فاروق يوسف

نصرالله ونظرية الإفلات من العقاب

حسن نصرالله غاضب لأن أحد المقربين منه حزبيا مطلوب للعدالة. من أجل ذلك المتهم وتعبيرا عن ذلك الغضب سقط سبعة شباب لبنانيين قتلى. كانت تلك المأساة مناسبة للابتزاز الطائفي. “مسيحيون قتلوا شيعة” لا لشيء إلا لأن المجزرة حدثت في منطقة يقطنها المسيحيون وهي المنطقة نفسها التي شهدت اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. يومها قيل “مسيحيون قتلوا فلسطينيين”. الديكور نفسه واللغة نفسها والنوايا الشريرة تملأ الطرقات شوكا.

 

مر باص الفلسطينيين بالمكان الذي يشهد احتفالا كتائبيا يغلب عليه الهياج مثلما اخترقت حشود مقاتلي حزب الله الغاضبين منطقة مسيحية يطالب سكانها بنزع السلاح غير القانوني. أضاقت دروب بيروت أم الرغبة في تلقين اللبنانيين درسا صغيرا في الحقد هي التي اتسعت؟

 

لا يريد حزب الله سوى أن يتم إخراجه من معادلة المساءلة. فهو يقيم في جزيرة لا تخضع لسلطة القانون. صحيح أنه يحكم لبنان غير أن العدالة في جزء منها لا تزال خارج قبضته. تلك مسألة يحلّها الوقت. والوقت لا يجري لصالح اللبنانيين ما دام العالم قد اكتفى بعقابهم لأنهم من وجهة نظره قد ارتضوا لأنفسهم السير وراء الوحش الذي التفت إليهم أخيرا ليأكلهم.

 

العالم يعاقب الضحية لأنها خدعت نفسها بإيواء القاتل. ليست علاقة شفقة ولا يمكن للتضامن أن يقود إلى أن يذبح القاتل مشجعيه. أشياء كثيرة وقعت خطأً ولا يمكن سوى أن تكون مصدرا للفزع. منذ عشرين سنة لم تعد هناك ضرورة لوجود حزب الله على الأراضي اللبنانية. تلك حقيقة حذّر منها الكثيرون غير أن اللبنانيين لم يملكوا الحيلة المناسبة للتعامل معها أو معالجتها في خضم تشنّجهم الطائفي الذي لا يكف عن العثور عمَن يغذيه.

 

ولكن هل صار الإفلات من العقاب قاعدة في لبنان بعد أن استطاع حزب الله أن يسلب المؤسسات التنفيذية إرادتها ويفقدها القدرة على البقاء إلا تحت مظلته كما هو حال رئاسة الجمهورية؟

 

يأمل حزب الله في إلحاق المؤسسة القضائية بالمؤسسة التنفيذية فتكتمل الدورة التي بدأت مع شلل المؤسسة التشريعية التي يقودها الزعيم الأزلي نبيه بري وهو حليف حزب الله في الحرب على العدالة. ذلك ما يمزج المأساة بالملهاة في الظاهرة اللبنانية الفريدة من نوعها في التاريخ. فإن يقف كبير المشرعين ضد العدالة وسيادة القانون واحترام استقلالية القضاء فذلك أمر هو أشبه بالفكاهة السوداء. لا يحدث ذلك إلا في لبنان.

 

يكفي أن يُقال “الثنائي الشيعي” فإن ذلك المصطلح يعني أن منصب رئاسة مجلس النواب الذي يتولاه بري هو واحدة من أكبر الأكاذيب التي يتعامل معها اللبنانيون بكثير من الحذر خشية أن ينفجر اللغم وتبدأ دورة عنف جديدة. فالرجل لا يخرج عن دائرة كونه خصما يحث الخطى في اتجاه الحرب باعتبارها حلا وحيدا. تلك ذاكرته التي تخفي وجهه القبيح الذي يصلح وحده من غير كلمات للتذكير بالحرب الأهلية.

 

في مقابل كل ما يقوله اللبنانيون فإن سيد المقاومة يضع مصير لبنان بشعبه مقابل نزع سلاح حزبه. ومن أجل أن لا تبدو تلك المعادلة ضاغطة ومن أجل تجاوزها باعتبارها فقرة من عهد قديم صار يدفع في اتجاه ضم القضاء إلى العائلة الخاضعة لوصايته. فبعد رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب حان وقت إخضاع رئاسة القضاء لينضم إلى مجمع الضياع. حينها فقط يطمئن حزب الله إلى أن معارضيه في جرائمه لن يكونوا سوى أصوات تشق طريقها إلى برية لا نهاية لها. سيكون لبنان دولة لحزب الله. مختبر حروبه الفاشلة ومصيدة الآمال المحبطة. بدلا من سويسرا الشرق سيكون قندهار ثانية.

 

 

مَن قُتلوا في عين الرمانة كانوا على يقين من أن وقع بساطيرهم على الأرض سيدفع النملة إلى أن تطلب من أخواتها توخي الحذر لئلا يسحقهم جيش السيد.

 

“لبنانيون قتلهم لبنانيون” هل هي جملة تعبّر عن الحقيقة؟

 

لمَ لا تكون مؤامرة دبّرها جهاز السيد الأمني؟ ألسنا في زمن الحشاشين الإيراني؟ لا أحد في لبنان يرغب في الحرب الأهلية سوى حزب الله وبالأخص زعيمه حسن نصرالله. التلميذ الإيراني الذي لم يتعلم من تراثه الطائفي سوى الكراهية واختراع الأعداء. في كل كلمة من خطاباته يقول ضمنا “إنهم يكرهوننا”. وهو في ذلك إنما يبتز شيعة لبنان ويهدد شعب لبنان في الوقت نفسه.

مقالات الكاتب