محمد مرشد
هل يتجاوز الروس المستنقع الأوكراني في 2023
أقر رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية "كيريلو بودانوف" في تصريحات لوسائل الإعلام، بأن الحرب في بلاده تحولت إلى مأزق بالنسبة لها ولروسيا نتيجة عدم قدرة أياً منهما على حسمها لمصلحته، ويعتبر "بودانوف" من أرفع المسؤولين العسكريين الأوكرانيين، والمتهم الأول من قبل موسكو بتدبير تفجير جسر القرم في مضيق كيرتش في تشرين الأول الماضي، والذي سبق أن توقع في أيار 2022 أن تشهد الحرب في أوكرانيا منعطفاً خلال شهر آب، وأن تهزم روسيا قبل نهاية العام المنصرم.
ويأتي كلام بودانوف، بعد مقتل عشرات الجنود الروس في قصف صاروخي أوكراني لأحد نقاط تجمعهم في منطقة دونيتسك، ولم تتضح جميع ملابساته بعد، وأيضاً بعد اعتراف مؤسس مجموعة فاغنر الروسية بمواجهة قوات موسكو لصعوبات جدية في المعارك الجارية في شرق أوكرانيا، وبحسب مراقبين فان هذه الاعترافات المتبادلة بمعزل عن الخلفيات الفعلية للذين يدلون بها، تؤكد دقة توصيف الوضع الميداني الحالي بالمأزق، لكن يتساءل الكثيرين عن كيف سترد موسكو على الضربة الأكثر إيلاماً التي تعرضت لها قواتها، والتي تحوم شبهات عدة حول مساعدة أميركية في تنفيذها.
وطبقاً لمحللين، فان المرحلة الأولى من الرد شهدت قصفاً لكييف ومقاطعات أوكرانية أخرى بعشرات المسيرات، وإعلاناً من قائد الطيران البعيد المدى في القوات الجوية والفضائية الروسية، الفريق سيرغي كوبيلاش، عن أن الطائرات الحاملة للصواريخ الاستراتيجية ستشارك في الحرب الدائرة، بينما يرى آخرون بان الأيام المقبلة سوف تحمل وضوحاً لرؤية مراحل رد موسكو على عملية ناجمة عن استخدام ما يسميه نيل فرغوسون، المؤرخ البريطاني - الأميركي المحافظ، في مقال أخير بعنوان ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الشرقية على موقع بلومبيرغ، نقلاً عن أليكس شارب، المدير التنفيذي لعملاق التكنولوجيا "بالانتير تكنولوجي"، "منظومات السلاح الخوارزمية المتقدّمة".
ووفقاً لبالانتير، فإن القدرات التي تمنحها هذه المنظومات لمن يمتلكها، توازي حيازة أسلحة نووية تكتيكية في مقابل خصم ليست لديه سوى أسلحة تقليدية، ويلفت فرغسون إلى أن روسيا لا تمتلك المنظومات الخوارزمية الموازية للنووي التكتيكي، لكنها تمتلك الأخير، ومن المحتمل أن ينقاد بوتين إلى استخدامه، وعندما حذرت موسكو القوى الغربية من مغبة ضخ منظومات السلاح المتقدمة لنظام كييف كانت مدركة لما ستحدثه هذه المنظومات من قفزة نوعية في قدرات النظام المذكور، فكيف إذا توازى هذا الأمر مع إسهام أميركي وغربي مباشر في توجيهها وإدارة المعركة بمجملها، ويختم المؤرخ المحافظ، والشديد العداء للروس، مقاله بالإشارة إلى أن الحربين العالميتين الأولى والثانية سبقتهما نزاعات محلية كحرب البلقان في 1912 و 1913، والغزو الإيطالي للحبشة في 1936، والحرب الأهلية الإسبانية (1939 - 1939)، والحرب الصينية - اليابانية في 1937، ليضيف أن تلك الجارية في أوكرانيا تبدو الآن لمصلحة الغرب، لكنها قد تتجه نحو السيناريو الأسوأ فتصبح قاطرة نحو نزاع أوسع.
ويرى خبراء، بان روسيا لن ترتضي الهزيمة لما سيترتب عليها من نتائج كارثية بالنسبة لأمنها القومي ووحدتها الترابية، ولا ريب في أن تجاوز خطوطها الحمراء سيدفعها إلى فعل الأمر عينه بالنسبة لما يعتبره الغرب خطوطه الحمراء، وبهذه الطريقة يبدأ التدحرج نحو الهاوية، وربما على قادة الغرب الإنصات إلى نصائح حكيمهم "هنري كيسنجر" الذي لم ينس كيف تحولت القارة العجوز في بدايات وأواسط القرن العشرين إلى جحيم متقد.
وفي سياق متصل، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو "ينس ستولتنبرغ"، من خطورة التقليل من قدرات روسيا، قائلاً إن روسيا لا تنوي التخلي عن أهدافها في أوكرانيا ولذلك من الخطر التقليل من شأنها، مضيفاً، أن "الناتو" بحاجة إلى المزيد من الأفراد والمعدات والأسلحة لرفع القدرة والجاهزية القتالية للحلف، مشيراً، إلى أن شروط اتفاق تسوية النزاع ستعتمد على الوضع على الأرض، وأكد على ضرورة مواصلة تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا من أجل إقناع روسيا بالجلوس على طاولة المفاوضات".
وقبل أيام، دعا ستولتنبرغ، الدول الغربية للاستعداد لنزاع طويل الأمد في أوكرانيا، وعبر عن اعتقاده أن روسيا لا تنوي التخلي عن أهدافها في أوكرانيا، مطالباً بإرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، زاعماً أن الدعم العسكري لأوكرانيا هو أسرع طريق للسلام، واصفاً الأمر بأنه "مفارقة"، وسبق أن حذرت روسيا من خط الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشأن المواجهة العسكرية الفعلية مع روسيا، قائلة إنه "محفوف بعواقب كارثية، وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن يعقد في 18 - 19 كانون الثاني/ يناير الجاري، في بروكسل اجتماع للجنة العسكرية للناتو، وهي أعلى هيئة عسكرية في الحلف، وذلك لبحث الأزمة في أوكرانيا وكيفية استمرار الحلف في دعم كييف.