د. عبده يحيى الدباني

الشعر الشعبي في حالمين في موكب ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م

وكالة أنباء حضرموت

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين . 
أما بعد 
فهذه دراسة موجزة عن الشعر الشعبي في حالمين  الذي عاصر ثورة 14 اكتوبر المجيدة ضد الاستعمار الإنجليزي التي أنطلقت من جبال ردفان الشماء  في 14أكتوبر 1963م، سنحاول هنا أن ندرس ماجمعنا من ذلك الشعر في حالمين ؛  وحالمين هي مديرية من مديريات ردفان الأربع التي تتبع جميعها محافظة لحج.
وكان يحدونا  الأمل أن ندرس الشعر الشعبي في كل مديريات ردفان الاربع الذي رافق تلك الثورة الجنوبية التحررية  المظفرة ولكن ليس لدينا الآن إلا نماذج قليلة من الشعر الشعبي في حالمين الذي تناول هذه الثورة؛  تمهيدا لها ، وتسجيلا وتاريخا ووصفا وإشادة  ، وسيظل البحث مستمرا عن تلك الأشعار في مديريات ردفان التي عاصرت  الثورة وبشرت ، بها وغيرها من مناطق الجنوب بعون الله تعالى سواء من قبلي أم من قبل الباحثين الآخرين المهتمين .
ثورة 14اكتوبر 1963م قامت ضد الاحتلال الإنجليزي الذي احتل عدن ومناطق الجنوب الأخرى فيما كان يسمى بالمحميات الشرقية والمحميات الغربية خلال مايقرب من ١٣٠ عاما ، وليست هذه الثورة الوحيدة ضد الاحتلال الإنجليزي ، فقد سبقها خلال مدة الاحتلال انتفاضات كثيرة قامت بها  قبائل الجنوب في أكثر من مكان   في الجنوب ضد هذا الاحتلال الغاشم  في حضرموت وشبوة وأبين ولحج والضالع ويافع وفي دثينة وغيرها وفي عدن قامت حركات سباسية وعمالية وشعبية ضد الاحتلال.
كل تلك الانتفاضات والحركات التحررية ضد الاحتلال توجت بثورة 14 أكتوبر حين نضجت الظروف الذاتية والموضوعية  فقد كانت الثورة منظمة وقادتها الجبهه القومية وهي تنظيم سياسي محترف ، وقد استمرت الثورة واستمر نضال شعبنا من  63 إلى 67،  وكانت هناك جبهات كثيرة في أرض الجنوب تقاوم الاحتلال حتى غادر أرضنا في 30 من نوفمبر 1967م .
وقد وجدنا فيما وجدنا من شعر في هذه القضية شعرا يمهد للثورة ويتنبأ بها ويبشر بها،  وسنقف أمام نماذج من ذلك الشعر وهو في معظمه أراجيز  والأراجيز عادة تأتي موجزة ، وهذا الشاعر صفوان وهو من رواد الشعر الشعبي في حالمين، ولعله عاش في بداية القرن العشرين وما يزال صدى ذكره في حالمين يتردد كما تتردد اشعاره .
قال صفوان شعرا عجيبا لعل المتلقين حينها لم يفكوا طلاسمة إلى أن جاءت الأحداث والايام ففسرت ذلك الشعر قال :
جالب على صيرة
جهومة مكبرة
حربي وبنديرة
وشاؤوش الهجوم
 واعجال طيره 
كالسحاب الناشرة
تسمع زفيره 
يوم ينوي عل القدوم .
تلاحظ في هذا الزامل كيف ان الشاعر يتنبأ بالحرب وهي حرب الثورة ضد الاحتلال وردود أفعال الاحتلال ، فهذا الجاهم هو السحب التي تكاد تمطر  والبرق والرعد اللذين يبشران  بالمطر .
وكان ذلك ( على صيرة ) أي في عدن
لما لصيرة من رمزية فقد قاوم اجدادنا قوات الكابتن هنس الغازية من فوقها.
و(جهومة مكبرة)يعني ثقيل السحب وكثيفها اذ تبشر باعصار وأمطار غزيرة، وهذه رمز للثورة القادمة ، ثم  يقول (حربي وبنديرة) في اشارة  للحرب والبنديرة  هي العلم وهذه ألفاظ لم تكن  الناس حينها في حالمين خاصة يعلمون بها  كل العلم ولم تكن قد دخلت في مفرداتهم وثقافتهم،  و(شاؤوش الهجوم)  مصطلح عسكري والشاؤوش هو الجندي فالحرب كر وفر ، دفاع وهجوم، فهو  يصور معركة ولكن هذه المعركة لم تقع بعد ، ولكنها وقعت فيما بعد .  وقال ( واعجال طيره)  وطيره يعني طارت في لهجة حالمين حيث تكون الهاء الساكنة بدلا عن تاء الثأنيت الساكنة، والاعجال هنا جمع  عجلة فهذه الاعجال تطير ويقصد هنا الطيران الحربي قبل أن يعرف الناس الطيران الحربي والمدني،
 فهي هنا (كالسحاب الناشرة)  شبهها بالسحب في سيرها (تسمع زفيره يوم ينوي عل القدوم)  يصف صوت الطيران الحربي الشديد .
فهذه المشاهد الحربية وقعت فيما بعد عند قيام الثورة عند ماكان الطيران الإنجليزي يغير على مناطق في ردفان وحالمين وغيرها من المناطق في الجنوب قبل الثورة وأثناء الثورة ، فهذا الشعر تنبأ بقيام الثورة وبردود الأفعال من عاصمة الجنوب من عدن التي كانت محتلة في يد الإنجليز .
وهذا شاعر آخر من حالمين يسلك في شعره هذه المضامين التي بشرت بالثورة والتي أعلنتها وهو الشاعر  شائف قائد الجعشاني، وهو مناضل صلب  وواحد من الذئاب الحمر ليس في شعره فقط ولكن أيضا بنضاله وبندقيته .
 يقول في أحد  زوامله:
باناشد  الحلال
واذلاق الجبال
بايحصل استقلال
في الان القريب
بايحصل استقلال
من حضرة جمال 
نادى به الابطال 
من مصر الحبيب .

