نصر عبد الحميد الشعيبي

صرخة في الظلام: براءة مسجونة.. طفولة تحاكم في سجون الضالع (مأساة أبناء الرباط)

وكالة أنباء حضرموت

في زاوية معتمة من عدالة مكلومة، وفي زمن بات فيه الصمت على الظلم جريمة مضاعفة، تنبثق من بين جدران السجون الخاصة في محافظة الضالع أنين أربعة مساجين، لا يحملون سوى براءتهم في وجه تهم كيدية خبيثة، وملف ثقيل يثقل كاهله التلفيق والهنجمة ، لا الأدلة.  

هنا تبدأ الحكاية من لحظة التواطؤ مع الجهل، حين يغتال القانون على مذبح التحيز، في محاولة تقديم الأبرياء قرباناً لغضب القبيلة، وانهيار مؤسسات المنظومة الأمنية

في محافظة الضالع، وتحديدًا في أروقة محكمتها الاستئنافية، بدأت الجلسات الاولى لمحاكمة ابرياء  لم تسلم منه حتى الطفولة. أربعة شباب من منطقة الشعيب، بينهم حدث لم يبلغ سن الرشد القانوني، يقبعون خلف قضبان سجون خاصة، على خلفية تهمة كيدية خبيثة في قضية قتل مواطن لم يثبت تورطهم فيها، بل وشهدت النيابة قبل ثلاث سنوات ببراءتهم.
1. عبد الفتاح محمد عبد الحميد – حدث لم يتجاوز السن القانونية، مسجون منذ ما يقارب سنة ونصف تعرض خلال هذه المدة الطويلة لشتئ أصناف التعذيب البدني والنفسي، قصته يعلمها الكثير ولمن لا يعلمها هي با ختصار شديد أنه تم اختطافه ليلا في محافظة الضالع وهو عائد من مدينة عدن وبعد اسبوع من اختطافه واخفاءه  اتضح أن الخاطفين كانوا أفراد تابعين للامن السياسي بمحافظة الضالع وبعد ثلاثه اشهر من إخفاءة ومنع الزيارة عنه وعدم معرفة مكان محبسه ولا التهمة الموجهة اليه لم يقدم مدير إلامن السياسي خلال تلك الشهور غير الوعود الكاذبة والخداع  في اطلاق سراحه ، بعدها توجهت انا كاتب المقال هذا  إلى نيابة استئناف الضالع في شكوى ، وجهت النيابة من خلالها توجيه إلى مدير الأمن السياسي في رفع الاوليات إن وجدت كون السجين قد تجاوز الفترة المسموح بها قانونا ، ليقوم المذكور ( مدير الأمن السياسي) على إثرها  في رفع مذكرة إلى النيابة مدعيا فيها  انه وجد بحوزته هو وشخص آخر عبوات ناسفة ، (ويقصد بالشخص الآخر قائد المركبة الذي تم إطلاق سراحة في الأيام الأولى من جريمة الاختطاف والاخفاء ) , لترد عليه النيابة بمذكرة مماثلة تطالبه في رفع الاوليات ولنفس السبب كون المسجون قد تجاوز الفترة المسموح بها قانونا ، بعدها يتفاجى الجميع بمظاهرة مسلحة بجانب نيابة الاستئناف تحمل شعارات التهديد والوعيد الهدف منها حرف مسار القضية وتخويف نيابة الاستئناف التي للاسف انساقت خلف هذا الارهاب النفسي وصارت تعمل لحسابهم في كل ما يريدون بشكل فاضح بعيدا كل البعد عن القانون أو حتى المواد الجوهرية التي كفلها الدستور قبل أن يكفلها القانون، وكان الهدف منها تغيير التهمة الكاذبة من تهمة (العبوات الناسفة )إلى تهمة كاذبة اخرى في قضية جنائية حدثت قبل ثلاث سنوات ، سبق وأن سجنوا اعمام المختطف على ذمتها خمسة اشهر وخرجوا بقرار من النيابة بأن لا وجه لإقامة  الدعوى ، في تلك الفترة وقبل ثلاث سنوات  حظر الحدث عبد الفتاح محمد عبد الحميد إلى مرفق الشرطة في مديرية الشعيب ورفض المحقق أخذ اقواله كونه حدث عمره لم يتجاوز الثلاثة عشر عاما ، كل هذا وذاك الظلم حصل ويحصل من أجل  إرضاء قيادات متنفذة في المحافظة وحاليا يقبع في سجن خاص، محروم من كافـــــة حقوقه القانونية ولم يسمح حتى في رؤيته للاهل والمحامين إلا في قاعة المحكمة بعد ما يقارب سنة ونصف من لحظة اختطافه  .
2. مازن عبد الحميد صالح – مسجون منذ سبعة أشهر، بطريقة تعسفية مخالفة للقانون ، يعيش في السجن  ظروف لا إنسانية، ولم يمنح اي حق من حقوق الدفاع مع العلم أنه سبق أن سجن خمسة أشهر قبل ثلاث سنوات في نفس التهمة الكيدية الخبيثة وخرج بقرار البراءة من قبل النيابة .
3. عبد الناصر عبد الحميد صالح – مسجون بطريقة تعسفية يعاني من العزل ومنع الزيارة، والدواء كونه يعاني من آلآم شديدة في المعدة ، ودون أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه أو منحه اي حق من حقوق الدفاع.
4. عبد الفتاح محمود علي ناجي – أحد الأسماء التي كتبت ظلماً في سجل الاتهام الباطل ، على الرغم من محاولة اجبارة تحت التعذيب على شهادة الزور ضد بقيت الأبرياء إلا أنهم فشلوا  بعد ان فضح جريمة الجلادين الذين طلبوا منه ذ لك أمام ملأ من الناس ومع ذالك لا يزال قابعا خلف قضبان السجون لم يجد من ينصفه  .

