الأعلى تكلفةً بين قمم المناخ

هل يغيب التمثيل العادل في غلاسكو؟

لندن

تحتضن غلاسكو في نهاية هذا الشهر، وعلى مدى أسبوعين، اجتماعات الأمم المتحدة للتغير المناخي بعد تأجيل استمر سنة كاملة بسبب جائحة «كورونا». ومن المقرر أن تشمل هذه القمة العالمية، التي تستضيفها المملكة المتحدة بالشراكة مع إيطاليا، أعمال المؤتمر السادس والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، الذي يعرف اختصاراً بـ«كوب 26» (COP26).

ويمثل لقاء غلاسكو علامة فارقة على طريق العمل الدولي المشترك لمواجهة تغير المناخ العالمي، حيث سيستعرض تقارير الدول التي تتضمن أهدافها الطموحة (المساهمات المحددة وطنياً) لخفض الانبعاثات بحلول 2030، مع السعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، وصولاً إلى هدف اتفاقية باريس الطموح بإبقاء ارتفاع حرارة الكوكب دون 1.5 درجة مئوية بالمقارنة مع مستويات ما قبل النهضة الصناعية.

وسيشهد المؤتمر سلسلة من الإعلانات الجديدة حول العمل المناخي، أكثرها تقني كالقواعد التي لا تزال ضرورية لتنفيذ اتفاقية باريس، وبعضها عملي يتضمن ترتيبات تخص التحول السريع إلى السيارات الكهربائية والتخلص التدريجي من طاقة الفحم وقطع عدد أقل من الأشجار وزيادة تمويل التكيف مع تغير المناخ.

ومن المتوقع وصول 25 ألف شخص إلى غلاسكو، بمن في ذلك قادة العالم والمفاوضون والصحافيون. كما سيتواجد عشرات الآلاف من نشطاء البيئة وممثلي المؤسسات المشاركة في الفعاليات الموازية للمؤتمر، التي تشمل نحو 200 فعالية. ويعد التمويل إحدى القضايا الشائكة في المؤتمر، ولا سيما ما يتعلق بتعويضات البلدان النامية المتأثرة بالاحترار العالمي، والدعم المالي لتقليل الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ.

لكن التمويل يمثل أيضاً إشكالية في تنظيم وحضور فعاليات المؤتمر في حد ذاته، بسبب ارتفاع تكاليف استئجار الأجنحة المخصصة لاستضافة ورشات العمل وحلقات النقاش والخطابات الرسمية، وكذلك ارتفاع بدلات إيجار غرف الفنادق في مدينة غلاسكو والعاصمة الأسكوتلندية إدنبرة القريبة منها.

وتستغل فنادق غلاسكو ومجمعاتها السكنية الطلب الكبير على غرف المنامة، حيث تجاوزت بدلات الإيجار خلال فترة انعقاد المؤتمر، في بعض الحالات، 10 أضعاف البدلات الاعتيادية في باقي أيام السنة. وعلى سبيل المثال، يبلغ إيجار شقة مكونة من أربع غرف نوم في وسط المدينة 35 ألف جنيه إسترليني لمدة 14 ليلة في فترة المؤتمر، فيما كان إيجار الشقة سابقاً 120 جنيهاً في الليلة الواحدة. بينما يتجاوز سعر الليلة لغرفة بلا شبابيك في فندق متواضع 800 جنيه لليلة، أي أكثر من 10 آلاف جنيه لكامل فترة المؤتمر. وتعتبر الفنادق أن هذا الأمر يماثل ما يجري في أي صناعة أخرى تقوم على العرض والطلب والوضع التنافسي وتطور السوق. لكن هذا الأمر لم يحصل في أي قمة مناخية سابقة.

كما يبلغ بدل إيجار مساحات الأجنحة 400 جنيه إسترليني للمتر المربع بغض النظر عن تكلفة الإكساء والمستلزمات التقنية، التي قد تصل إلى أكثر من 1000 جنيه للمتر المربع. ويمثل ذلك زيادة تتجاوز 30 في المائة عن الإيجارات في مؤتمر «كوب 25» في مدريد قبل عامين، حيث كان بدل إيجار المتر المربع 400 دولار، أي حوالي 300 جنيه إسترليني.

ويشير مسؤول في منظمة الصحة العالمية، التي تستضيف جناحاً صحياً في غلاسكو مع أكثر من 60 فعالية لمندوبي الصحة العالميين، إلى أن الأسعار المبالغ بها تزيد عن ضعف تقديرات المنظمة المبدئية، حيث من المتوقع إنفاق 200 ألف دولار على جناح مساحته 62 متراً مربعاً فقط. ويعلل القائمون على قمة المناخ هذه الزيادة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ونقص الموارد المادية والبشرية بسبب جائحة «كورونا».

ويؤكد مسؤول المنظمة على أن الدول النامية ستتأثر بلا شك بارتفاع التكاليف، وستعمل منظمة الصحة العالمية على دعم وزارة الصحة في فيجي ووزارات الصحة في بلدان أخرى منخفضة الدخل، لتتمكن من المشاركة في مؤتمر تغير المناخ وتمثيل المجتمع الصحي العالمي على نحو سليم.

ويمثل ذلك إرهاقاً للمنظمة الدولية ليس فقط بسبب تكاليف التنظيم المرتفعة، وإنما أيضاً بسبب ارتفاع التكاليف بشكل عام حتى في الرحلات الجوية وحجوزات الفنادق التي تزيد من أربع إلى عشر مرات عما كان في السنوات السابقة.

وفيما يؤكد الصندوق العالمي للحياة البرية، الذي يستضيف جناحاً في «كوب 26»، على الدور المهم الذي تلعبه الفعاليات الموازية في زيادة الوعي بقضايا البيئة الأساسية، يشير إلى الزيادة الكبيرة في التكلفة مقارنة بالسنوات السابقة.

وكان متحدث باسم حكومة المملكة المتحدة دعا إلى ضمان «مشاركة عادلة وشاملة وآمنة من قبل الدول النامية والمجتمع المدني». وأكد على قيام حكومة المملكة المتحدة بتمويل بعض الأجنحة، لكنها لم تتمكن من توفير الدعم للجميع بسبب تأثير جائحة «كورونا» على توريد السلع والمواد الأساسية. ومع بروز مشاكل التكاليف الباهظة للمشاركة، ظهرت أيضاً عقبات مرتبطة بالتدابير المفروضة على المسافرين فيما يخص فحوصات ولقاحات «كورونا».

وبعيداً عن الانطباع السلبي الذي سيتركه ارتفاع التكاليف على أسكوتلندا كمقصد سياحي في المستقبل، ومع وجود مصاعب في توفير الدعم لجميع المشاركين، يزداد الانطباع سنة بعد سنة بغياب التمثيل العادل في قمم المناخ، التي يتخوف كثيرون من تحولها إلى ملتقى محصور بالأغنياء القادرين على تحمل التكاليف. ويتساءل المراقبون، من ناحية أخرى: هل هناك حاجة وفائدة لمشاركة عشرات الآلاف شخصياً في هذه المؤتمرات؟