أوضاع الناس المعيشية والاقتصادية، ليستمر السقوط والتدهور في العملة وفي أسعار السلع الغذائية”.
وأضاف “التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية يعني دخول أكثر من 90 في المئة من المواطنين في المناطق المحررة دائرة الفقر والمجاعة، ما يعني شللا كاملا يصيب الحركة التجارية، ومعها بكل تأكيد ستكون لها تداعيات في الناحية الاجتماعية والأمنية والإنسانية والصحية وهو ما لا ينبغي السكوت عنه أو يسمح بالوصول إليه من الجميع سواء الشرعية أو التحالف الداعم لها”.
وحذر مراقبون من تفاعلات وانعكاسات قادمة قد تشمل المسارين السياسي والعسكري للشرعية في حال استمرت تداعيات الانهيار الاقتصادي والنقدي دون أيّ حلول جذرية من قبل القوى والمكونات المهيمنة على قرار الحكومة.
وفي تصريح لـ”العرب” حذر الباحث السياسي اليمني ماجد الداعري مما أسماها “ثورة جياع” قال إنها تطرق الأبواب بالتوازي مع “فوضى أمنية وجرائم مختلفة وسط مجاعة متوحشة”، مشيرا إلى أن هذه هي “أبرز ملامح المشهد القادم في اليمن” في ظل الدعوات الشعبية المتواصلة لبدء انطلاق ثورة الجياع مع تعطل عمل المؤسسات وعجز الحكومة عن تقديم أي حلول أو معالجات لوقف الانهيار المعيشي الكارثي للشعب اليمني المنكوب بأكبر مجاعة متوحشة في العالم”.
وحذر الداعري من “قرب توقف استيراد الكثير من المواد الغذائية لعدم مقدرة الناس على شرائها في ظل تسارع انهيار العملة المحلية وتزايد أعداد الجائعين ما لم يتدخل المجتمع الدولي والتحالف بدعم وخطة إنقاذ اقتصادي عاجلة قبل خروج الوضع عن السيطرة بشكل تام”.
وتابع “بكل تأكيد فإن المظاهرات التي يتداعى لها الكثير من ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي ستشكل شرارة انطلاقة ثورة الجياع في المناطق المحررة في الجنوب ولن تتوقف في عدن أو ما حولها وإنما ستصل عموم اليمن كون الشغب اليمني كلّه يعاني بما فيه مناطق الحوثيين”.