د. صبري عفيف

حين يصبح الفساد دولة داخل الدولة

وكالة أنباء حضرموت

بعد أن تعطّلت كل التشريعات والقوانين، وفقد شعبنا الأمل في التغيير، لم يعد الفساد مجرّد ظاهرة، بل أصبح كيانًا متجذرًا في مؤسسات الدولة، يمتد أفقيًا ورأسيًا داخل الهرم السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي، متغلغلًا حتى في التعليم والثقافة والأمن.

لقد كان انتصار الثورة في الجنوب بارقة أمل، حيث اعتقد الشعب أن ذلك سيشكل بداية جديدة لتحريره من كابوس الفساد والإفساد، فسعى جاهدًا إلى تأسيس مؤسسات ثورية موازية للحد من هذه الآفة التي تنهش هويته وقضيته العادلة. لكن، ويا للأسف، لم تؤدِّ هذه المؤسسات دورها، بل تحولت تدريجيًا إلى كيانات متواطئة مع الفساد، إن لم تكن قد تجاوزته في بعض الأحيان.

 

من بين الأمثلة الصارخة على هذا الفشل، تأتي لجنة التعليم في الجمعية الوطنية الجنوبية، التي نامت كأهل الكهف طوال أربع سنوات، دون أن يكون لها أثر ملموس على أرض الواقع. لم تطرق باب أي مؤسسة تعليمية، لم تتابع أي جامعة أو كلية، ولم نشهد لها نشاطًا يُذكر.

ومع تصاعد الحديث عن الفساد في التعليم العالي والمنح الدراسية والابتعاث، الذي شغل الرأي العام مؤخرًا، لم نرَ أي تحرك حقيقي من الجهات المسؤولة، بل انتهى الأمر في دهاليز تقاسم الامتيازات والمصالح.

والآن، يأتي طالبٌ ثائرٌ من أعالي الجبال، ليكشف فسادًا جديدًا في أعلى هرم جامعة عدن العريقة، وإذا بنا نفاجأ بمناضلي "الكيك والمعجنات"، الذين لم نسمع لهم صوتًا من قبل، يتصدرون المشهد على صفحات الفيسبوك، مدّعين الدفاع عن التعليم ومحاربة الفساد!

ومن بين هؤلاء، نجد لجنة التعليم العالي التي لم تصدر بيانًا أو خبرًا واحدًا عن الفساد خلال السنوات الماضية، لكنها الآن تستيقظ فجأة، عندما يكون هناك صراع داخلي أو حسابات سياسية تحكم موقفها!

 

أيها "المناضلون الورقيون"، الذين لا يظهرون إلا عندما تكون لهم مصلحة شخصية، كفاكم لعبًا!

أنتم لا تنتقدون الفساد من منطلق وطني، بل لأنكم تطمحون إلى منصب رابع، أو امتياز جديد، على حساب ضحية جديدة من بين صفوفكم، مذبوحة من الوريد إلى الوريد.

أين كنتم عندما كان التعليم ينهار، والمنح الدراسية تُباع، والجامعات تتحول إلى أوكار للفساد الإداري؟ لماذا لم نسمع أصواتكم إلا عندما بدأت المصالح تتضارب؟

 

إننا نتساءل:

  • هل يرى صانعو القرار في الجنوب حجم الكوارث الإدارية التي تسببت بها قراراتهم العشوائية؟
  • هل يدركون أنهم مسؤولون عن الفساد في التعليم، والصحة، والاقتصاد، والأمن؟
  • هل يعرفون أن سياساتهم العقيمة لم تفشل فقط في تحقيق أهداف الثورة، بل عطّلت مسار بناء الدولة بأكملها؟

الشعب لم يعد أعمى، وصوته لم يعد مكتومًا، وأحاديث الشارع عنكم لم تعد تخفى على أحد.

نحن لا ننتظر منكم شيئًا، فقد فقدنا الثقة بكم، ولم يعد في جعبتكم ما تقدمونه سوى المزيد من الفساد والتدمير.

ارحلوا، فالأرض التي دُمّرت بسبب فسادكم لا تحتمل المزيد من العبث.

مقالات الكاتب