محمد مرشد
الجنوب العربي: أرض تشتعل ناراً وتتقد لهباً وتسخو شهادةً
منذ أن أُعلن عن تشكيل الأحزمة الأمنية، وهي القوات العسكرية الوطنية الرائدة في الجنوب العربي، التي سما نجمها بسرعةٍ، وتألق أداؤها بقوة، وعُرف قادتها وأشتهر مقاتلوها، وتميزت عملياتها واشتدت مواجهاتها، وعمت أنشطتها العسكرية والأمنية لتحمي العاصمة عدن وكافة المدن والمناطق المحيطة، وتنافس وبل وسارع الجنوبيون في الانتماء إليها والعمل معها، إذ ظهرت جديتها، واتضحت جاهزيتها، وكشفت الصور والعروض العسكرية قوة تسليحها، وتنوع أسلحتها، ومهنية تدريبها وقوة تنظيمها، وتماسك بنيتها ووحدة صفها.
وقد جمعت في صفوفها الطيف الوطني الجنوبي كله، فانتمى إليها كافة المقاومون والغيارى الثائرين الغاضبين، فاستحقت بحقٍ أن تكون قوة وطنية جبارة جامعة وموحدة، حيث التحق بها وانضوي تحت لوائها محاربون أشداء ولدوا في جبهات القتال، الأمر الذي أكد على بعدها الوطني، فتراجعت المناطقية أمام الوطنية، وغابت الأعلام التنظيمية لصالح علم الجنوب العربي الذي غلب وسمأ، ورفرف وعلأ، وفرض نفسه على الأرض وفي والميدان، فـ ساد بلا منافسة، وغدا موحداً بلا خلاف.
أما قادة "الأحزمة الأمنية" في كل محافظات الجنوب فقد أثبتوا على الأرض وفي الميدان أنهم رجال لا ينكفئون، ومقاومون لا يتراجعون، ومحاربون لا يهابون، وأنهم يقاتلون ببسالةٍ حتى الشهادة، ويصمدون في المواجهة حتى آخر رصاصة، وقد أظهرت وصاياهم أن الجنوب في أعناقهم أمانةً، وفي قلوبهم عقيدةً، وأنهم يفدونه بالدم ويحمونه بالأرواح، وأنهم يتسابقون في الدفاع عنه ولا يتأخرون، ويتقدمون الصفوف الأولى ولا يجبنون، ويأملون ممن سيأتون من بعدهم أن يحافظوا على طهر النضال وقدسية القضية، وأن يحملوا الرأية ويدافعوا عنها، وألا يسقطوها والبندقية من أيديهم، فهي الهوية الضامنة والسلاح الحامي.
منذ الأيام الأولى لانطلاقة هذه القوة الجبارة، أدرك المحتل أنه يواجه ظاهرةً جديدةً، وأسلوباً مغايراً في المقاومة، وأنه أمام جيلٍ تجمعه القضية ويوحده الوطن، وتشد أوتاره البندقية، وتحرك مشاعره الحمية، وتتضاءل أمامه الحياة الشخصية بالمقارنة مع حياة الشعب ومستقبل الوطن، وقد أظهرت الوصايا التي تركها الشهيد القائد العميد منير محمود اليافعي أبو اليمامة ورفاقه من شهداء الجنوب، والكلمات التي سبقت شهادتهم، أنهم أقوى من العدو وإن استعلى عليهم، وأنهم أبقى منه وإن حاول طردهم، وأثبت منه في الأرض مهما حاول اقتلاعهم.
أدرك العدو اليمني، أنه أمام ظاهرة محاكاةٍ وتقليد، وفي ميدان منافسةٍ وسباقٍ، وأنه في مواجهةٍ مع نموذجٍ ومثالٍ، لا يقتصر وجوده على عدن وحدها، بل امتد أثره وانتشر نوره لتتشكل كتائب شبيهةٌ وألويةٌ جنوبية مشابهةٌ، حينها أدرك هذا العدو المتغطرس أنه لا قدرة له على مواجهة أبناء الجنوب وصدهم، أو تصفيتهم وتفكيك قواهم، مهما حاول قتل عناصرهم أو تفخيخ وتفجير واعتقال كوادرهم، فهذه ظاهرةٌ ستنمو وستكبر، وستتسع وستنتشر، طالما أن مقاتليها لا يهابون الموت ولا يشترون الحياة، ولا يستسلمون ولو أحاط بهم العدو من كل جانبٍ، ورأوا الموت يزحف عليهم ويقترب منهم فالهدف وأحد والقضية وأحدة لاتقبل انصاف الحلول.
حاول العدو عديد المرات وبكل السبل القضاء على ظاهرة التنامي الأمني والعسكري الجنوبي التي أفزعته وأخافته، فسعى جاهداً وبغباء وباسلوب دنيء لمحاربة تلك المؤسسات الجنوبية الرائدة عبر قطع مرتبات منتسبيها بصورة ممنهجة والدعوة لإستنساخ تشكيلات عسكرية واغداقها بالمال أملاً منه لسحب القوى البشرية، دون دراية وإدراك منه بأن عقيدة الولاء والفداء والتضحية لأجل الجنوب قد ترسخت في عقول وأفئدة هؤلاء الرجال، وحاول مراراً وتكراراً استدراج المقاتلين الجنوبيين لخوض معارك بالنيابة عنه بهدف إنهاكهم واستنزاف قدراتهم وأشغالهم عن هدفهم في الاستقلال واستعادة دولتهم، ونجح في مخطط قتل الكثيرين منهم، واستعان بأعوانٍ له لتمزيق وحدة النسيج الاجتماعي وإذكاء الفتن والنعرات المناطقية وزرع بذور العداء والفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، بالإغراء تارة وبتقديم الوعود العرقوبية بالمال والسلطة تارة أخرى.
ستبقى قوى العربية اليمنية واهمة أنها تستطيع القضاء على شعب الجنوب وتفكيك بنيته العسكرية والأمنية، ونزع هويتها وإنهاء وجودها، فصمت أبطال المقاومة لم يطل كثيراً أمام الأستفزازات أياً كان مصدرها، وحينها سيدرك العدو أن الرد قادم وبقوة في حال استمر تجاهله لإرادة شعب قدم قوافل من الشهداء والجرحى وبذل كل أشكال الفداء والتضحية في سبيل قضيته ومن أجل استعادة حريته واستقلاله ودولته، حتماً سيأتي الثأر مضاعفاً وسيأتي الانتقام موجعاً، وسيعلم الاعداء بان ما يضمرونه من مكر وخداع سينقلب عليهم، وسيبقى شعب الجنوب متصدراً للشعوب المقاومة، ومتصدياً لمخططات الاحتلال، وسيقدم الشهداء تلو الشهداء حتى يأذن الله بالنصر ويتحقق حلمه المنشود بالاستقلال واستعادة الدولة.