هاني سالم مسهور
وأن تأتي بعد الإمارات
تتقدم التطورات الإيجابية في الشرق الأوسط وتمنح الكل فرصة غير مسبوقة لإعادة بلورة سياسات المنطقة فيما بينها وبين العالم. القمم العربية مع الولايات المتحدة والصين وما آلت إليه الانتخابات التركية، وجولة أردوغان الخليجية إضافة إلى الاتفاق السعودي الإيراني كلها نتائج لخطوات استباقية بدأتها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2018، ضمن ما يمكن اصطلاحه بسياسات «مدّ الجسور» وهو المصطلح الذي دأب على تقديمه معالي د. أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، وهي سياسات يمكن وضع حجر الزاوية لها بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بكين وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي، فما تشكل من هذه السياسات رسم طريقاً للإمارات قادت به دول المنطقة لتبريد سياساتها.
أمسكت الإمارات بزمام المبادرة السياسية واضعة في اعتباراتها أن حماية الأمن القومي العربي نقطة ارتكاز لا يمكن التنازل عنها وعلى ضوء ذلك عززت من علاقاتها مع دولة الارتكاز العربي عبر الشراكات الاستراتيجية مع القاهرة، وواصلت جهدها في مكافحة الإرهاب باعتباره المهدد الأكثر خطورة على أمن الدول الوطنية، ولذلك كان لا بد للإمارات أن تفتح النافذة على دمشق لتستعيدها في محيطها العربي، كما أن توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، كان جزءاً من تلكم المنهجية الواسعة المعتمدة على الواقعية السياسية فلا يمكن تجاوز الحقائق الموجودة فلا بدّ من التعامل مع ما هو موجود بالحوار المباشر مع انتهاز الفرص الاقتصادية المتاحة.
للشخصية السياسية الإماراتية خصائصها منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فهذا هو مدخل الفهم والاستيعاب للسياسة الإماراتية، فالصدق والوفاء والشجاعة هي السمات التي منها تنطلق دائماً السياسات في الإمارات، وعلى ذلك، فإن ما ذهب إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، منذ أن كان ولياً للعهد مع المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، كان امتداداً لحزمة الخصائص مع ما امتلكته الشخصية القيادية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في إدارة واحدة من أكثر محطات العالم العربي والمنطقة اضطراباً عبر تاريخها فلقد أبدى صلابة مشهودة في التعامل الآمن لبلاده والخليج بأقل الأضرار بل إنه كرس فكرة أن صيانة الأمن القومي والدولي أولوية إماراتية منحت أبوظبي مكانتها السياسية.
اعتدنا في الشرق الأوسط على سياسات الاستقطاب الحادة غير أن ما جدّ على المشهد الاستقطاب الدولي وأزمات جائحة كورونا وسلاسل الإمداد والتغيير المناخي، فلم تدر الإمارات ظهرها بل إنها تعمل على خلق فرص نجاح من كل هذه المتغيرات الدولية، فلن يكون مؤتمر المناخ إلا مجرد واحدة من الفرص الممكنة لتخفيف التوترات الدولية، حتى وإنْ كان المؤتمر حول التغيرات المناخية، فإن توافد زعماء العالم سيضع هذه الفرصة التي ستلعب فيها الإمارات دوراً محورياً. التهدئة التي تمنح فرصاً للتعاون والتعايش صنعتها سياسات إماراتية شجاعة، أثمرت بعودة سوريا للجامعة العربية، وتخفيف التوترات بين دول الإقليم، مع مواصلة جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع التمويل المالية التي تتدفق عليه، مما أضعف الجماعات المتطرفة وحدّ من خطرها، هذا ما يؤكد أن المجيء وراء اتجاهات الإمارات سياسياً ومعرفياً واقتصادياً هو الصحيح والطريق الآمن لمن يسير على نهجها. فالنجاحات لم تأتِ من فراغ بل من عمل تراكمي، الثقة الدولية في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، هي التي منها دخلت البلاد نادي الطاقة النووية السلمية واعتبرت مفتاحاً سياسياً للتوازنات السياسية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب فبالثقة في الشخصية السياسية الإماراتية تقدمت وارتفعت وها هو ابنها في المحطة الدولية ورجالها ونساؤها على الأرض لهم قوتهم، فالعالم يثق بالإماراتي الصادق الوافي بالوعد الصائن للعهد.