تصعيد جزائري للتغطية على فشل دبلوماسي
الجزائر تواصل التصعيد بالهروب من المواجهة مع المغرب
يؤكد إعلان الجزائر الانسحاب من “المائدة المستديرة” التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية أنها تواصل التصعيد وتتمسك بخيار الهروب من المواجهة الذي كان آخر فصوله قطع العلاقات مع المغرب.
وقال عمار بلاني، المبعوث الجزائري لملف الصحراء، الجمعة إن بلاده أبلغت مجلس الأمن الدولي انسحابها من المشاركة في “المائدة المستديرة” للمفاوضات الثلاثية؛ وهي المفاوضات التي سلطت الضوء على دورها المباشر في الصراع، والمتمثل في دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية.
وكان الانسحاب الجزائري متوقعا بسبب خوف الجزائر من أن تفضي المفاوضات إلى التزامات واضحة تفرض عليها أن تخطو خطوات للمساعدة على حل الأزمة، وهو ما سيحرجها في الداخل والخارج، خاصة أنها تشعر بأن الموضوع قد أفلت من يدها وأن المغرب قد حقق مكاسب على حسابها.
ويعتقد مراقبون أن الجزائر -التي شاركت في اللقاءين الأولين من “المائدة المستديرة”- تريد أن تتراجع مدفوعة بمسار التصعيد الذي عاد إليه النظام الجزائري، خاصة بعد استلام الرئيس عبدالمجيد تبون السلطة وإعادة صقور الجيش وجهاز الاستخبارات إلى دائرة القرار.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن النظام الجزائري يريد العودة إلى استراتيجية التصعيد في ملف الصحراء للتغطية على عجزه الدبلوماسي التام عن إدارة الملف، حيث باتت مقاربة الرباط محور مبادرات الحل المدعومة إقليميا ودوليا، خاصة بعد الموقف الأميركي الداعم لرؤية المغرب التي تقوم على منح الأقاليم الجنوبية الحكم الذاتي الموسّع.
ويعتقد المسؤولون الجزائريون أن الهروب إلى الأمام من خلال التصعيد وحث البوليساريو على العودة إلى خيار الحرب يمكن أن يغطي على نتائج الفشل في الداخل الجزائري، حيث بات الناس يتساءلون عن أفق استمرار البلاد في حرب لم تحقق سوى نتائج مخيبة عسكريا ودبلوماسيا، وفي الوقت نفسه يدفع الجزائريون فاتورتها من خلال أزمة اقتصادية واجتماعية حادة لم يقدر النظام على تقديم أي حلول لها.
وبدأت السلطات الجزائرية سلسلة من الخطوات التصعيدية تجاه المغرب، من بينها إعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية معه دون مبررات واقعية واضحة. وبعد ذلك أعلنت عن وقف العمل بخط أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي الذي يمر عبر المغرب نحو إسبانيا، واستبداله بخط “ميدغاز” الذي يربط الجزائر بمدريد بشكل مباشر، في خطوة تهدف إلى إلحاق خسائر بالمغرب الذي يستفيد من هذا الأنبوب في شكل عائدات مالية كحقوق عبور، إضافة إلى كميات سنوية من الغاز الطبيعي.
ودفعت الحرائق التي اجتاحت مناطق جبلية في الجزائر الصيف الماضي إلى انهيار العلاقات بين البلدين بعدما اتهمت السلطات الجزائرية حركة انفصالية في منطقة القبائل بالتورط في الحرائق بمساعدة المغرب وفرنسا، وإن كانت الجزائر لم تقدم أي دليل على ذلك. كما أعلنت في سبتمبر الماضي عن إغلاق مجالها الجوّي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.
وتحاول الجزائر من خلال إعلانها الانسحاب من “المائدة المستديرة” إرباك عمل المبعوث الأممي الجديد لملف الصحراء ستيفان ديمستورا، وعرقلة مسعاه لتحريك مسار التفاوض وجعله أكثر فاعلية وربحا للوقت، خاصة إثر التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والتي بدا فيها أقرب إلى تحميل الجزائر مسؤولية التعثر في المفاوضات.
ودعا غوتيريش الجزائر إلى العودة إلى مكانها حول “المائدة المستديرة” فور استئناف المسلسل السياسي بهدف التوصل إلى حل سياسي دائم لقضية الصحراء المغربية، وذلك بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن التي تمت المصادقة عليها منذ سنة 2018.
وأكد المغرب في عدد من المناسبات الرسمية أن حل قضية الصحراء مرتبط بجلوس الطرفين الرئيسيين إلى مائدة الحوار، وهذا ما قاله وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أبريل الماضي، حيث أكد أن الجزائر طرف حقيقي في النزاع وفي خلقه واستمراره، وينبغي أن تتحمّل المسؤولية عن حله على قدر مسؤوليتها في إحداثه. وكان عمر هلال الممثل الدائم للمغرب في منظمة الأمم المتحدة قد طالب باعتراف الجزائر بمسؤوليتها كطرف في النزاع من أجل تسهيل المهمة الأممية في البحث عن الحل.
و”المائدة المستديرة” محادثات تنظمها الأمم المتحدة في فترات متباعدة، بين المغرب والبوليساريو والجزائر، حول موضوع الصحراء. وعقدت هذه المفاوضات مرتين في مدينة جنيف السويسرية، الأولى في ديسمبر 2018 والثانية في مارس 2019.
ولم يخف المبعوث الجزائري للصحراء في تصريحاته الجمعة تبرير الانسحاب من “المائدة المستديرة” بالدور المحوري الذي بات يلعبه المغرب، وهو ما جعل الجزائر في موضع اتهام.
وقال المبعوث الجزائري إن “قرار الانسحاب يعود إلى أن هذه الصيغة (المائدة المستديرة) لم تعد طريقة مثالية تساعد على حل النزاع منذ أن أصبح المغرب يوظفها سياسيا وبسوء نية لإظهار الجزائر طرفا في النزاع”.