“الجيش الوطني” بطل الانسحابات المتواصلة
لا يمكن لأي إنسان يتبنى قضية وطنه إلا أن يتمنى للجبهة التي يناصرها الانتصارات الدائمة، وتلك حقيقة أكثر بديهية من طلوع الشمس من جهة المشرق، لكن لا يمكن لكل ذي بصيرة أن يبتهج للأخبار التي تتحدث عن انتصارات مهولة لـ”جيشه الوطني” وهزائم ساحقة للعدو وهو يرى هذا العدو يحتل كل يوم مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة “جيشه الوطني”.
ما دفعني إلى هذا القول هو تلك الانسحابات المتواصلة التي يحققها “الجيش الوطني” “الشرعي” وهو يخوض حربا شعواء ضد وكلاء إيران (كما يفترض)، نيابة عن ملايين المواطنين الذين هم أبناء الوطن المنسوب إليه هذا “الجيش”، إذ لا جيش وطني بلا وطن، ولا وطن بلا مواطنين كما هو مؤصل في الوعي اليومي الاعتيادي لكل مواطني في هذا البلد وكل بلد.
هذا الكلام لا يبخس الأعمال البطولية التي يبديها ألاف المقاتلين الأبطال سواء كانوا من جنود هذا الجيش أو من المقاومين المتطوعين في معظم جبهات المواجهة مع القوات الحوثية، وهكذا فنحن نتحدث عن جيشٍ يفترض أن مدعوم بأكثر من عشرين مليون مواطن يمني وبجانبه الدعم السخي من الأشقاء في التحالف العربي، على افتراض أن بقية الملايين من اليمنيين يدعمون الحوثي الذي يقول إعلام “الشرعية” أنه لا يمثل سوى 5% من سكان اليمن، ولا نتحدث عن المقاومين المتطوعين الأبطال الذين يعملون بعيداً عن هذا “الجيش الوطني” ويلحقون الهزائم الساحقة بالقوات الحوثية، ثم يأتي الجيش ويسرق انتصاراتهم ويقتلها بتسليم الأراض التي حرروها للحوثيين الذين خسروها.
ولو ألقينا نظرة خاطفة على تاريه هذا “الجيش الوطني” لوجدنا أن “الانتصارات” التي حققها لا تساوي 1% من الهزائم التي تلقاها والانسحابات التي قام بها، بدءً بحروب صعدة السبع مرورا بمواجهات ما قبل إسقاط صنعاء وتسليم ذمار وإب وحجة والمحويت وريمة وصنعاء المحافظة، مرورا بتعز ولحج ثم عدن وأبين وبعض مناطق شبوة، قبل أن يحررها أبناؤها، وانتهاءً بتسليم نهم ومأرب والجوف والبيضاء وأخيراً مديريات بيحان لمليشيات “السيد”، كل هذه الهزائم العشوائية والمخططة لم يحققها أي جيش في العالم، إلا وجرت إزاحة قياداته، كل قياداته، ومن يتولى مسؤولية الإشراف عليها، وفي إحيان كثيرة يقدم الرؤساء ونوابهم ورؤساء الحكومات استقالاتهم، لمجرد فشل صغير واحد تمنى به قواتهم في موقعة صغيرة من مواقع المواجهة.
إذا ما أردت البحث عن “كوميديا سوداء” معاصرة، أو ما يسميه البعض بـ”الـمضحك المبكي” فاقرأ أحد المواقع الإعلامية لداعمي “الشرعية”، أو شاهد إحدى قنواتهم الفضائية، وستجد العجب العجاب، من الأحاديث عن الهزائم المنكرة التي يلحقها “الجيش الوطني” بالقوات الحوثية، وعندما تتابع التفاصيل، تجد أن الحوثيين انسحبوا من تبة صغيرة في قرية صغيرة في عسيلان أو مرخة أو العبدية أو حارة من حارات مدينة مأرب واحتلوا مقابلها مديرية أو مديريتين في مكان آخر، ومعلومة الهزيمة على ضآلاتها قد لا تكون صحيحة، لكن هذا الإعلام البائس يصر على إقناعك بأن نهاية الحوثيين أوشكت بسبب إخراجهَ من تلك التبة أو القرية أو الحارة.
لا شك أن الحوثي يحتفي بهذه الأخبار أيما احتفاء ويشعر بسعادة منقطعة النظير وهو يرى الإعلام الذي يفترض انه يعاديه وهو يخدع الجماهير التي تعاديه فعلا وبالمجان.
يا هؤلاء!
أنتم كنتم على بوابة صنعاء ولم يبق بينكم وبينها سوى بضعة كيلومترات كان يمكن إسقاطها من خلال خطة عسكرية محكمة يعدها استراتيجيون عسكريون محترفون ووطنيون صادقون، لا قادة ينامون تحت المكيفات ثم يدلون بتصريح كل خمسة أشهر من باب رفع العتب وللحفاظ على الراتب الشهري والاستقطاعات غير المشروعة من مرتبات الجنود والشهداء والجرحى، لكنكم تنازلتم عن كل هذه المساحات الشاسعة ثم تحاولون إقناع ضحايا فشلكم بأنكم تسحقون الحوثي في قرية أو تبة أو حارة صغيرة لا قيمة لها ولا وزن أمام الهزائم المنكرة التي ستدخلون بها موسوعة جينز للأرقام القياسية في الهزائم.
لم يكن لمشروع الحوثي أن يصمد لأشهر ولا لأيام، لأنه آتٍ من خارج السياق التاريخي لصيرورة الحياة وحتمياتها، لكنكم بخيباتكم وعدم أهليتكم وربما بتواطؤاتكم وتنسيقاتكم معه، حولتموه من لا شيء إلى هذه الحالة التي صار فيها اليوم، أما الهزائم والانسحابات المتواصلة منذ العام 2004م فليست سوى عرض من أعراض الحالة المرضية التي استفحلت في كل منظومة الحكم وأوصلتها إلى الشيخوخة وحافة الموت، لكنها تصر على ممارسة الوظائف الحيوية للكائن الحي بمخالفة قوانين البيولوجيا والكيمياء والفيزياء والتاريخ والإنثروبولوجيا.