ماجد الداعري

أين دفنت حوطة الطرب القمنداني الأصيل!؟

وكالة أنباء حضرموت

كان حبي وإعجابي وانبهاري بلحج وحارات حوطتها الضيقة وشارعها الأحادي المكتض بالحركة المرورية والمتسوقين المتزاحمين في اغوار المدينة، لا حدود له.

وكانت لي أيام لحجية لا تنسى ولا يمكن أن تمحي من ذاكرتي، بعد أن قضيت اكثر من ثلاثة أشهر متواصلة فيها، لم اتوقف لحظة عن الدوران والتجول اليومي في ازقتها العابقة يومها بالبخور والفل والكاذي وأصوات الاغاني اللحجية المختلطة بايقاع الامنيات الصباحية المشرقة من ابتسامات الاوجة السمراء البشوشة وهي تقابلك صباحا ومساءا بكل بشاشة الروح اللحجية النقية.. كل ما يقابلك بالمدينة يومها يوحي لك بأنها كانت في ذاكرتك، عاصمة الجمال والروعة والبساطة عالميا، سيما حينما تصادف في طريقك ابتسامة صباحية من شابة جميلة سمراء تحاول أن تذوذ الغبار عن خدودها الملونة بأحمر الشفاة، لتعكس بذلك المشهد النرجسي الصباحي، كل معاني الروعة غير المحدودة لروح المواطن الحجي الشغوف بالحياة والقادر على تحليتها مهما كانت مريرة وقاسية، خاصة حينما تتوفر لديه وجبة يومه وتخزينة قات مع بطاريات لمسجلته العتيقة الممتدة حوله على جانب الطريق وهو يتمايل انسا وطربا وانسجامامع فيصل علوي وهو يصدع بأعلى صوت المسجل الممتلئ بالغبار :"غلط ياناس تصحوني وانا نايم..وايش استوى.. ايش استوى، وعاده صغير ربونه وغيرها من الأغاني القمندانية الواسعة الانتشار يومها منذ أن زرت لحج لاول مرة حينها وأنا طالب في تاسع أساسي، قبل أن أصاب بخيبة امل صادمة، لم تكن حتى في أقسى درجات تخيالاتي السوداوية لتلك المدينة المهملة بشكل لا يقبله، اي شخص سليم الفطرة أو يمتلك أدنى احساس وطني بالمسؤولية والواجب الوطني، وأنا أجد نفسي قبل أيام تائها ادور في شارعها بحثا عن ماض جميل وحركة مرور وازدخام تسوقي كبير كان هنا قبل أكثر من ربع قرن وتحول الأمر إلى أشبه بمدينة كرتونية بنيت لغرض إنتاج فيلم سينمائي تاريخي يحكي عن جانب من حياة غريب قدم إلى بقايا مدينة من العصور المظلمة.

لم أستطع تذكر اي معلم او مبنى او حي ينشط بعض ذاكرتي بتلك المدينة المنصهرة، لأعرف اني فعلا فيها، حتى واجهني مستشفى بن خلدون بأسوأ حالاته المرضية التي يحتاج فيها لعملية انعاش قلبية قبل كل المرضى المدفونين فيه بانتظار دورهم للقاء بعزرائيل!

حينها افقت من صدمتي لألعن ذاكرتي وذكرياتي معا بعد أن تيقنت  انني فعلا في بقايا مدينة موجوعة كانت يومها هنا تدعي الحوطة وتعرف بعاصمة للفن والطرب القمنداني الأصيل وقبلة للهاربين من اوجاع قلوبهم وعاهاتهم النفسية والعاشقين لدنيا الفل والورد والريحان والكاذي والياسمين.

وبعدها عدت منكسرا شارد الفكر ومشتت الحال وغارق في أتعس الخيالات المضنية

 عدت من لحج وانا أصارع أفكاري وأحرص كل حواسي على ذكرياتي التعيسة واسأل نفسي عما حل بالمدينة من تسبب وإهمال وهجر وهجران. دون ان أجد اي إجابة تذكر..

وللحديث بقية وبقايا..

#اين_دفنت_حوطة_الطرب_القمنداني

مقالات الكاتب