صالح أبوعوذل

الفرص والتحديات أمام التعاون بين المجلس الانتقالي وطارق صالح

وكالة أنباء حضرموت

يعد الثاني من ديسمبر 2017 نقطة تحول كبيرة في تاريخ القائد العسكري العميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد قوات الحرس الخاص للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ففي هذا اليوم أعلن الحوثيون إحكام قبضتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، عقب مواجهات مسلحة مع قوات حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه الرئيس صالح.

وقتل صالح على يد مسلحين حوثيين عقب ما قالوا إنها محاولته الهروب نحو قرية سنحان التي ينتمي إليها، بعد هزيمة قواته، وخذلان أقرب القيادات العسكرية له.  عشرة أيام عاشها طارق صالح متنقلا بين منازل يمتلكها ضباط في قوات الحرس الخاص، حتى الـ12 من ديسمبر، حينما قرر الخروج من صنعاء، وتلقى عرضا من جماعة الإخوان في مأرب، لكنه اختار الخروج صوب عدن، حيث عمل المجلس الانتقالي الجنوبي على تأمين تحركاته.

ومن عاصمة الجنوب انتقل طارق صالح شرقا نحو شبوة التي ينتمي إليها أمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام عوض الزوكة الذي قتل مع الرئيس صالح في صنعاء، لتقديم واجب العزاء وإعلان ظهوره من جديد. عاد مرة أخرى إلى عدن، وبدأ في إعادة تشكيل قواته في بئر أحمد في الوقت الذي كانت فيه قوات العمالقة الجنوبية بقيادة العميد عبدالرحمن المحرمي تعمل على تطهير مناطق الساحل الغربي من الأذرع الإيرانية. وبدأ طارق صالح بتنظيم حراس الجمهورية، وهو الاسم الذي اختاره لقواته.

وبعد مرور عام على هزيمة قوات طارق صالح في صنعاء، كانت قوات العمالقة الجنوبية والمقاومة التهامية وحراس الجمهورية على مشارف ميناء الحديدة الإستراتيجي، إلا أن تدخلات إقليمية ودولية عرقلت استعادة الميناء من قبضة الحوثيين، من بوابة اتفاق هش رعته الأمم المتحدة سمّي لاحقا باسم اتفاق ستوكهولم.

وعاد طارق صالح لبناء قواته في ميناء المخا العتيق، وظل محافظا على علاقته بالمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تجلى التحالف بينهما كخطوة غير مسبوقة في سياق تاريخ الصراع اليمني. وبني هذا التحالف النادر على التعاون الإستراتيجي في مواجهة الحوثيين على قاعدة أن لكل طرف قضيته الوطنية، فالمجلس الانتقالي تأسس في العام 2017 ويهدف إلى تحقيق استقلال الجنوب. فيما ظهرت المقاومة الوطنية كقوة مناهضة للحوثيين، وتسعى لاستعادة صنعاء.

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن التي رفض طارق صالح عرضها للانضمام إلى تحالفها القادم ضد الجنوب، غير راضية عن هذا التحالف، وبدأت في محاولة تقويضه. وبدأت العلاقات بين الانتقالي الجنوبي وطارق صالح في التبلور نحو تعاون عسكري وسياسي في إطار الحاجة الملحة لمواجهة الخطر الحوثي الذي يهدد الأمن والاستقرار في مناطق الجنوب واليمن على حد سواء.

في الـ7 من أبريل 2022 تعزز تحالف طارق صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي من خلال مبادرة أمانة مجلس التعاون الخليجي، التي انتهت بنقل الرئيس عبدربه منصور هادي صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي، المكون من وزير الداخلية الأسبق رشاد العليمي وعضوية عيدروس الزبيدي وفرج البحسني وعبدالرحمن المحرمي، وعبدالله العليمي، وطارق صالح، وعثمان مجلي، وسلطان العرادة، لكن هذه التشكيلة التي كان هدفها إعادة تصويب الحرب ضد الحوثيين ظهرت فيها بوادر انقسام.

واليوم يشكل التحالف بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية خطوة نحو توحيد الصفوف بين قوى الجنوب واليمن، ويؤكد الحاجة إلى خلق إستراتيجية في غاية الأهمية، فاليمن واقع تحت سلطة الأذرع الإيرانية، وهناك ما يشبه التواطؤ الإقليمي مع هذه الجماعة التي نجحت إلى حد كبير في تطبيق تجربة ولاية الفقيه في اليمن، وإزاحة هذه الجماعة من صنعاء يتطلب تحالفا إستراتيجيا يقرّ أولا بحق الجنوب في تقرير مصيره، وأن تعود صنعاء عاصمة عربية وليست إيرانية.

