تقرير دولي: لماذا استدعت قطر أدواتها في الشرعية اليمنية المؤقتة؟
قالت مصادر مطلعة لصحيفة العرب الدولية إن البيان المشترك الذي أصدره رئيس مجلس الشورى اليمني ورئيس الحكومة اليمنية السابق أحمد عبيد بن دغر ونائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري والذي انتقدا فيه أداء الشرعية والتحالف وطالبا فيه بوقف الحرب في اليمن وتشكيل تحالف سياسي يمني جديد والبدء بحوار وطني شامل، جزء من حراك تموله قطر في إطار مساعيها لتقويض الحكومة الشرعية وتفكيك الجبهة المناوئة للانقلاب الحوثي.
وقوبل البيان بموجة من الانتقادات الواسعة من ناشطين وسياسيين يمنيين شككوا في أهداف البيان الذي يأتي في توقيت حرج، حيث يصعّد التحالف العربي من هجماته الجوية على مواقع الحوثيين بالتوازي مع انتصارات تحققها القوات المشتركة في الساحل الغربي.
وتبرأت هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني وهيئة رئاسة مجلس الشورى في بيانين منفصلين من البيان الصادر عن بن دغر وجباري، مؤكدتَيْن أن البيان لا يعبر عن المجلسين بقدر ما يعبر عن مصالح الرجلين وأجنداتهما السياسية والشخصية.
وسارع الحوثيون إلى توظيف البيان عبر تغريدات على تويتر اعتبرت أنه بمثابة استسلام من قبل الشرعية واعتراف بعدم جدوى مواجهة المشروع الحوثي المدعوم من إيران عسكريا وسياسيا.
وكتب رئيس وفد التفاوض الحوثي محمد عبدالسلام تعليقا على بيان بن دغر/جباري “كنا والحمد لله على يقين من أول يوم أن العدوان مآله الفشل، وصارحنا شعبنا اليمني بالحقيقة وقلنا إن العدوان كله شر وإنه يستخدم أدواته لتحقيق مآربه، وإن مصلحة اليمن ليست في التصفيق للتدخل الخارجي بل في مواجهته، وأثبتت سنوات الصراع صواب ما ذهب إليه شعبنا اليمني وهو مستمر في هذا الطريق”.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية أن البيان المفاجئ الذي أصدره قياديان رفيعان في أعلى هرم الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا، لافت من حيث التوقيت، حيث يصدر بالتزامن مع قيام نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر بزيارة رسمية إلى العاصمة القطرية الدوحة، ووجود رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني في مدينة إسطنبول التركية، وظهور وزير الخارجية اليمني على قناة الجزيرة القطرية في حوار قد يضيف العديد من التعقيدات إلى المشهد اليمني وخصوصا حديثه عن العلاقة بين المقاومة المشتركة في الساحل الغربي والجيش اليمني ووجود التحالف العربي على جزيرة ميون اليمنية في البحر الأحمر.
ولم تستبعد المصادر أن تكون التصريحات المعادية للتحالف العربي في هذا التوقيت على علاقة وثيقة باستئناف الدوحة لنشاطها العلني في الملف اليمني مستفيدة من أجواء المصالحة الخليجية، وهو الأمر الذي قد يدفعها إلى توظيف نفوذها لدى بعض قيادات الشرعية واستدعاء أدواتها التي ظلت تستثمر فيها لسنوات.
وأشارت المصادر إلى وجود صراع محتدم بين القوى الموالية للدوحة على خلفيّة معلومات عن تخصيص قطر 21 مليون دولار أميركي لتأسيس جبهة سياسية جديدة من داخل الشرعية مناهضة للتحالف وساعية للتصالح مع جماعة أنصارالله الحوثية، ويتنازع الزعامة عليها تياران رئيسيان أحدهما على رأسه القياديان الإخوانيان حميد الأحمر وحمود المخلافي والآخر يتكون من مزيج من القيادات التي كانت تحسب على حزب المؤتمر الشعبي العام وتنظيمات أخرى وتم استقطابها من قبل الدوحة مثل وزير الداخلية اليمني السابق أحمد الميسري ونائب رئيس مجلس النواب عبدالعزيز جباري ورئيس مجلس الشورى الحالي أحمد عبيد بن دغر.