في عام  2022 م، هزت جريمة قتل المواطن محمد الحاج عثمان في وادي النماص التابع لقريته وفي ممتلكاته وجدان الملايين ، وسرعان ما تحولت القضية من البحث عن الجاني الحقيقي، إلى تصفية حسابات قبلية ، ضد أبناء قرية أخرى مجاورة  لا علاقة لهم بالجريمة،في عمل إجرامي منظم تم تحديد الضحايا فيه قبل تنفيذه، في زمن يُستهدف فيه الرجال ويتحكم فيه الظالمين بالمنظومة الأمنية .

النيابة العامة، بعد تحقيقات أولية، أعلنت بشكل واضح براءتهم، وأغلقت ملف التهمة. لكن الملف لم يغلق في الأذهان المشحونة، ولا في الشارع المحتقن، ولا في دواوين الحاقدين فبدلاً من البحث عن القاتل الحقيقي، أعيد فتح الجرح، واستدعي المظلومون إلى أقفاص الاتهام، لتعاد محاكمتهم بذات التهم، في محكمة الضالع الاستئنافية.

وفق إفادات من مصادر حقوقية مقربة من القضية، فإن عملية التحقيق مع المتهمين الأربعة شابها كثير من الانتهاكات.أجبروا على التوقيع على أقوال لم يقولوها، تحت التعذيب والضغوط النفسية واستفزازات ممنهجة، في بيئة تفتقر لأبسط معايير العدالة والنزاهة.  
الحدث عبد الفتاح محمد عبد الحميد، الطفل الذي لم يبلغ السن القانونية، يقبع في سجن خاص منذ ما يقارب  عام ونصف، خلف قضبان التعذيب دون  أن يحال إلى دار رعاية الأحداث، كما ينص القانون. لم يسمح لمحام يدافع عنه، ولا جهة تحميه، ولا أحد يسمع صرخته إلا الجدران.

اللافت في هذه القضية أن الغرماء لم يكتفوا بالسعي للعدالة عبر الطرق القانونية، بل لجأوا إلى التجييش القبلي، وتنفيذ مظاهرات مسلحة أمام مقر النيابة، ثم أمام المحكمة، في محاولة واضحة للضغط على القضاء وتجييره لصالح إدانتهم، لا محاكمتهم.

المشهد أمام المحكمة في الجلسة الأخيرة كان أقرب لساحة حرب منه إلى باحة عدالة. مسلحون يتجمهرون، يهتفون، يلوحون بالسلاح، بينما المحكمة تحاول أن تعقد جلسة يفترض أن تكون سرية، هادئة، قائمة على الحجة والبينة، لا على هنجمة السلاح  

أهالي الموقوفين، وهم من منطقة الشعيب، يلتزمون الصمت،  ليس عن قناعة، بل تجنبا للفتنة ،التي تجر المنطقة إلى أتون صراع دموي. يعيشون مأساة مضاعفة: أبناءهم في السجون، وحقوقهم مهضومة، وصوتهم مبحوح في فضاء لا يسمع إلا لغة السلاح.

الأسئلة الموجعة التي تتردد على ألسن كل من يعرف تفاصيل هذه القضية: أين وزارة العدل؟ أين النيابة العامة؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ كيف يسجن حدث في سجن خاص؟ كيف يمنع متهم من مقابلة محاميه؟ كيف يضغط على النيابة والمحكمة بالسلاح؟ ومتى تفك الأغلال عن الأبرياء في وطن لم يعد يميز بين القاتل والقتيل؟

في بلد تتداخل فيه السياسة بالقبيلة، وتنكمش فيه سلطة القانون أمام هنجمة السلاح، تظل قضية أبناء الشعيب واحدة من القضايا الشاهدة على انحراف المنظومة الأمنية ،حين تفقد مؤسساتها العمود الفقري، وتتحول إلى أدوات في يد من يحشد المسلحين ، لا من يملك الحق.
فهل من مجيب؟  
وهل تنصف الضالع أبناء الشعيب؟  
وهل يطلق القيد عن معصم الطفولة، قبل أن يسجن معها المستقبل .