ووجود تحالف متين بين قوى جنوبية وأخرى يمنية يمكن أن يغير من موازين القوى في الصراع ويقوّي من موقف القوى المناهضة لأذرع طهران، ويقطع الطريق أمام مشاريع إقليمية ترى في الانقسام فرصة مواتية لخلق مشروع تقاسم بين الحوثيين والإخوان.

وبات الزبيدي والبحسني والمحرمي وطارق صالح، نصف المجلس، يشكلون معسكرا واحدا في مواجهة رئيس المجلس، ويمكن إضافة مدير مكتب الرئيس السابق عبدالله العليمي، الذي هو الآخر غير راض عن إدارة رشاد العليمي، وهو ما ألمح إليه من خلال ترحيبه بلقاء الزبيدي وطارق. هذا التحالف قد يعجل بإعادة النظر في شخصية رئيس المجلس الرئاسي الذي أصبح يتحرك وفق أجندة تمنح الحوثيين سلطة مطلقة على كامل التراب اليمني الشمالي.

ويبدو أن رفع العقوبات عن قائد الحرس الجمهوري السابق وسفير اليمن الأسبق في دولة الإمارات العربية المتحدة، العميد أحمد علي عبدالله صالح، قد أزعج بعض القوى الإقليمية، خاصة بعد أن خرج أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام في مدينة تعز باحتفالات كبيرة، دفعت برشاد العليمي إلى زيارة المدينة لأول مرة، وهو ما أكد على وجود انقسام، تبدو معالجاته تتطلب إزاحة رشاد العليمي، ووضع شخصية أخرى توافقية.

وعلى الرغم من أهمية هذا التحالف، لا يزال اليمن يواجه العديد من التحديات، وأبرزها حالة الانقسام في مجلس القيادة الرئاسي، بعد أن انفرد به رئيس المجلس.

من الممكن أن يؤدي هذا التحالف إلى نتائج إيجابية، إلا أنه يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على توحيد رؤاها حول مستقبل اليمن وكيفية معالجة القضايا الداخلية. ويبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة هذا التعاون وما إذا كان يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الصراع من بوابة استعادة صنعاء، ومعالجة آثار الحروب التي شنت على الجنوب، والقبول بوثيقة فك الارتباط المعلنة في الـ21 من مايو 1994.

يحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعزيز تحالفه مع المقاومة الوطنية من خلال إنشاء تحالفات محلية قوية. ويتطلب ذلك توسيع قاعدة التمثيل الإداري، ومنح محافظات مثل أبين وشبوة وحضرموت والمهرة مكانة أكبر في هيئة رئاسة المجلس والهيئات المساعدة، التي تعاني حالياً من نقص التمثيل.

ويمكن تحقيق ذلك عبر استئناف قرار الهيكلة في هيئات المجلس والقوات العسكرية والأمنية، مما يتيح له تعزيز جبهته الداخلية، خاصة باتجاه الشرق حيث يمكن أن تشكل هذه المحافظات ثقلاً كبيراً. كما تمكن الاستفادة من حالة السخط الشعبي تجاه بعض التدخلات الإقليمية التي تهدف إلى تفكيك قوات النخبة، والتي تتمتع بخبرة عسكرية وأمنية رائدة. ويتوجب على المقاومة الوطنية ومجلسها السياسي إعادة التفكير في إستراتيجيتها تجاه الجنوب، وتعزيز التعاطي الإيجابي مع القضية الجنوبية على الصعيدين السياسي والإعلامي. وذلك من شأنه تعزيز ثقة المجتمع بهذا التحالف.

علاوة على ذلك، يتطلب الأمر طمأنة قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام بإنهاء حالة الانقسام داخل الحزب. في ظل وجود أذرع إيرانية وأخرى تتبع الإخوان في مأرب، يجب أن تكون وحدة الحزب أولوية بالنسبة إلى المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، ويتطلب الأمر تعزيز المكتب السياسي ليكون رافعة سياسية تشمل مختلف القوى اليمنية، حتى تلك غير المنتمية لحزب المؤتمر الشعبي العام. ويمكن أن تساهم هذه الخطوات في تحقيق استقرار سياسي وتعزيز الفاعلية الوطنية في مواجهة التحديات الراهنة.

مقالات الكاتب