هذا الشاعر مهووس ومسكون بالثورة والاستقلال قبل أن يتحقق، وبالجنوب، لقد  دارت كلمة الجنوب في اراجيزه فضلا عن كلمة الثورة وكلمة الاستقلال هاهو  يبشر الشعب والوطن  بما سياتي : الحلال  واذلاق الجبال أي  الأرض والإنسان،  ويقول انه سيتحقق الاستقلال قريبا  فالباء في لهجة حالمين وفي لهجات كثيرة في الجنوب هي حرف استقبال بدلا عن السين وسوف  في الفصحاء  .
هذا  الاستقلال وهذا الثورة سيدعمها نظام عبد الناصر في مصر ضد الاستعمار في  الدول العربية وهذا الاستقلال نادى به الابطال من مصر الحبيب.
 كم كرر كلمة الاستقلال وهذا يدل على الوعي القومي الذي بدأ ينتشر في أرض الجنوب من خلال الإذاعات ومنها إذاعة صوت العرب، وبدأ الوعي الوطني يتقدم والوعي القومي وكان جمال عبد الناصر له دور عظيم في هذه المسألة .
ويقول الشاعر نفسه في زامل آخر قبيل الثورة:
ترحوب بالمليار 
شيمة واقتدار 
لا مطرح الثوار
وأحرار الجنوب
حتى لو الطيار 
دقي له  جدار
يبقى لهيب النار 
لا همد يثوب.

