أين العدالة الاجتماعية
ملف الوظائف الوهمية يثير جدلا واسعا في تونس
فجّر ملف الوظائف الوهمية جدلا واسعا في تونس، وذلك أعقاب إقالة عدد من المسؤولين بوزارة التربية والتعليم في عدد من المدن، بعد تورطهم في فضيحة تزوير وثائق تم اعتمادها لتوظيف أكثر من 100 مدرس في البلاد.
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن التحقيقات في قضية الوظائف والتعيينات المشبوهة كشفت عن تشغيل سبعة وأربعين ألف موظف بالاستناد على شهادات علمية مزورة، حيث تمت إحالة أكثر من مئة وخمسين معلما وأستاذا على التحقيقات بعد أن ثبت أن المستوى التعليمي لا يرتقي إلى رتبتهم المهنية، كما تم التفطن إلى تزوير شهادات لإطارات ومهندسين وحتى وزراء. وأضافت أنه "تم الكشف أيضا عن تواصل صرف رواتب المئات من الذين غادروا الحياة وهي جريمة خطيرة جدا بعد أن تم نهب أموال خزينة الدولة عن طريق عمليات تحيل".
وبدأت التحقيقات في القضية، على خلفية شكوى تقدمت بها ضدهم وزارة التربية، للاشتباه بوجود تزوير لوثائق تفيد بأن المعلمين قدموا دروسًا في مؤسسات تربوية لفترة طويلة. وكشف لسعد اليعقوبي كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي الثلاثاء أن "هناك حوالي ثلاثمئة أستاذ تربية بدنية يتقاضون رواتب رغم عدم مباشرتهم للعمل".
ونقلت وسائل إعلامية قوله إنّ "جامعة التعليم الثانوي كانت قد أعلمت وزارة الشباب والرياضة منذ فترة طويلة بهذا الملف إلا أنّها لم تجد آذانا صاغية".
واعتبرت أوساط سياسية، أن هذه التجاوزات ستكون لها تداعيات اجتماعية وخيمة، وأن الفساد كرس غياب العدالة الاجتماعية، في وقت تتفاقم فيه نسب البطالة والفقر، داعية إلى ضرورة إنفاذ القانون ضد المخالفين والتعويض للعاطلين عن العمل عبر المساعدات والمنح الاجتماعية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدلات البطالة بلغت 17.8 في المئة، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، أدت إلى عجز مالي قياسي تجاوز 11 في المئة في 2020.
ولفت وزير التشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن أن "الوزارة لم يكن لها علم بهذه الوظائف الوهمية وملفات التحيّل حين كان على رأسها، وهي كانت تتعلق أساسا بشركات البيئة".
وأضاف في حديثه لـ"العرب" "لا أعترف كوزير تشغيل بأجر دون شغل، وهو أمر من مهام وزارة الشؤون الاجتماعية وليس وزارة التشغيل".
ووصف هذه التجاوزات بـ"كارثة بجميع المقاييس"، قائلا "ستؤثر على المناخ الاجتماعي، ولا بد أن تعوض هذه الوظائف بمنحة بطالة في حدود مئتي دينار (70.98 دولارا)، في إطار العدالة الاجتماعية".
وبرأيه فإن "هذه الممارسات أصبحت في ثقافة المجتمع، كما أن انعدام الكفاءة يمثل مغناطيسا للفساد".
وفي تقديره "لا بد من التصدي لهؤلاء بقانون صارم وقضاء مستقل"، معتبرا أن "الفئوية غالبة على المجتمع والدولة، وعلى الإدارة التونسية ألا تترك كبيرة أو صغيرة".
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه التجاوزات لن تقتصر على قطاع معين، بل إنها تتعلق بكل القطاعات، وحين تفتح هذه الملفات سنكتشف حقائق "مدوية" في علاقة بحجم الفساد وممارساته.
ويعتقد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن "هناك عمليات فساد على مستوى آليات التشغيل على غرار ما يعرف بالآلية 16 وعمال الحضائر، وفيها تجاوزات كبيرة".
ولم يستبعد في حديثه لـ"العرب" أن "يتجاوز العدد الثلاثمئة موظف، وإذا تم التدقيق في المالية العمومية سنكتشف أكثر من ذلك بكثير"، لافتا "اقترحت سابقا تقسيم الميزانية إلى أربع ميزانيات صغيرة لنتمكن من مراقبة الأمور المالية".
واستحضر حديث محافظ البنك المركزي مروان عباسي حين قال "لا نعطي ديون تمويل للميزانية لأننا لا نعرف غاياتها استهلاكية أو استثمارية"، ولذلك "وجب التخصص لضمان الشفافية في المالية العمومية".
وتابع "عندما تكون المالية العمومية دون أهداف واضحة، فهذا يجعل المتصرف في الأموال يتهرب من التدقيق معه، ولا بد من مقاربات جديدة في إطار الحوكمة الرشيدة للمال العام".
وبالنسبة إلى الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه التجاوزات، يستنتج الشكندالي أنها "ستفضي إلى انعكاسات مالية وخيمة حيث سيتضرر منها المواطن في مستوى المقدرة الشرائية، وسيحرم الشباب من موارد الرزق وبالتالي زيادة في معدلات البطالة".
ويثير ملف عمال الحضائر جدلا واسعا في تونس، حيث لا يزال الغموض يكتنف وضعية هؤلاء الذين أصبحوا يكلفون الدولة خسائر مالية كبيرة، مقابل وظائف وهمية لا تخلق الثروة.
ويقدر عدد عمال الحضائر من الذين فاقت سنهم خمس وأربعين سنة، خمسة عشر ألفا و245 عاملا، من بينهم عدد كبير يرغب في الخروج الطوعي مقابل تعويض مادي.
وكان رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي والاتحاد العام التونسي للشغل قد أمضيا في أكتوبر الماضي، اتفاقا يقضي بتسوية ملف عمال الحضائر، وبانتداب واحد وثلاثين ألفا منهم بالوظيفة العمومية ممن لم تتجاوز أعمارهم 45 سنة على دفعات، وتمكين الراغبين في المغادرة من تعويض مالي.
ويلاحظ المتابعون أن الدولة غرقت في الانتدابات العشوائية منذ 2011 في ظل استشراء سياسة المحسوبية، بتقديم وظائف وهمية لإسكات أصوات قد تحتج ضد السلطة وتطالب بالتشغيل في أي وقت.
وصادق البرلمان التونسي في ديسمبر الماضي، على قانون تشغيل من طالت بطالتهم، وسط تفاؤل الآلاف من الشبان من حاملي الشهادات الجامعية، لكنهم اصطدموا بواقع البلاد الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يؤجل أحلامهم بالوظيفة إلى سنوات أخرى.
ويعطي قانون انتداب حاملي الشهادات الجامعية حق التوظيف للذين دامت بطالتهم أكثر من عشر سنوات بما يضمن لهم الانتداب المباشر، وذلك وفق ترتيب تفاضلي للمنتمين إلى هذه الفئات وبناء على مقياسي سنة التخرج وسن المتخرج.
ويشمل قانون انتداب من طالت بطالته من خريجي الجامعات، نحو ستين ألفا من العاطلين عن العمل.