موسى الربيدي

عقاب سياسي على التجربة الديمقراطية

وكالة أنباء حضرموت

مرّ اليمن خلال العقود الأخيرة بتجربة ديمقراطية فريدة نسبيًا في محيطه العربي، رغم ما شابها من تحديات، أهمها الفساد، والصراعات المسلحة، وتدخلات الخارج. وبرغم هذه العثرات، ظلت الممارسة الديمقراطية – عبر التعددية الحزبية ووجود برلمان منتخب – إحدى أبرز إنجازات الشعب اليمني. إلا أن التطورات الراهنة تكشف عن مساعٍ ممنهجة للقضاء على هذا المكسب، من خلال فرض ازدواجية برلمانية تُستخدم كأداة لتفكيك الدولة، وإضفاء شرعية شكلية على سلطات الأمر الواقع.

مجلس الحوثيين: شرعنة الطائفية وتزييف الجمهورية

يسيطر الحوثيون على مجلس النواب في صنعاء، ويستخدمونه كغطاء قانوني لتمرير سياساتهم، وتثبيت سلطتهم كأمر واقع في الشمال اليمني. هذا المجلس، الذي يعمل تحت سيطرة جماعة مسلحة، لا يستند إلى أي شرعية دستورية أو انتخابية، بل يُسخّر لإعادة صياغة مفهوم “الجمهورية” بما يتماشى مع أيديولوجيا طائفية تتنافى مع مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
الدعم القوي الذي يتلقاه هذا المجلس من قيادة الجماعة، يجعله أداة لشرعنة الانتهاكات، وتمرير قرارات تخدم مشروعًا طائفيًا بعيدًا عن طموحات اليمنيين.

مجلس “الشرعية”: غطاء للتفتيت وخدمة الأجندات الخارجية

في المقابل، فإن ما يُعرف بمجلس النواب “الأصلي”، والذي انتقل إلى الخارج عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ، فقدَ الكثير من شرعيته الواقعية نتيجة الغياب عن الداخل، وتحوّله إلى أداة في يد التحالف العربي، خاصة السعودية .
هذا المجلس، بدلًا من الدفاع عن وحدة اليمن واستقلال قراره الوطني، أصبح يغطي سياسات تؤدي إلى تفتيت البلاد سياسيًا وجغرافيًا، وتكرّس التبعية لقوى إقليمية تعمل على إضعاف الدولة اليمنية وتفكيك نسيجها الوطني.

ما يجري في اليمن اليوم هو عقاب جماعي لشعبٍ حاول أن يمارس الديمقراطية في منطقة لا ترحب بالحريات ولا بالتعددية السياسية. لقد شكّلت التجربة اليمنية - برغم هشاشتها - تهديدًا صامتًا لنماذج الحكم الأحادية في الإقليم، وهو ما يفسّر حالة التواطؤ الإقليمي والدولي في ضرب هذه التجربة.
إن فرض مجلسين للنواب، أحدهما طائفي والآخر تابع لأجندات خارجية، هو محاولة واضحة لطمس ذاكرة سياسية وطنية كانت تمثل بارقة أمل، في وقت تحوّلت فيه معظم البرلمانات العربية إلى واجهات شكلية.

يبدو أن الديمقراطية في اليمن لم تكن فحسب ضحية للصراع الداخلي، بل أيضًا ضحية لرفض إقليمي ودولي لوجود دولة عربية مستقلة تمارس الديمقراطية ولو بشكل جزئي

مقالات الكاتب