لقد هاجمت بريطانيا بطيرانها منزل الشاعر في الحجف في وادي الضباب في حالمين قبل الثورة ، لانه كان معارض للإنجليز وكان ثائرا ،وقد كان يحرض على قيام الثورة ، فقد تم قصف منزله ، ولكن لاحظ معي كيف صبر وتجلد   فلا خوف ولا رجوع عن الثورة والاستقلال حتى إذا  الطيار هدم  له جدارا أو هناك المهم جدار الوطن يبقى منيعا والمهم الإرادة تبقى فولاذية  ،والنار حتى لو خمدت فانها تثور وتشتعل من جديد وهي نيران الثورة  .
هذا الشاعر نفسه شائف قائد الجعشاني زار الإمام البدر امام المملكة المتوكلية اليمنية،  لعله زاره في تعز أو  في صنعاء  ولعله زاره وهو ولي عهد وليس اماما لا ندري بالضبط ؛لكن الزيارة كانت من اجل الجنوب .. من أجل تحرير أرض الجنوب وقد كان نظام الأئمة احيانا في الشمال يعادي بريطانيا ويدعم بعض قبائل الجنوب من أجل محاربة الإنجليز ، لكن كانت له اهدافه وتوسعاته في أرض الجنوب ولم يكن حريا بدعم ثورة حقيقية تحررية في الجنوب كما فعل الزعيم عبدالناصر فيما بعد .
 هاهو يقول  في حضرة الامام :
سلام ما يلمع البارق وطلع مثاره 
يبلغ امام الشعوب
ما قصدي إلا الوفاء ومطلبي للزيارة  الحرية للجنوب 
لقد ذكر الزيارة وحيا البدر وذكر الهدف من هذه الزيارة وهو تحرير الجنوب ويقصد  دعم ثوار الجنوب من أجل دحر الاحتلال ، لأن الشمال دوله جارة  وكان الجنوبيون يراهنون على مساعدتهم ، ولكن المملكة المتوكلية كانت دولة ضعيفة وكانت اجدر بأن يثار ضدها، وقد ثار الشعب ضدها في عام 62 وقد انتهى نظام الأئمة ومن ثم قامت  الجمهورية  وساعدت رجال الجنوب على القيام بالثورة الجنوبية فقد كانت المساعدات المصرية للثورة تأتي عبر الجمهورية العربية اليمنية .
وهنالك شاعر آخر ثائر من جبل حالمين وكان أحد من مناضلي ثورة 14 أكتوبر ولكن توفاه الله قبل أن يرى نور الاستقلال رحمه الله  . 
وهو الشاعر قاسم يحيى الماس .
شعره يطفح شررا بقوة، وقال فيما قال متحدثا عن تحرير الجنوب  : يامصر ياتحرير قود المعركة
الحق صوته معتلى فوق الخصوم حتى قرينات البحور اتفاركه 
في المملكة لابد من ثورة تقوم 
يخاطب  الشاعر مصر لتقود معركة التحرير في الدول العربية المستعمرة والمهيمن عليها من قبل الغرب ويتحدث عن الحق كيف أن صوته معتلي ويذكر احداث حصلت في البحر،  يعني انتصار الروس والمد الاشتراكي (حتى قرينات البحور اتفاركه ) فهناك مد عالمي  للثورات التحررية وإنهاء الاستعمار ثم قال:  بالمملكة لابد من ثورة  تقوم
وهو يقصد مملكة الشمال المملكة المتوكلية الهاشمية  الذي سماها الامام فيما بعد بالمملكة المتوكلية اليمنية طمعا في السيطرة على جيرانه .
لقد  تنبأ الشاعر بثورة في المملكة في الشمال وقد قامت فعلا  ويقول أيضا : سلام يتبلج 
ويسرع بالفرج
من كل فج 
تلصى  بطيارة وطار 
والأرض با ترتج 
إلى مصر الهوج
مثل الموج 
لا اتلاطمه  وسط البحار .

