ضربات عيد الميلاد في نيجيريا.. رسالة أمريكية صاخبة بغرب أفريقيا
يعتقد مراقبون أن الضربات الأمريكية ليلة عيد الميلاد في نيجيريا لم تكن مجرد عمل عسكري، بل تدخلًا يحمل أبعادًا استراتيجية.
وقالت الدكتورة ماري-كلير إنكوسي، في معهد أبحاث الأمن الدولي في لاجوس، المتخصصة في دراسات الإرهاب والديناميات المجتمعية في بلدان الساحل وخارجها، وتأثير السياسات الدولية على الاستقرار المحلي، لـ"العين الإخبارية"، إن هذه العملية في هذا التوقيت والاختيار الجغرافي تُعد مؤشرًا على رسائل متعددة، لها عدة أهداف، تتراوح بين محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي محليًا، ودعم الحكومة النيجيرية، وفرض إيقاع خارجي على مناطق الصراع، مع تأثيرات على الديناميات الإقليمية.
ومساء الخميس الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصته "تروث سوشيال"، إطلاق "عدة ضربات مميتة" ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في شمال غرب نيجيريا، مهددًا بشن هجمات إضافية إذا واصل التنظيم قتل المسيحيين في البلاد.
والعملية التي تمت بمشاركة القوات النيجيرية، استهدفت ولاية سوكوتو، على بعد 70 كيلومترًا جنوب غرب عاصمة الولاية، في منطقة يسيطر عليها الإرهاب جزئيًا، لكنها ليست معقل جماعة بوكو حرام التقليدية.
وأفاد وزير الخارجية النيجيري، يوسف توغار، بأن السلطات النيجيرية زودت الولايات المتحدة بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة قبل العملية، وأن الاتصال بين الجانبين تم مرتين قبل تنفيذ الضربة.
وقد أُطلقت عشرة صواريخ من نوع "توماهوك" من سفينة حربية أمريكية في خليج غينيا، مستهدفة مواقع في تامبوال وتانغازا، وأظهرت مقاطع فيديو نشرها الجيش الأمريكي مشاهد لإطلاق الصواريخ ليلًا.
وأشارت إنكوسي إلى أن هذه العملية تحمل أيضًا بعدًا إعلاميًا داخليًا وخارجيًا، إذ تأتي تحت شعار حماية الأقلية المسيحية، في وقت يزداد فيه التوتر حول ملف الحريات الدينية في البلاد.
واعتبرت إنكوسي أن العملية تعكس سياسة أمريكية أكثر عدوانية تجاه الإرهاب في أفريقيا، بعد إدراج نيجيريا على قائمة الدول "المثيرة للقلق" في مجال الحرية الدينية وتقليص منح التأشيرات.
بدوره، قال لامين ديوف، أستاذ الجغرافيا السياسية الأفريقية في معهد الدراسات الإستراتيجية في أبوجا، لـ"العين الإخبارية"، إن "الهدف المباشر للضربات ليس المسيحيين أو مناطقهم، بل تهديد التنظيمات الإرهابية التي توسعت في شمال غرب نيجيريا، وتقديم دعم رمزي للحكومة المحلية على الأرض".
وأشار ديوف إلى أن "الولايات المتحدة تبحث عن ضمان حضور قوي في الساحل الأفريقي، خاصة مع توسع جماعات مسلحة أخرى في النيجر ومالي وتشاد، مما يجعل نيجيريا محورًا استراتيجيًا لمواجهة التنظيمات الإرهابية".
ووفقًا لتقرير أممي صدر حديثًا، ونشرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، فإن هناك تصاعدًا في حوادث الخطف في نيجيريا، خصوصًا في شمال غرب البلاد، حيث تحولت عمليات الاختطاف إلى "صناعة منظمة" جنت نحو 166 مليون دولار بين يوليو 2024 ويونيو 2025، وفقًا لمكتب "إس بي إم إنتيليجانس" في لاجوس.
كما أن شمال شرق نيجيريا ما يزال مسرحًا للصراع مع بوكو حرام، في حين يشهد الوسط مواجهات بين مزارعين مسيحيين ورعاة مسلمين حول الأراضي والموارد، ما يضيف تعقيدًا للسياسة الأمنية، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
واعتبر ديوف أن العملية الأمريكية قد تكون استعراض قوة، لكنها تبعث برسالة للحكومات المحلية بأن واشنطن مستعدة للتدخل المباشر إذا لم يتم احتواء الإرهاب، مضيفًا أن مثل هذه الضربات يمكن أن تؤثر في تحركات الجماعات المسلحة عبر الحدود، لكنها لن تحل جذور الأزمة الأمنية دون تعاون إقليمي شامل.
كما رأى الباحث السياسي في أبوجا أن الضربة تحمل بعدًا مزدوجًا، وهو بعد عسكري مباشر ضد عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، وبعد سياسي-رمزي يوضح التزام الولايات المتحدة تجاه الحلفاء في أفريقيا، في وقت تتصاعد فيه المخاطر الأمنية في الساحل والمناطق الحدودية.
وشدد الباحث على أن "التهديد الإرهابي في الساحل الأفريقي يفرض على الحكومات المحلية والإقليمية اتخاذ استراتيجيات شاملة، تشمل الأمن والمجتمع المدني، وليس فقط الضربات الجوية"، مؤكدًا أن هذه العمليات الأمريكية لن تكون حلًا نهائيًا، لكنها جزء من لعبة معقدة للتوازنات الإقليمية والأمنية في غرب ووسط أفريقيا.
ورأى أن الضربة الأمريكية في نيجيريا خلال عيد الميلاد ليست مجرد رد فعل عسكري، بل استثمار سياسي واستراتيجي يهدف إلى السيطرة على التوسع الإرهابي، ودعم الحكومة النيجيرية، وإرسال إشارات ردع إلى الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي، محذرًا من أن استمرار الاعتماد على العمليات الجوية وحدها دون سياسات شاملة قد يؤدي إلى استمرار دائرة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.