د . عارف الحوشبي
دروب وأشواك
خطوات متسارعة كلما اقتربت من نقطة النهاية ضاقت امامها المسالك وازدادت دروبها هوةً وانحداراً ونبتت على صعيدها المتعرج الاشواك فيتبادر الى الاذهان الف سؤالٍ وسؤال ، قد تبدو من الوهلة الاولى سهلة الاجابة ولكن يصعب فهمها فهما صحيحاً كقطعة أدبية نثرية صاغها قلمٌ متمكن بطريقة سهلة ممتنعة لايفهمُ معانيها ولا يدرك مغزاها الا الراسخون في الحكمة والادب والمتمكنون في سبر أغواره ، تلك هي رحلتنا ، رحلة شعب أحادية المسار إجبارية الاتجاة ، إنها طريق تخلو من اي اشارات دالة ترشد السالكين لها وتحدد لهم مدى المسافة التي تفصلهم عن نقطة النهاية ، نعم إن هذا هو واقعنا المعاش وزماننا المدرك الذي شاءت ارادة الله أن نكون من معاصريه وصانعي بعض أحداثه والتي تبدو مؤلمة في كثير من فصولها ...
لقد أصبحت حياتنا محاطة بعلامة استفهام .. بل علامات استفهام عديدة وكبيرة جداً ، بحجم واقِعنا المرير وغدت تحاصِر مستقبلنا المُعاش ، وُمستقبل الجيل الجديد القادِم ، نريد لها إجابات ولكن لم نجد إجابات حقيقية تبرز من خلال النظر الى واقعنا المُتبلد الافهام والمتلبد بغيوم الاحداث التي صنعت من حولنا وشاركنا في تمكينها من الاحاطة بنا كإحاطة السوار بالمعصم والقلادة بالعنق ، لا نريد علاجات مُسكنِة تخرجنا عن واقعنا الحقيقي المعاش المدرك الى احلام قد تبدو خيالية ، فلقد أدمنا تلك المسكنات ، وأصبحت ليست بذات فائدة ولا يرجى منها شفاءً لجسد مريض منهك لا قدرة لديه على التفكير المجرد ولا ابتكار الحلول التي تساعدنا في تجاوز نفقٍ مظلمٍ دخلنا فيه او أدخلنا اليه إجباراً لا ٱختيراً نسير في متاهاته بحثاً عن نقطة ضوءٍ ثمينة ترشدنا الى الخروج منه ، فقد وصلنا كشعب الى مرحلةٍ شديدة التعقيد لم ندرك بسبب اللاوضوح المسيطر على المشهد السياسي ما ترجوه قيادة الدولة السياسية والتنفيذية من صرفها لنا وتخليها عنا في وقت نحن أحوج مانكون اليها كطفلٍ رضيعٍ لم يبلغ مرحلة الفطام الى أمٍ حنون تحنو عليه فينام في حضنها الدافئ بأمان وسكون وطمئنينة ، وربما يحصل مايحصل من تلك القيادات لأنها تدرك تمام الإدراك أنها غير قادرة على ان تشفي واقعا مؤلماً معاشاً يمر به الوطن والهوية والانسان ، لأنها صُرِفت في كل مُنعطف مر بنا بعيدا عنا او ربما انصرفت بإرادتها ، نعلم وبكل ألم انه فقط قد يتم أحياناً تغير أسم الطبيب ، والشركة المصنعة للمنتج الطبي مع بقاء المادة الفعالة دونما اي تغيير ، فهل لأنهم أدمنوا التقليد ؟! أم لأن الشعب في تفكيرهم لا يستحق بذل العناء من أجله ليتمكن من تغيير واقعه المؤلم لانهم يرونه شعب عرطة يرضى بالقليل ، أم لأنهم خرجوا من نفس الأكاديمية الكسيحة فاقدة الابداع ميتة الضمير عديمة الاحساس والشعور والتي شعارها ( انه شعبي خبز يدي والعجين ) ، أم أننا كشعب قد تمكنا من صناعة الحلويات دونما نكهات واكتفينا بالدقيق والماء والسكر المطبوخ على نارٍ هادئة ، فإن كنا كذلك فقد صارا لزاما علينا تعلم طرقاً جديدة لصناعة الحلويات بنكهاتها المتميزة واشكالها المتنوعة الاحجام والوانها الجذابة ، وعند ذلك يجب علينا كشعب حر أن نخرج من بين جدران مطبخ جدتنا القديم الذي بناه بناء أناني يحب ذاته على مقاسه ومقاس الاسرة فحسب ولا يستوعب الاخرين الى رحاب مصنع متكامل ، ليتمكن ذوي الكفاءات من متخلف الوان الطيف ( لا أقول لإدارة مصنع حلويات فعلي كما قد كما يتبادر الى ذهن القارئ بعد ان بعد أن تجول بين الكلمات العابرة لهذا المقال المبهم وكأنه يحاكي واقع تلك القيادات التي اصبح مصير هذا الشعب بين اناملها المرتعشة وتبد لنا خداعاً كنجوم لامعة على صفحات الماء الساكن نضنها قريبة منا ولكننا كلما اقربت أمالنا نحوها ازدادت بعداً عنا فيهبط فينا منسوب الامل ليصل الى مستوى يلامس اليأس شبة الابدي منها )، بل تخرج تلك الكفاءات لإدارة مؤسسات الدولة ، وتعتبرها إرثاً عبثياً وتركة ثقيلة ، لا تستحق أن تقلب فيها كثيرا او تقف امامه طويلاً للبحث عن ما يُفيدها لذاتها ، بل لحل مشاكل متراكمة ، يتحقق به طموحنا الوطني للمستقبل القريب والبعيد ، وتعد العُدة ، وتؤسس لمصنع او مطبخ فيه الكثير من الرفوف متعددة الاحجام بعدد مشاكل حياتنا ومتطلباتها ، وتعنونها بعناوين واضحة بارزة لا لبس فيها ولا غموض ولا خجل ، نضع فيها أفكارنا الجديدة المبنية على أسس علمية صحيحة في جميع مناحي الحياة ليكون معبراً عن جُهدكم المتواضع للسعي الى تأسيس نظام مؤسسي مبني على الشفافية والوضوح مغلباً للمصلحة الوطنية ، يرتكز على قاعدة متينة يستطيع من خلفهم ان يقفون عليها بثبات وثقة وعزة وشموخ .