كذلك هو الآن يتنبأ بالثورة فهو قد رأى مؤشراتها في الداخل وفي الخارج.
وهناك شواهد شعرية أرخت للثورة ورصدت حركتها وأشادت بالثوار والشهداء وذكرت ردود أفعال الإنجليز  المحمومة وحملاتها البربرية ضد الثوار ومناطقهم ؛ اذكر منها هذا الزامل للشاعر حسين سيف أحمد جواس  وهو شاعر من وادي شرعة الفسيح في  حالمين شاعر مشهور وشعره بحاجة إلى جمع ونشر ودراسة وهو مؤصل اللحن الحالمي الذي يرقص عليه الناس ويغنون ، وهو لحن مميز يسمى بلحن بن سيف ؛
لا أدري هل هو أخترعه أو هو من التراث فكان يقول شعرا على منواله .  يقول ويذكر الثورة :
ياثورة  ١٤ اكتوبر
نسحل الكفر في كل ميداني
ذوق الصبر ياشعبنا أتحرر
بحرا وبر  من كل نصراني
 هذا الشاعر أعطى للقضية بعدا دينيا إسلاميا فهؤلاء يجب أن  يقاتلوا لأنهم محتلون وكفار أيضا ونصارى .
فهو هنا يحرض الناس على الالتحاق بالثورة  في سنوات اشتعالها  ويحرض على مساندتها وعلى وامدادها،  فقد كان الجميع هناك حاضنة لهذه الثورة ولم يكن الجميع ثوارا بطبيعة الحال ، ولكن كانت هناك حاضنة كبيرة للثورة فهي منهم واليهم .
ولدينا شاعر آخر من وادي العمري اسمه ناصر عبدالله العمري وهو شاعر شهير  أيضا وطال ما وجدنا الشعر في حالمين وردفان  عموما يذكر ميادين الثورة ويذكر المناطق التي كانت  تحدث فيها المعارك ضد الإنجليز أو الأماكن التي كان يلجأ إليها الثوار فهناك ذكر لجبل بطة و للحبيلين وجبل البدوي وحبيل المصداق وكنظارة وحبيل الريدة  وكثير من مناطق الكفاح في ردفان .
هذا الشاعر يحيي واحدة من هذه المناطق التي أوت الثوار يقول:
سلام يانعمة ومن  فيها سكن
ماحن راعد من على شامخ رتوب ياملجا الثوار في وقت المحن 
في ثورة أكتوبر لتحرير الجنوب 
لقد قصف الإنجليز قرى المواطنين في ردفان عند انطلاق الثورة ولكن اتجه المواطنون إلى حالمين والثوار على وجه الخصوص فاستقبلهم الناس وكانوا حاضنين لهم ومرحبين  حين نزحوا بسبب  القصف  البربري .
ونعمة هذه هي واحدة من هذه المناطق التي أوت الثوار وأيضا أهلها فيهم ثوار وقد تعرضت  هي والمناطق المجاورة لها للقصف البربري من الإنجليز مثل جبل القضاة .
وهذا الشاعر جبورة من وادي حالمين بعد أن ظهرت الثورة على أعدائها وكادت  تحقق الاستقلال وبدأ سقوط المناطق في الجنوب من يد الإنجليز ومن يد الدويلات المحلية والإمارات والمشيخات وجدنا  الشاعر جبورة رحمه الله  يهدد أمير إمارة الضالع بعد أن زج  في السجن بعدد من أبناء حالمين ، فذهبت القبائل من أبناء حالمين مع شاعرهم و وصلوا إلى هناك ورددوا زامل جبورة وأمير الضالع يسمع مما أضطره إلى تسليمهم معتقليهم  . وقد كانت الضالع إمارة بينما كانت حالمين قبائل مختلفة ولم تخضع للإمارة أو لمشيخة أخرى كان لهم حكم ذاتي وقبائل تحكم نفسها بنفسها ولكن حالمين كانت على علاقة جيدة مع أمير الضالع بشكل عام  ومع قيام الثورة  كانت حالمين إلى جانبها .
يقول جبورة :