وفي تصريح حول خلفيات البيان الصادر عن بن دغر/جباري ودلالاته، قال عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات “بن دغر وجباري من الشخصيات التي تم توظيفها في السنوات الأخيرة لخدمة أجندة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين داخل الشرعية اليمنية ضمن العديد من الشخصيات التي انطبقت عليها مواصفات الطموح الشخصي غير الملتزم؛ لذلك نجد أن ردود الفعل على البيان كانت ساخرة سواء من المنتمين للمشروع الوطني في مواجهة الحوثيين الذين ينظرون للشخصيتين ضمن القوى التي خدمت الحوثي من داخل الشرعية، أو من قبل الحوثيين الذين وظفوا البيان كدليل على صحة موقفهم من الحرب”.
واعتبر مصطفى أن البيان يأتي” ضمن التخادم الحوثي – الإخواني المرعي والممول من قطر، خاصة مع ما تواجهه ميليشيا الحوثي اليوم من أزمة في الميدان بعد الترتيبات العسكرية الأخيرة في الساحل الغربي ومناطق تماس أخرى مع محافظات الجنوب، وهو استمرار للتخادم الثنائي الحوثي – الإخواني الذي بدأ سرياً وأصبح مع مرور الوقت مكشوفاً ضمن معادلة الصراع في اليمن”.
وتابع “يظل المحرك الرئيس لهذا التخادم الحوثي – الإخواني هو علي محسن الأحمر الذي تزامن صدور البيان مع زيارته إلى الدوحة وكان قبلها بأيام قد عين سفيرا لليمن لدى الدوحة منتميا لجماعة الإخوان”.
ويرى مراقبون للشأن اليمني أن الدوحة تجني في هذه المرحلة ثمار اختراق طويل لقيادات الشرعية ومؤسساتها، حيث نجحت في إفراغ مؤسسة الشرعية والحكومة من محتواها، وتوظيفها في صراعها مع التحالف وأجنداتها الهادفة إلى خدمة المشروع الحوثي وإنقاذه في المنعطفات الحاسمة وهو ما يفسّر هذه المواقف الملتبسة والزيارات المكوكية للدوحة وإسطنبول في هذا التوقيت الذي يضيّق فيه التحالف من الخناق على مصادر القوة الحوثية، عبر عمليات جوية نوعية مركزة.
وفي تصريح اعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر موقف بن دغر وجباري مؤشرا على حجم الاختراق القطري للشرعية الذي بدأ منذ سنوات، إضافة إلى أنه يكشف عن الأسباب الحقيقية لإخفاق الجيش اليمني في الحسم العسكري خلال السنوات الماضية، وأن مثل هذه الشخصيات لها علاقة بتلك التعثرات من قريب أو بعيد.
وأضاف “البيان يعيدنا إلى خبر مؤسسة جيمس تاون المنشور في مارس 2021، والذي يتحدث عن تحركات لتأسيس جبهة الإنقاذ الوطني بزعامة الإخواني حميد الأحمر، وربما استطاعت قطر أن تجمع الكثير من الشخصيات المحسوبة على المؤتمر الشعبي العام وأحزاب أخرى أو من كانت تعتمد عليهم في تسريب المعلومات للحوثيين، بهدف تأسيس كيان جديد مموّل والهدف هو التصالح مع الحوثي وإفشال التحالف العربي وطيّ صفحة الرئيس عبدربه منصور هادي.
وبالرغم من أن البيان ظاهريًا دعا إلى وقف الحرب والسلام في اليمن، وهذا ينشده الجميع، إلا أن الحوثي رفض كل المبادرات وانقلب على كل الحوارات والاتفاقيات التي كان آخرها الحوار الوطني الشامل، وكذا الانقلاب على المؤتمر الشعبي العام في صنعاء في الثاني من ديسمبر 2017”.
ولفت الطاهر إلى أن باطن البيان يشير إلى أن هناك تحركات قطرية لوأد الانتصارات التي حققتها القوات المشتركة. وهو بيان خطير يخدم الحوثي الذي يعاني من شحة المقاتلين والانهزام في جبهات القتال ورفض قبلي للتعاون معه، ومثل هذا البيان يرسل رسالة إلى القبائل مفادها أن الحوثي منتصر، ويجبرها على قبول مطالبه بالتحشيد، وفي نفس الوقت يعيد العزيمة إلى ما تبقى من المقاتلين الحوثيين لمواصلة القتال، بالإضافة إلى أنه رسالة عكسية لمقاتلي الجيش اليمني وقبائل مأرب التي تدافع عن المحافظة النفطية.