عويس القلنسي

سقطرى بين الاستقطاب والحياد: لماذا يجب أن ينتصر الخطاب الإنساني؟

وكالة أنباء حضرموت

سقطرى ليست مجرد جغرافيا نائية في بحر العرب، بل كيان إنساني وبيئي فريد، تشكّل عبر قرون من التعايش السلمي، والاعتماد المتوازن على الطبيعة، والابتعاد عن صراعات المراكز. لهذا السبب تحديدًا، فإن أخطر ما يمكن أن تتعرض له الجزيرة اليوم ليس الفقر ولا العزلة، بل الاستقطاب السياسي الذي يحاول جرّها إلى صراعات لا تشبهها ولا تخدم أهلها.
لقد أثبتت التجارب في اليمن وغيرها أن الاستقطاب لا يحل الأزمات، بل يعمّقها. وحين يُفرض على مجتمع مسالم أن يصطفّ قسرًا، تتحول القضايا المعيشية البسيطة إلى ملفات صراع، ويُستبدل منطق الخدمة بمنطق الغلبة، ويُختزل الإنسان في موقف سياسي لا في حق إنساني.
سقطرى تحتاج إلى الحياد لا إلى الاصطفاف
الحياد هنا ليس انسحابًا من الواقع، ولا موقفًا سلبيًا، بل خيارًا عقلانيًا يحمي الناس من أن يصبحوا أدوات في صراع أكبر منهم. الحياد يعني أن تكون سقطرى مساحة إنسانية مفتوحة للجميع، تُدار بقواعد الخدمة العامة، لا بمنطق الولاء السياسي. ويعني أن تبقى قضايا الصحة، والتعليم، والنقل، والبيئة، فوق التجاذبات، لا أوراق ضغط في يد أي طرف.
الخطاب الإنساني هو اللغة الوحيدة الجامعة
حين يُطرح مطلب فتح مطار، أو نقل مريض، أو إيصال دواء، بلغة هادئة قائمة على الحق الإنساني، فإن هذا الخطاب يجد آذانًا صاغية داخل الإقليم وخارجه. أما حين يُغلّف بالشعارات والتحديات، فإنه يفقد تعاطف كثيرين، ويُفهم – عن قصد أو دون قصد – باعتباره جزءًا من صراع سياسي لا قضية إنسانية.
الخطاب الإنساني لا يهاجم أحدًا، ولا يمنح صكوك اتهام، بل يذكّر الجميع بمسؤولياتهم. وهو الخطاب الذي يحفظ كرامة السكان، ويمنح مطالبهم مشروعية أخلاقية وقانونية، ويُصعّب تجاهلها أو الالتفاف عليها.
تحييد سقطرى مصلحة للجميع
تحييد الجزيرة لا يخدم أبناءها فقط، بل يخدم كل الأطراف. فزجّ سقطرى في الصراع يخلق بؤرة توتر جديدة، بينما حمايتها كمنطقة إنسانية مستقرة يعزّز الاستقرار العام، ويحفظ نموذجًا مختلفًا في بلد أنهكته الحروب.
إن سقطرى لا تطلب امتيازات سياسية، ولا تبحث عن دور أكبر من حجمها، بل تطلب فقط أن تُدار شؤونها باعتبارها مجتمعًا مدنيًا له احتياجات واضحة، لا ساحة صراع ولا ورقة تفاوض.
وفي الختام، سقطرى لا تُحمى بالشعارات، ولا بالاستقطاب، ولا بتبادل الاتهامات. تُحمى بالحياد، وبخطاب إنساني رصين، وبفصل حياة الناس اليومية عن تقلبات السياسة. من يحفظ لسقطرى هذا الموقع المتوازن، إنما يحفظ لها روحها، ويمنح أبناءها فرصة العيش بكرامة بعيدًا عن صخب الصراعات.
ففي زمن الانقسام، قد يكون أعظم موقف هو أن نختار الإنسان أولًا.

مقالات الكاتب