يا باقي الديولة  بشوفك اليوم غالط فكر وفك الغلط
القبيلة شف لها  قانون من غير ضابط ولا بتعرف شرط
هكذا الشاعر   يخاطب الامير ب  ياباقي الديولة !   بما يوحي بأن الدولة الامارة  في  الربع الساعة   الأخيرة لها وهذا الكلام كان في عام  65م  تقريبا وهذا  تعبير شعري جميل وهو كناية عن افول زمن الاحتلال والمحميات التي كانت لها معاهدات حماية وصداقة  مع الاستعمار .
(والقبيلة  شف لها قانون من غير ضابط ولا بتعرف شرط) 
يعني نظام القبيلة ليس  كنظام الدولة القبيلة ماعندها سجن ولا شرطة ولا ضباط ولكن لها أعرافها وأحكامها. فعلم الأمير بهذا المنطق وهذا التهديد وأطلق سراح الأسرى والمعتقلين وكان هذا قبل الاستقلال بسنوات .
وهذا  نص طويل إلى حد ما ،وهو أطول النصوص التي وجدناها أو جمعناها في هذا الموضوع ، مع أنه ينتمي إلى الأراجيز أو ما نسميها بالهواجل أو الزوامل  التي تردد في مناسبات الزواج .
هذا النص للشاعر المناضل الشيخ محمد صالح الاعجم  رحمه الله تعالى هذا الشاعر الفذ المثقف الشيخ  الذي علم الكثير في معلامته من أولاد القرى في حالمين قبل الاستقلال وقبل وجود المدارس الحكومية وبعد ذلك أيضا ، لقد تعلم القراءة والكتابة بجهوده الذاتية وبشغفه وبحبه للتعليم والاطلاع حتى صار معلما وحفظ القرآن الكريم وأجاد العربية نطقا وكتابة ، فهذا الشاعر المعجزة ، قال هذه القصيدة في خضم أيام الثورة وهي :
سلام مليون  يبلغ غربها والمشارق في سهلها والجبال
عديت مايزجم الراعد ومالاح البارق وهز ريح الشمال
باخص من قام بالثورة وفيها يحانق ولا يهم القتال
ياناس شيء تذكروا لحرار سود المفارق
ذي فقدهم لايزال
ودمهم والجسد صاروا فدا للمناطق وإخوانهم والعيال
قلبي ابد ليس ينساهم وبالفقد عالق لكن آسف يارجال
ما اليوم من هو يجاهد أو يشل البنادق
ولا قنابل ثقال
ذي  رده  لعدو متكبد وله حال ضايق 
يا لله  عسى بالزوال 
ما صادقك يالفرنجي وأنت عايب وفاسق
ولا بنصحب رذال 
ما اليوم نسقيك كأسا بالجريد الحوازق
 والموت ماله محال
ونسأل الله يفني ساعتك والدقائق حتى ولا هن طوال
جالب من القاهرة لما اليمن بات شافق 
كل يشوف الخيال
سيله وصل لا  عدن وأبين وأرض العوالق 
وساحله والرمال
تعيش يامصر والضباط وأهل الحقائق وعاش فيهم جمال .

الشاعر هنا في البدء يحيي الثورة  والثوار بهذه الملايين من السلام في غربها والمشارق وفي سهلها والجبال كم هذا السلام.. كم عدده  ؟  قال عديت -يعني عدد -  ما يزجم الراعد ومالاح بارق
وهز ريح الشمال
 لجأ إلى الطبيعة وإلى هذه الظواهر الطبيعية ليكني بها عن كثرة السلام وعمق السلام وجزيل السلام وصدقه ،  ولمن كل هذه التحية؟ 
قال:  باخص يعني خصوصا هي لمن قام بالثورة.
 هذه القصيدة  قيلت بعد أن قامت الثورة وهي تحث على الثورة وتحظ عليها  ويبدو أن الشاعر قد  قالها  في شبابه .
لقد خص بتحيته الحارة الشعرية  الثوار الحقيقيين الذين نهضوا  بالثورة وعنها يدافعون  وفيها يرضون ويغضبون  ، ولا يهمهم قتال الإنجليز وان كان الإنجليز متفوقين في العدة والعتاد ثم يقول :
ياناس شيء تذكروا لحرار سود المفارق؟ 
هنا شيء تذكروا  يعني هل تذكروا؟ فشيء هنا  تقوم مقام حرف  الاستفهام في لهجة الشاعر.
والاحرار وسود المفارق هم الشباب والمفارق هو الشعر وهو هنا أسود  كناية عن شبابهم فليسوا كهولا ولا شيوخا، هم شباب في مقتبل العمر
وقد دفعوا اعمارهم الطرية فداء للوطن انهم الشهداء الابرار.
ودائما من يلتحق بالثورة هم الشباب وهم وقود الثورة لان عندهم الطموح والجلد والصبر وعندهم الرغبة في التغيير،  حتى الإسلام قام بجهود الشباب في الغالب، ولا نقول جميعهم شباب وكذلك الثورة.
يتذكر الان  في هذا الموقف الشهداء الاحرار  ولم يقل الشهداء قال الاحرار سود المفارق.
لقد ومضوا فمضوا  ومضوا لهبا ومضوا شمسا تنير لمن بعدهم السبيل.
لماذا ذهبوا ؟ يقول : 
ودمهم والجسد صاروا فدى للمناطق وإخوانهم والعيال
هذا سبب التضحية وسبب الاستشهاد،  سالت دماؤهم وتمزقت أجسادهم فداء للوطن، والوطن هنا هو المناطق وهي جميع مناطق الجنوب الوطن،  وإخوانهم والعيال كناية عن شعبهم ، الكل اخوان وعيال .
وقلبي ابد ليس ينساهم
وبالفقد عالق
لكن آسف يارجال
 هو يتذكرهم مابذلوه من أجل الثورة والوطن ويتأسف هنا عندما لاحظ عدم الإقبال والالتحاق بصفوف الثورة  فليس  كل الناس يلتحقون بالثورات  ولكن هناك  طلائع لدى الشعوب تقوم بمثل هذه الأعمال الوطنية ويبقى البعض  معارضا ويبقى الغالبية  ينظرون وينتظرون ولكن قد يكونون مؤيدين للثورة أو يشكلون حاضنة لها حتى لو لم يكونوا مشاركين فيها .
ما اليوم من هو يجاهد أو يشل البناذق
ولا قنابل ثقال 
هنا اضاف بعدا آخر للثورة وهو بعد ديني إسلامي  فالثورة جهاد لأنها تقاوم الاحتلال الأجنبي الإنجليزي الذي له  ديانة مختلفة  ويعتبر هذا جهادا وهو فعلا كذلك.
وبعد وصف أفعال الثورة واثرها في المحتل يسال الشاعر الله تعالى بقرب زوال هذا الاحتلال واقتراب يوم الخلاص.

