عويس القلنسي

أبناء المحافظات.. أساس الاستقرار وبوابة الدولة العادلة

وكالة أنباء حضرموت

لم تكن معضلة اليمن يومًا في تنوّعه الجغرافي أو الاجتماعي، بل في سوء إدارة هذا التنوع، وفي الإصرار المتكرر على فرض نماذج مركزية أثبتت التجربة أنها لا تنتج استقرارًا ولا تبني دولة.

فاليمن، بتاريخ محافظاته وأقاليمه، لم يعرف الأمن الحقيقي إلا حين كان لكل منطقة دورها، ولكل مجتمع محلي ثقته بذاته وبمؤسساته.

إن مبدأ أن تكون كل محافظة بيد أبنائها، إدارةً وأمنًا ومسؤولية، ليس دعوة إلى الانغلاق أو التقسيم، بل هو تأكيد على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد: لا أمن بلا ثقة، ولا ثقة بلا شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المحلي.

فأبناء كل محافظة أدرى بتضاريسها، وأقرب إلى ناسها، وأكثر حرصًا على سلمها الاجتماعي من أي قوة وافدة، مهما حسنت نواياها.

لقد أثبتت التجارب السابقة أن جلب القوات من محافظات أخرى إلى أي منطقة لا يحقق الأمن المنشود، بل يزرع بذور القلق، ويوقظ حساسيات تاريخية، ويعيد إلى الذاكرة ممارسات شمولية قامت على الإقصاء وفرض الأمر الواقع، وكانت نتائجها مزيدًا من الاحتقان والانقسام.

الأمن لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، على قاعدة الاحترام المتبادل والقبول المجتمعي.

وسواء كان اليمن ماضيًا نحو الحفاظ على وحدته في إطار دولة اتحادية عادلة، أو متجهًا إلى صيغ سياسية جديدة تفرضها التحولات الكبرى، فإن جوهر الاستقرار سيظل واحدًا: تمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها، ضمن دولة قانون، ومؤسسات، ودستور يضمن الحقوق ويحدد الواجبات دون تمييز أو إقصاء.

إن الدولة القوية لا تخشى أبناء محافظاتها، ولا ترى فيهم تهديدًا، بل تعتبرهم ركيزة وجودها وأساس شرعيتها.

وكل مشروع سياسي يتجاهل هذه الحقيقة محكوم عليه بالتعثر، مهما امتلك من القوة أو السلاح. فاليمن لا يحتاج إلى مزيد من الهيمنة، بل إلى عدالة في الإدارة، وتوازن في السلطة، وثقة تُبنى لا تُفرض.

وفي النهاية، يبقى الرهان الحقيقي على عقل الدولة لا على قبضة القوة، وعلى الشراكة لا على الغلبة، وعلى أن يكون اليمن وطنًا يتسع لأبنائه جميعًا، لا ساحة صراع بينهم.

مقالات الكاتب