د. صبري عفيف العلوي

"طُوبَى لَكِم أيها الغرباء"

وكالة أنباء حضرموت

إن احترق عبرات الفؤاد وأنا أكتب عن غربة تلف أرواح الطيبين الطاهرين؛ أولئك الشرفاء الذي عفّت نفوسهم وتمسكت قلوبهم بالطهارة والقيم المثلى في زمن الروبيضة وسيادة الانذال والحقراء من اراذل الناس، فنحن في زمن بات الشريف منبوذا والحكيم غريب عن هذه الدنيا وهذا الزمان، فطوبى لكم أيها الغرباء المعروفون لرب الكون' فالغربة في هذا الزمان بشارة خير وحق. " فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ"

ومما جاء على لسان موسئ عليه السلام " طوبى أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ابْنَ شُرَفَاءَ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسُّكْرِ." 

أما أشدُّ أنواع الاغتراب قسوة في رأي (التوحيدي) فهو الاغتراب داخل الوطن، فأغرب الغرباء من صار غريبًا في وطنه, وأبعد البعداء من كان بعيدًا في محل قربه
واغرب الغرباء من صار غريبًا في وطنه، فأشد أنواع الغربة وأصعبها على الإنسان هي تلك التي تكون في الوطن بين أهلك والأحباب فمن خلال مؤلفه"الإمتاع والمؤانسة" وصف واقعه استنادًا إلى رؤيته للمحيط الخارجي بالتركيز على إبراز مواطن الضعف، والتسلح بالموقف السياسي وتدعيمه بالضيق، يقول: "فقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب المحلة غريب الخلق، مستأنسًا بالوحشة، قانعًا بالوحدة، معتادًا للصمت، ملازمًا للحيرة، متحملًا للأذى يائسا من جميع من أرى
أما) ابن ماجه(فقد صاغ مفهوم الاغتراب في اتجاه أخر حيث أطلق على الغرباء اسم النوابت تشبيهًا لهم بالعشب النابت في الزرع من تلقاء نفسه فهم غرباء لا يجتمع على رياهم أمة أو مدينة فهم وأن كانوا في أوطانهم وبين أترابهم وجيرانهم فهم غرباء في آرائهم وأفكارهم فقد سافروا إلى مواطن أخرى هي لهم كالأوطان. 
أما ابن عربي فقال: أعلم أن الغربة عند الطائفة حين يطلقونها يريدون بها مفارقة الوطن في طلب المقصود ويطلقون الاغتراب عن الحال فيقولون في الغربة الاغتراب عن الحال من النفوذ فيه والغربة عن الحق غربة عن المعرفة من المدهش، ويمكن القول: إن (ابن عربي) صنف الغربة إلى ثلاثة أصناف هي: الاغتراب عن الأوطان والاغتراب عن الأحوال والاغتراب عن الحق.

ويرى (سارتر) أن قدر الإنسان هو الحرية وما عداه فهو اغتراب على اعتبار أّنها تكرس مبدأ الحرية؛ فالإنسان موجود حر  وأن حريته هي سبب وجوده. وهكذا  فأن وجود الآخرين هو الذي يسلبنا حريتنا الكاملة" وأدى الاهتمام بمصطلح الاغتراب في العلوم الاجتماعية إلى ظهور مفهومات أخرى تتطابق أو تتقارب مع بعض المعاني التي تنطوي عليها ومنها:"اللامنتهى"،"والهامشي" ، "واللامعياري". فهو عملية صيرورية تتكون من ثلاث مراحل متصلة اتصالًا وثيقًا. فالمرحلة الأولى تتكون نتيجة لوضع الفرد في البناء الاجتماعي، ويتدخل وعي الفرد لوضعه في تشكيل المرحلة الثانية، أما المرحلة الثالثة فتنعكس على تصرفه إنسانًا مغتربًا على وفق الخيارات المتاحة أمامه.
وعندما يصل الفرد إلى قمة الاغتراب تفرض عليه (السلبنة) وهي الآلية التي أوصلت مجتمعاتنا إلى حالة الاستلاب وهي عملية تصنع الاستلاب بوصفه " حالة ناجزة تنتج عن نجاح عملية السلبنة التي تتولى تجريد الفرد والجماعة من إمكانية التعبير عن ذواتهم الحقيقية، وتصبح حالة الاستلاب نزعة داخلية ملحة تأخذ شكلها من شكل متخيل لذات أخرى خارجية"  

والناظر في واقعنا الحاضر يرى أهل الحل والعقد والفكر والرأي السديد في غربة دائمة وعزلة لا تطاق، بينما انصاف العقول وأشباه الرجال هم المتسيدون على المشهد وهذه الحالة يسميها (هايدجر) العيش وسط العالم الغريب ويطلق عليها اسم (الانحطاطية)؛  لكون الإنسان المستلب يصبح وجوده غير أصيل؛ لأن وجوده تشكله مؤثرات خارجية سواء أكانت هذه المؤثرات ظروفًا أم شرائع أخلاقية أم سلطات دينية أم سياسية' تفرض إرادتها على الإنسان المستلب فيغدو الاستلاب نسقًا من القيم المزدوجة أساسه الاستباحة، أما السقوط متمثلًا في إباحة الذات أو القهر فمتمثلة في استباحة الآخرين.

العاصمة السياسية عدن 
 

مقالات الكاتب