أحمد الجعشاني

رحل انيس درهم الموسيقي الهائم

وكالة أنباء حضرموت

هناك من المبدعين والعظماء لايدركون ما يمتلكونه من العظمة و الموهبه لهذا نجدهم تأهين في درب الحياة لايستطيعيون توصيل مالديهم الى العالم ولا يرتقون بأنفسهم الى سلم المجد . بل يجدوا أنفسهم في الحضيض في اخر مراتب الدنيا . و تحت قسوة الحياة وبؤسها من فقر ومعاناة طويله مع المرض . قضى الفنان المغمور الهائم أنيس درهم حياته ذو الاحساس المرهف الموسيقي صاحب الربابة والعود يتجول بين الناس يعزف ويشدوا يسعد كل من حوله في صومعة الحياة الرتيبه . رافضا لكل المقايس الطبيعه حوله عاش حياته بوهيميا هائما منفردا باسلوبه وحياته يرفض الروتين الممل في سلوكية  الالتزام . حين كنت اراه وهو يعزف او يغني كنت أدرك عظمته الكبيره وسر موهبته ولكنك لا تستطيع ان تأخذه  الى سلم عالي للارتقاء بفنه. كان حاله من التمرد والغضب الى حد الجنون . فهو يترك قراره  لاحساسه ولجنون عظمته المتفرده وهو  يعزف بانامله الساحره على الة الكمان فتسمع النغمات مختلفه وهي تتسلل اليك  من اعماقه المكنونه بالشغف الذي يسحرك بها وانت تسمعها وكأنك تسمعها لأول مرة بينما أكون قد سمعتها مرات عديدة . قالها بتلك الكلمات المؤثره وبأسى وبنبرات صوته الحزين الفنان (رامي نبيه مدير عام الثقافة السابق) ظل الفنان أنيس درهم يحلق ويطير لوحده خارج السرب مغردا يشدو بصوته الرخيم احيانا واحيانا يعزف الكمان وكأنك لم تسمع احدا  قد عزف مثله . فتقول في نفسك مثل هذا موجود هنا بين هذا البؤس وهذه الحياه الصعيبه ولكنك قد لا تستغرب كثيرا امام موهبته الطامحه . فقد كان موزارت الموسيقي العبقري مات فقيرا مدقعا بسبب عجزه عن استيعاب عبقريته. ولو نظرنا الى الفنان العظيم  فينست فان غوخ  لقد عاش حياته مترحلا وعلى عالة اخيه ثيو . لم يجد احد يعجب بلوحاته . قضى نصف عمره في المصحات العقليه . بينما لوحاته اليوم تباع بمئات الملايين. هكذا عاش انيس درهم  الموسيقي العازف حياة بوهيميا هائما منفردا  بوجدانه واحاسيسه التى تحركه . منذو بداية حياته وهو صغير فقير معدما . وجد نفسه في مدرسة البدو الرحل مع ابناء الباديه والفقراء الذين وجدوا لابنأئهم مكان يدرسون ويبيتون وياكلون فيه . الا انها كانت بداية اكتشاف نبوغ موهبته من الفنان الكبير احمد ناجي الذي جاء الى مدرسة البدو الرحل لتشكيل فرقة موسيقيه فاكتشفه وأحتضنه واهتم به. بديهية الفنان الذي عرف انه موهوب بالفطره ذو احساس عالي مع الموسيقى وهو يعزف الة الكمان كان يدهش الحضور بعزفه الشغوف على الكمان كانت الموسيقى تتللئ من تحت انامله . كأنها هدايا من السماء تتدفق  فتسحرك حد الامتاع . لفت نظر الفنان الكبير احمد قاسم حين سمعه اول مرة في فرقة القوات المسلحه فأصبح قريبا منه ولكن انيس المتمرد حتى العبث  لايبقى ولايستكن ألالتزام والحضور والانصياع لا يقبل الا أن يكون الا حرا طليق  وحده . يسير خارج السرب . فيمكن المرض منه لكنه لا يشكو ولاييأس يبتسم يغني يعزف اينما تجده في الشارع جالسا على الرصيف او حفل او ملتقى يمتع ويدهش الحضور بموسيقاه . حتى بعد ان بتر المرض ساقاه واصبح مقعدا على كرسيا متحرك . ظل يتجول في الشوارع بين الناس يسمعهم يطربهم رغم المرض وما يعانيه من الألم فهو يجد نفسه في الموسيقى . فهيا حياة اخرى له يعلم جيدا انه لايستطيع الحياة بدون الموسيقى . جنون الموسيقى المتأصله في وجدانه هو الشغف واقصى حالات الغضب  والجنون . وهو يخترق جدار الصمت  لتعيد اليه الحياة مرة اخرى فتسمع منه مثل تنهيدة العاشق الذي اسر حب الموسيقى . أنه سر العظمة والتمرد وحالة من الجنون . حتى في لحظاته الاخيره كان وحيدا يعاني المرض . ويرفض قسوة الحياة من على فراشه وهو يطلق انفاسه الاخيره مودعا دنياه .  انيس درهم الموسيقى الهائم  .


 

مقالات الكاتب