يريدون حكومة وفق أهوائهم

الحشد الشعبي يلوح بانقلاب ما لم يضمن حصة في الحكومة المقبلة

بغداد

قالت مصادر سياسية عراقية إن التهديدات التي تطلقها الفصائل المكونة للحشد الشعبي بشأن نتائج الانتخابات هي تهديدات جدية، وإنها قد تمر إلى خطوات تصعيدية إن لم يفض إجراء عد جديد للأصوات إلى فوزها بالكتلة الأكبر، ومن ثمة حصولها على حصة ذات قيمة في الحكومة المقبلة.

وأشارت هذه المصادر إلى أن قادة الفصائل يجهّزون عدة بدائل تصعيدية تبدأ من إثارة “احتجاجات شعبية”، وقد تنتهي إلى انقلاب ميداني لإرباك الوضع تستخدم فيه ميليشيا الحشد قوتها المؤلفة من نحو 180 ألف عنصر، بمشاركة قوات “الدمج” التابعة لها داخل المؤسسة العسكرية، وعناصرها بالآلاف من الأفراد التابعين للأحزاب الموالية لإيران والذين تم دمجهم في مختلف فروع القوات المسلحة.

ولفتت إلى أن هذا الانقلاب لن يكون بشكله الكلاسيكي الذي يعني استلام السلطة بالقوة العسكرية، وإنما يتم عبْر خلق حالة من التعجيز الميداني تخنق العملية السياسية التي ابتدعتها الأحزاب الطائفية؛ وذلك من خلال عرض لا ينقطع للقوة مثلما يفعل حزب الله في لبنان، ويهدف إلى تعطيل عمل أي حكومة مستقبلية لا تكون قابلة بشروط الميليشيات وخادمة لأجندتها أمنيا وطائفيا وخاصة المحافظة على مصالح إيران ومنع خروج العراق عن دائرة نفوذها وسعيه لبناء علاقات إقليمية متوازنة.

لا يملك الرئيس صالح الصلاحيات الدستورية التي تسمح له بتعديل النتائج أو الانقلاب عليها، فضلا عن أنه لا يرغب في ذلك أصلا

وتدور صراعات الثنائي الشيعي بالعراق في اتجاهين ويريد الحشد الشعبي أن يضمن لنفسه حصة في أي منهما، خاصة في ظل تشكيل “الإطار التنسيقي الشيعي” للقوى الموالية لإيران الهادف إلى الالتفاف على نتائج الانتخابات، في سابقة عكسية لتشكيل التحالفات التي تتم عادة قبل الانتخابات للفوز بها، وليس لتغيير النتائج بالقوة.

في الاتجاه الأول يحاول “الإطار التنسيقي الشيعي” للقوى الموالية لإيران، والذي يقوده زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، أن يحصل على دعم أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية لتشكيل “الكتلة الأكبر”، وبالتالي تشكيل الحكومة.

إلا أن هذا التوجه يصطدم بتهديدات الطرف الآخر في الثنائي الشيعي وهو التيار الصدري الذي يتمسك بأنه هو “الكتلة الأكبر” وأنه الأحق بأن يبدأ المشاورات لتشكيل الحكومة. ويقول مسؤولون في هذا التيار إن سرقة الحق منهم سوف تكون عواقبها وخيمة، وإن أي حكومة لا يشكلها مقتدى الصدر سوف تسقط مثلما سقطت حكومة عادل عبدالمهدي في ديسمبر 2019.

أما الاتجاه الثاني فيتمثّل في أن تتسع “الحكومة الصدرية” بشكل يضمن لأطراف “الإطار التنسيقي” حصتهم في الوزارات التي يرغبون في توليها، وهو ما اعتبره مسؤولون في الحشد الحد الأدنى الذي يمكن القبول به، وإلا فإن قلب الطاولة سيكون هو الخيار الوحيد المتبقي أمامهم، ومن بين ذلك فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية التي لا يستطيع مسلحو التيار الصدري مواجهتها.

ولا تزال مفوضية الانتخابات تجري إعادة الفرز لنحو 300 محطة انتخابية، ولكن من غير المتوقع أن تؤدي إلى تغيير كبير في واقع الهزيمة التي منيت بها ميليشيات الحشد الشعبي والأحزاب المرتبطة بها.

ويقول مسؤولون في التيار الصدري إن “الخصوم نسوا أن حكومتهم السابقة سقطت بسبب الاحتجاجات التي عمت البلاد، من بغداد إلى أقصى الجنوب، وأن المتظاهرين قاموا بحرق مقرات الأحزاب المشاركة في الحكم. وهم يزعمون الآن أنهم يجب أن يحصلوا على عدد من المقاعد أكثر مما كانوا يتمتعون به، وهذا غير معقول من الناحية المنطقية على الأقل”.

ويعرف المكونون لـ”الإطار التنسيقي” هذه الحقيقة، إلا أنهم يمارسون الضغوط من أجل ألا يخسروا كل شيء. والخوف الأكبر هو أن حكومة ليست لهم فيها حصة قد تعني فتح ملفات الفساد والاغتيالات، بل قد تذهب إلى حد فرض حل ميليشيات الحشد كقوة عسكرية مستقلة، ودمجها في وحدات الجيش العراقي. وهو ما كان زعيم التيار الصدري قد هدد به عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات.

وتقول مفوضية الانتخابات إن النتائج حظيت بتزكية المراقبين الدوليين واعتراف مجلس الأمن الدولي بنزاهتها مما لا يبقي للمعترضين على النتائج أي مبرر لضرب العملية الديمقراطية أو إلغائها أو القفز من فوقها.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر بيانا أشاد فيه بشفافية الأجواء التي سادت العملية الانتخابية، مبديا أسفه على التهديدات التي تطلقها القوى الولائية الخاسرة باستهداف البعثة الأممية في العراق. كما أصدر الاتحاد الأوروبي موقفا مشابها تضمن تأييدا لنتائج الانتخابات واستنكارا لوسائل الاعتراض “غير الديمقراطية”.

إلا أن ذلك لم يمنع الفصائل الخاسرة من تحريك أنصارها لكي يحتشدوا على أطراف المنطقة الخضراء ويهددوا باقتحامها. وأمهلت هذه الأطراف مفوضية الانتخابات 24 ساعة في حال عدم الموافقة على إعادة فرز جميع أصوات الاقتراع يدويّا.

وتتحرك مجاميع مسلحة تابعة للحشد في عدة مناطق من البلاد، في استعراض للعضلات قامت فيه بقطع الشوارع الرئيسية وإشعال النيران والتلويح باستخدام السلاح.

وأصدر قادة “الإطار التنسيقي” الذين اجتمعوا في منزل المالكي بيانا طالبوا فيه رئيس الجمهورية برهم صالح بالتدخل -باعتباره حاميا للدستور- لحفظ البلاد من “تداعيات خطيرة” إذا تم التسليم بنتائج الانتخابات.

ولا يملك الرئيس صالح الصلاحيات الدستورية التي تسمح له بتعديل النتائج أو الانقلاب عليها، فضلا عن أنه لا يرغب في ذلك أصلا. ولكن الدعوة التي وجهت له كانت تعبيرا عن حالة اليأس التي تعانيها القوى الولائية.

وتنظر هذه القوى إلى خيار الانقلاب على أنه “حل واقعي” يمنع الصدر من الانفراد بالسلطة على حسابها، ويمنع الاحتجاجات الشعبية من الخروج مجددا للمطالبة بإسقاط النظام، تحت وطأة التهديد باستخدام القوة أو فرض أحكام الطوارئ.