ماجد الطاهري
كيف يُعزل "قائد" بحجم أمّة؟
تعالوا أحدثكم اليوم كيف تعامل الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مع قائد جيوش الاسلام خالد ابن الوليد الذي منحه أعظم خلق الله على الأرض الحبيب المصطفى صلِّ الله عليه وسلم أعظم وسام شرف قد يمنح لمقاتل عبر التاريخ (سيف الله المسلول)وما نطق عن الهوى صلوات الله عليه إذ كان لخالد ابن الوليد الفضل بعد الله بتثبت أركان دين الاسلام بعد وفاة النبي و ارتداد كثير من الناس عن الدين،وكان له الفضل بعد الله في فتح الشام وأرض فلسطين المقدسة،كان خالد بن الوليد رضي الله عنه فعلا قائد بحجم أمّة وليس بحجم وطن كما يقولون اليوم،إذ ذاع صيته، وتناقلت أخبار بطولاته بين الأمصار،وارتعد خشية منه أعداؤه قبل أن يصل إليهم،وهو الذي تعلقت به قلوب عامة الصحابة و انقادت له الجيوش واحبه الجند والقادة.
بينما كان القائد الشجاع يقود جيش الاسلام على تخوم بيت المقدس، وفجأة ودون سابق إنذار يتخذ الخليفة العادل عمر ابن الخطاب قرارا هاما و خطيرا ويصدر مرسوما بعزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش ثم يأمره أن يصبح جنديا مطيعا تحت خدمة وإمرة الصحابي الجليل ابو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة!
أيها الفاروق العادل لماذا فعلت هذا بخالد،ثم ما الذنب الذي اقترفه لتبادر بعزله من منصبه،أتراك تدرك خطورة وتداعيات هذا القرار وجيش الإسلام الذي أحب خالد يتهيأ لفتح بيت المقدس تحت قيادته؟ اتعلم مدى ثقتهم بقدراته وعلمهم بحسن تقديره وتدبيره في تحقيق النصر بعد تقدير وتدبير الله تعالى؟ ثم هب لو ان ما نسبته10٪ ك اقل تقدير قد ربما يرفض هذا القرار سواءً من القائد خالد أو من قادة سراياه وجنده فما الضامن لعدم شق الصف أو انسلاخ نصف الجيش إن لم يكن كل الجيش وعصيان الأوامر وبالتالي حلول الهزيمة.
الجواب عزيزي القارئ يأتي من الخليفة عمر نفسه حين ضجت مكة والمدينة استغرابا و استنكارا بخبر العزل فجمع الصحابة وقام خطيبا فيهم قائلا: والله أني لم أعزل خالدا عن سخطة أو خيانة،(ولكنني خشيت أن يُفتن الناس به، فيوكلون إليه) انتهى كلامه رضي الله عنه.
حسنا هل هذا سبب وجيه تقنع به الصحابة،وهل قرار العزل بحق خالد كان مقتضى ضرورة وللمصلحة العامة؟ وقبل أن نعرف حقيقة ذلك تعالوا لنعمل مقارنة مع قادتنا اليوم بحجم وطن كما يقال فيهم، أتراهم يقبلون أن عزلوا من مناصبهم هكذا مثل ما قبل خالد القرار برحابة صدر وسمع وطاعة، لا أعتقد أن بعض قادتنا اليوم بحجم كرسي وأرضية يقبلون!ولستُ متحاملا على أحدهم أو مستنقصا من كفاءته وإخلاصه و وفائه لشعبه،لكنهم قلة قليلة ونادرة،وحسبنا ما شاهدناه ممن قيل عنهم بأنهم صالوا وجالوا وقدموا تضحيات وحققوا انتصارات في معظم الميادين وااجبهات،لكنهم للأسف غرّ بعضهم الغرور فتجده مستميتا على منصب ولا يقبل بتركه مطلقا الا بدم مسفوح،تجد البعض منهم يرفض قرار عزله أو نقله واستبداله من أيّا كان صادر هذا القرار،يقول: أنه يمتلك الحصانة وحق الرفض لأنه أخذ هذا المنصب بالعرق والقتال في الميدان ...
نقول له ولأمثاله ألم يكتسبها قبلكم ابن الوليد بل حضرت اليه القيادة راغمة ولم يتوسلها من آحد، ثم ما بلغتم عشر معشار ما صنع خالد وهو الذي مات وفي جسده ثمانون طعنة إما بسيف أو رمح أو سهم،لكنه مع ذلك سلمها سمعا وطاعة لأمير المؤمنين ورغب عنها زهدا وورعا وخوفا من الله ونصرةً للإسلام.
لقد خشي الخليفة عمر على سلامة ايمان ومعتقد جند الإسلام وعموم الصحابة رضوان الله عليهم لحبهم وتأثرهم بالقائد الصنديد خالد ابن الوليد، خشي عمر أن يتكل الناس و يجعلون ثقتهم بالنصر مرتبطة بقيادة خالد للجيش،فإن فعلوا لحقت بهم الهزيمة عقابا من الله.. وما يوم حنين منهم ببعيد إذ أعجبتهم كثرتهم فلم تغني عنهم من الله شيئا.
لذلك كان الفاروق رضي الله عنه يضع في نصب عينه الإهتمام بعقيدة المقاتل وتلمس إيمانه وتعاهد ثقته بالله تعالى، وكأنه يعتمد ذلك النهج كـ خطة إستراتيجية صانعة لكل انتصار، لذالك كان رضوان الله عليه حين يبلغه البشير بأخبار النصر والفتح من بلاد الشام أو العراق كان أول ما يسأل كم استغرقت المعركة من الوقت؟ فإن قيل له من مطلع الشمس النهار وحتى المغيب، كان يحزن لذلك ويرتعد خوفا من الله ولسانه يقول لم يتأخر النصر وتطول المعركة ليوم كامل الا بخطيئة اقترفها احد المسلمين او بعض من جند وقادة الجيش.
فهلا أخذنا اليوم ياقادتنا الدروس والعبر ممن سبقونا على طريق الحق ومقارعة الظلم،بالولا، والسمع والطاعة، ومراقبة النفس وتزكيتها وتطهيرها من الفساد وحب المال والشهوات، وما يدريك فلعل تأخير النصر اليوم عقوبة من الله بسبب ما ترتكب في حق الله ثم انتهاكا لحرمات الله من معاصي وذنوب، وما يمارس بحق الضعفاء من العباد من ظلم وجور.