قد يبدو الوطن حديقة خضراء متعددة الاشجار والثمار غنية بزهورها العبقة بروائحها المنعشة وألوانها المميزة ولكن لاخير من الحياة فيه حينما يستطيع كلب ضعيف ان يلف رباط متين على جسد اسد هصور كان في لحظة نوم عميق لم يستطع بعدها الاسد الشجاع الفكاك من ذلك الرباط المهين الا حينما جاء حمار طيب قام بحل ذلك الرباط فكافئه الاسد نظير ذلك أن جعله حاكما للحديقة الكبيرة بعد ان قرر هو مغادرتها ، وعندما سأله الحمار عن سبب ذلك اجاب الاسد لا خير من العيش في مكان يريطك فيه كلب ويطلقك منه حمار فياترى كيف تغدو الحياة حينما يكون مصير شعب بين ايادي من ذكروا اعلاه.... هل سيكونون اسودا ضارية تزأر بالحق ، وتحد من العبث بمقدرات شعب ومصير وطن ، أم انهم اناس عاديون كغيرهم ، غير عابئين بهموم شعب ووطن . كم سمعنا كم رأينا من حكومات تشكلت ، وأقسمت بعظيم القسم ، ومات الشعب بعدها بين اليأس والندم .
ان ادرنا كشعب ان نصحح فلنبدأ من الساس لنتمكن من الانطلاق نحو العلى لنبدأ التصحيح من ذواتنا اي من انفسنا ولنعتبرها الخطوة صفر ، نعم الخطوة صفر فالصفر ليس عيباً ! ، فهو قيمة كبيرة إذا أستخدم الاستخدام الصحيح ، حيث يمكن أن يحول قيم الآحاد إلى عشرات والعشرات إلى مئات ، والمئات الى آلوف وهكذا الى مالانهاية له وكلما ازداد عددها زادت القيمة مادام الصفر في مكانه الصحيح ، اي على يمين العدد ، أما إذا وضع على يسار العدد فالإجابة واضحة ولا تحتاج الى مزيد من الشرح والتبيين ، لن يتغير شيء في واقعنا القريب والبعيد ، اذا لم نبدأ من الصفر ونضعه في مكانه الصحيح ، لندرك جميعا ان الله قد حبانا بوطن جميل ينتظر منا نقلة نوعية من لغة التنظير الى لغة الارقام ينتظر منا ان نضع الرقم الصحيح في مكانه المناسب حتى ولو كان صفرا فلاشك انه سيغدو ذو قيمة رغم كل الجراح النازفة في جسد وطن مكلوم .
مؤلم حين تبرز ثقافة الفيد ويزداد منسوب الذاتية من قِبل مَن ملكناهُم أمرِنا ، ولان رأس الحكمة مخافة الله فإن ثقافة الفيد تتناقض معها .
ان حديقة الوطن تحوي اشجاراً مثمرةً ومتنوعة ، ولكن ينقصها مهندسٍ زراعي بارع ماهر أمين ، يتولاها بالرعاية الصحيحة ، المبنية على الطرق العلمية الحديثة التي تعززها التجارب الإنسانية التطبيقية ، واولى خطواته ريها بالماء العذب المعتمد على نظام التقطير الحديث الذي لا يهدر قطرة ماء واحدة وفي ذات الوقت يتولى حماية اشجارها وثمارها من كل الحشرات والآفات التي تتغذى على المحاصيل والثمار ويقوم بإزالة ماكان منها غير ذي جدوى وفائدة .
يقول مراد الغضبان...
آه عليك يا وطني...
إلا تعلم ماذا جنيت وما هو ذنبك ؟
إلا تعلم ماذا عصيت وما هو جرمك ؟
أنا أقولوا لك يا وطني الجريح.. يا وطني الذبيح .. ياوطني السليب.
ماذا جنيت حتى تجرعت سموم الحقد ومرارة العلقم . وألقت بك أيدي الخيانة للمحن .
هـيـهات أن يكونوا لك سيوفاً ولنا عدولا !
ماذا جنيت حتى اصابتك نيران اخوتك قبل نيران اعدائك.
وكيف اجتمعت مخالبهم عليك!
وكيف عاثوا فساداً بقلبك النابض!
وكيف البسوك اثواب الردىء وطرزوها بالمحن!
حتى أصبح حالك يرثى له في كل صباح ومساء .
رغم انك نجمة صبح تسبح بالأحدا ق.
وأبهى من البدر في ليل التمام.