ماجد الداعري
هل يمكن لاستاذي أن يعوض خسارة حبه لليلاه..!
كان لدينا استاذ عراقي شباب فارع الطول،طيب القلب، يدرسنا مادة الرياضيات في مرحلة التعليم الاعدادية بمعهد الوحدة العلمي سابقا، مدرسة الوحدة حاليا بالعجمة جحاف محافظة الضالع يدعى اياد ..
وكان أستاذا رياضيا بشوشا رائعا يتعامل معنا كصديق خارج اوقات الدراسة ويلعب معنا كرة القدم ويأتي إلينا ببساطته الأصيلة حيثما رأنا مجتمعين وكنت اهرب منه لعقدتي من مادة الرياضيات وكفري الفطري المبكر بالأرقام وعدم الاقتناع بأهمية البحث عن قيمه سين او صاد والجذر التربيعي والتكعيبي والقيمة الافتراضية وغيرها من مصطلحات الجبر والتفاضل والتكامل ، بينما كان الاستاذ العراقي شديد الذكاء قي كل المواد الرياضية الهندسية ولا يطلب مسح السبورة لأي درس من مدرسي المواد الأخرى قبله،حتى يسألنا عما فهمناه من الدرس وكأنه يجري اختبار لمدى استيعاب عقولنا وقدرتنا على فهم الأستاذ وطريقته..
وكنت من أكثر من يرد عليه في أغلب المواد إلا مادة الرياضيات التي يدرسنا اياها.
وذات يوم جلس معي بعد حصته وطلب مني أن أعود إليه بعد العصر..
فضقت من طلبه وقلقت وترددت لأني أعرف أنه يريد مني أن أتجاوز عقدة الرياضيات التي زرعها في دماغي أستاذ الابتدائية سامحه الله بسبب تفضيله ومجاملته لزميل آخر كان يحب أخته يومها قبل أن يتزوجها وكنت الضحية لأني كنت أخوض منافسة علمية شريفة مع صهيره يومها ولعله سيعرف نفسه جيدا لو قرأ قصة منشوري هذآ ..
والمهم أن الاستاذ اياد كان متسلل بعزيمة وثقة مطلقة بأن يجعل مني طالبا ذكيا في الرياضيات لا يقل مستواه عن بقية المواد، بينما انا لم أعد مستعد حتى لكي أعود إليه بعد العصر ليعلمني على انفراد حتى أتجاوز عقدة الرياضيات التي بلغت حد كفري المطلق إلى اليوم بالمادة، وكما كان يفعل زميله السوداني الاستاذ عبدالرحيم حينما كنت أعود بنفسي للمدرسة ومعي احلى قات له كي يعلمني الخط والرسم كما كان يفعل طيب آلله ذكرهما معا.
وبعد أن رأني الاستاذ اياد اتهرب منه كان يترقب اي حركة لي وأصدقائي في جبل الاكمة القريب من المعهد، فيفاجئني بالمجيء إلينا للحديث معنا وشرد قصص كن حياته ومنها قصة حبه لزميلة دراسة له كان إسمها ليلى من ديالا، وكانت جميلة إلى حد وجود منافسة حامية الوطيس عليها بينه وأولاد عمها وآخرين من زملائه يومها..
ولذلك كان دائما مايحملني رسائل بريدية مكتوبة إليها بكل أشواقه ومحملة بكل حنينه اليها..
وكنت أحملها مع رسائلي إلى بريد الضالع المحافظة التي كنت ابعثها إلى برامج ادبية وشبابية في إذاعات عربية عدة يومها، منهآ اذاعة صنعاء وبي بي سي عربية ومونت كارلو وابوظبي واذاعة الكويت والنور المسيحية وغيرها باعتبار الإرسال كان مازال مقتصرا يومها على صندوق بريد الضالع الذي نسيت رقمه الثلاثي الان مع الأسف.
وذات يوم زارني الاستاذ اياد الى أهلى جبل الاكمة وانا مخزن للقات وحدي الا من مذياعي الصغير الذي كان لا يفارقني حتى انا نائم احيانا، حيث كنت احرص على السماع لخارطة كبيرة من البرامج في أكثر من إذاعة كنت احفظها قي دماغي ومازلت احفظ بعض أسماء البرامج حتى اليوم.
فجلس الاستاذ أمامي وهو يتلفت متأففا نحو سلسلة الجبال التي تحيط به وقال بقهر: لا سامحك الله يا صدام..شردتنا كن بلدنا..
فقاطعنه وقلت له صدام زعيم أمه وقائد العرب فضحك ساخرا من تأثير إذاعة صوت بغداد بعقلي وحرصي على سماع برنامج (خمس دقائق من كلام القائد) اليومي من الإذاعة وقال لي: خمسة ملايين عراقي مشردين خارج العراق ونحن بلد نفطي من أغلى بلدان العالم ولولاه ماكو الآن في عراقي أمامك..
فقاطعته لأني لا أحب سماع أحاديث التشكي والأحزان وانا مخزن في أجمل اللحظات السليمانية واستطيع تغيير حديثي معه كما أفعل بالتنقل بين إذاعة وأخرى عبر تحريك شوكة خريطة مذياعي .
فقلت له وانا احاول رسم ابتسامة خجولة على محياي: ماذا عن جديد ليلاك أستاذنا ؟ فالتفت إلي بنظرة غريبة ورد علي بشطر من بيت شعر رفض أن يكمله حتى آخر أيامه في المعهد: وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا….
وطلب مني أن اكمل البيت وانا اجتهد كل يوم وأحاول إكمال البيت كما هو( وليلى لا تقر لهم بالوصال) وهو يرفض ويطلب مني الإجابة كلما رأآني وكلما سألته هل لديك رسائل الى ليلى أو الاهل، أحملها إلى البريد كوني ساذهب إلى الضالع غدا.
وفي آخر أيام وداعي له اصريت عليه بأن يخبرني ببقية شطر ألبيت..
فضحك بحسرة وحزن وألم وقال: وليلى تزوجت شيخ العشيرة….
بمعنى أنه خسرها مع كل من كان يدعي حبها.. وبعد سنوات من الفراق وإكمالي الثانوية العامة، علمت من طلاب سافروا بمنح دراسية إلى العراق أنهم التقوا بالاستاذ اياد وقد أصبح صاحب شركة اتصالات قبل حرب الاحتلال الأمريكي البريطاني الغربي للعراق ب٢٠٠٣م منهم الصديق العزيز محمود محمد قائد الهدياني.