ويقول :
ماصادقك يالفرنجي وأنت عايب وفاسق
ولا بنصحب رذال 
هذه إشارة إلى بعض القوى وبعض المشيخات والإمارات والسلطنات التي كانت على علاقة صداقة وحماية مع الإنجليز  فالشاعر هنا يتبرأ باسم الجماهير من الفرنج أو الإنجليز المحتلين ويصفهم بالفسوق والرذالة. ماليوم نسقيك كأسا بالجريد الحوازق والموت ماله محال 
يقصد أنه ليس فقط لا يصادقهم ولا يجاملهم، ولكنه يعاديهم ويقاتلهم ويتكلم باسم الثوار  (نسقيك كأسا)    والجريد الحوازق هي الأسلحة التي كانوا يمتلكونها وهذه الصفة كناية عنها وعن قوتها وقوة من يستخدمها كما نقول ( عوج الكراسي) كناية عن البنادق أو ( نسور الجو) كناية عن الطيران الحربي.
ولا خوف من الموت فهو أمر  لا بد منه، فمن الأفضل أن يدافع  المرء عن وطنه وكرامته كما قال المتنبي:
فاذا لم يكن من الموت بد 
فمن العجز أن تكون جبانا

يرجو الشاعر زوال الاستعمار ويرى بأن بقاءه  في البلد ساعاته وثوانيه ودقائقه طويلة وثقيلة على الشعب فهو يهفو إلى فجر الحرية والاستقلال. ثم يرحل إلى القاهرة ويصف كيف وصلت  الثورة  منها إلى اليمن الذي كان منسيا  وكأن الثورة الرعد والسحب المثقلة في  السماء عندما تمشي من بلد إلى بلد  وكان الشاعر يرقب رحلتها  وهكذا وصلت إلى الجنوب، عندما قال:
سيله وصل لا عدن وأبين وأرض العوالق
وساحله والرمال 
هذه هي حواضر الجنوب وارضها وبحرها ورمالها اختزلها الشاعر في بيت ، لقد عبرت الثورة إليها فالثورة فكر  ونور يعبران  الحدود 
فتتلقف الناس كل ذلك وتنطلق مواسم الخصب.

ثم يحيي مصر في نهاية النص: تعيش يامصر والضباط وأهل الحقائق وعاش فيهم جمال مصر التي كانت ملهمة للثورة وداعمة للثوار ، وللضباط لأن الثورة أنطلقت من الجيش وكانت الجماهير تتطلع إلى الجيش في معظم البلدان لينهض بواجب الثورات على الاستعمار وعلى الانظمة المرتبطة به . وأهل الحقائق يعني أهل الحق والحقيقة ثم يذكر محييا جمال عبد الناصر رحمه الله ورحم شاعرنا الاعجم.

مقالات الكاتب